لم تكن "منى" ذات الثمانية عشر عامًا، تدرك أنّ الحرية التي كانت تنعم بها ستنتهي أخيرًا، وأنها ستبقى بعد ذلك حبيسة أربعة جدران تتجرّع ويلات فقدها لطفلتها البريئة.
عاشت منى طفولتها في قرية تابعة لمديرية خمر، محافظة عمران (شمال صنعاء)، يتيمة الأب، إذ غادر الحياة باكرًا وهي في نعومة أظفارها، لترعاها أمها إلى جانب أخيها الوحيد وأخواتها الأربع. وهكذا كبرت عامًا بعد عام، وأصبحت على أعتاب الدخول في حياتها الزوجية.
وكان حزام، الرجل الأربعيني، وابن قريتها المجاورة، وهو أب لأربعة أبناء ومتهم في قضية قتل، قد تقدم للزواج بها، فدخلت الشابة في حالة من الشعور بالزهو، كونها صارت في مرحلة ستمكنها من تكوين أسرة، والعيش بسلام وحب. وعندما كانت على مسافة شهر ونصف من مراسيم زفافها، تفاجأ أهلها باختفائها من منزلهم، في بداية مايو/ أيار 2020، وبالرغم من الجهود المكثفة للبحث عنها فإنه لم يتم العثور عليها.
مرت ستة أشهر، لكن منى لم تعُد، وتلاشت آمال أسرتها بالعثور عليها، باستثناء أخيها الوحيد الذي ظل متشبثًا بأمل العثور عليها، فظلّ يتتبّع خطاها ويتقصّى أثرها هنا وهناك، حتى توصل إلى معلومة غير مؤكدة بأن أخته هربت مع العريس المنتظر إلى صنعاء، وأنها تسكن حاليًّا في شقة تم استئجارها لها هناك من قبل الأخير.
لجأت أسرة منى إلى إدارة أمن صنعاء، وبالفعل قام رجال الأمن بتحديد مكان الشقة التي تسكن فيها، وإلقاء القبض عليها وزوجها في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وعلى الفور تم نقلهما إلى إدارة السجن المركزي بمحافظة عمران وإيداعهما فيه، ومن ثم البدء بإجراءات التحقيق معهما.
لم تكن الفاجعة هينة على أسرة منى وأقاربها، وذاع صيتها في أرجاء القرية التي ألقت باللائمة على زوجها الذي نصب شراكه للشابة ورسم لها مسارًا في مجتمع تقليدي محكوم بالعيب، وفاقم من المأساة أن منى أصبحت حاملًا بطفلة لا ذنب لها سوى أنها ضحية لمجتمع وأعرافه وما يجب أن يقرره، لتصبح المرأة فيه هي الحلقة الأضعف، أمًّا أو بنتًا.
أصبحت الأيام والأشهر، ضربًا من الجحيم للشابة منى مع بقائها في السجن المركزي، أصبحت في حالة يرثى لها من الحزن، وبعد تسعة أشهر من الحمل وضعت طفلتها، وأصبحت محاصرة بين الوصمة الاجتماعية والوضع القانوني لكونها حملت خارج المؤسسة الزوجية، أما الرجل الذي أوقعها في حبائله، فتمّكن من مغادرة السجن بالوساطة، وتركها تحمل أوجاعها وحيدةً.
وهكذا ظلت منى في السجن المركزي، تربي ابنتها، حتى سعى عمها بمعية شخصيات وعقّال القرية للإفراج عنها وعودتها إلى بيت أهلها، وبالفعل تم الإفراج عنها في 30 يونيو/ حزيران 2021، لكنها أمست رهينة بيت عمها الذي هو الآخر لا يقل قسوة عن السجن الذي كانت فيه، لتعاقب بأخذ طفلتها منها وإرسالها إلى منزل أبيها لتعيش هناك.
وبعد عام من سجنها الجديد، قرّر عمها تزويجها بابن عمتها، وهكذا تم عقد قرانها به في منتصف يوليو/ تموز 2022، لتعيش معه حياة جديدة سعى جميع أقربائها لدفعها لتخوض غمارها، ليطمسوا ما اعتقدوه عارًا وجريمة بحقهم. ومع كل إشراقة فجر، تصحو منى لتبدأ به طقوس العمل في بيتها الجديد، لكن بقلب منكسر، وألم، من أنها فارقت طفلتها، وأصبحت تعيش على أمل أن تلم شملها بها.