التَّغريبةُ الفِلسطينية مسلسل دراما تاريخي سوري باللغة العربية واللهجة الفلسطينية، يعد أحد أهم الأضواء التي سلطت على القضية الفلسطينية، وأكثر الأدوات حدة حسب رأي بعض النقاد. بُثّ لأول مرة في: 15 أكتوبر 2004، من تأليف الكاتب: وليد سيف، وإخراج: حاتم علي.
تناولَ المسلسل القضية الفلسطينية، بشكلٍ واقعي، وعميق التصوير، ولعل طفولة الكاتب وليد سيف في فلسطين، وحياته في مخيمات اللجوء، كانت هي المحرض الأكبر الذي ألهمه البراعة في كتابتهِ للسيناريو وللقصة بذلك الشكل والدقة في مُلاحظة أغلب التبدلات الداخلية والخارجية، بعبقرية، للحياة الفلسطينية، توازيًا مع الأحداث بشكل شامل، وما تخللها من تغيرات نوعية، للمجتمع بكافة أطيافه وطبقاته المختلفة، وتنوع شخصياته المتباينة الفكر والآراء والمواقف؛ الفلاح والعامل، الشاعر والمثقف، الثائر والإقطاعي، والخائن لوطنه.
وتقديم العمل بمستوى فهم طبقة واسعة من المتلقين بمختلف تنوعاتهم، من خلال الإلمام بكافة التفاصيل الروحية للإنسان الفلسطيني، وموقفه مما يجري في العالم، ابتداء من الفلاح الذي يعتبر في الوعي الطبقي الزائف في مستوى اجتماعي أقل، لكنه يصير البطل في القصة برمتها، لأنه يحمل وطنه بكل جراحِه في قلبِه، وهو أكثر استعدادًا للمبادرة والبذل، وصولًا للفوارق الطبقية، والصراع بين أبناء المجتمع، واعتقاداتهم المتخلفة.
خاض المسلسل في مراحل زمنية طويلة، وأحداثٍ ومتغيرات كثيرة، لذا فقد لجأ الكاتب إلى استخدام راوٍ للأحداث؛ وهو "علي"، الشخصية التي يؤديها تيم حسن لأجلِ اختصار الأحداث، والتعليق عليها.
صوّر المسلسل المأساة الفلسطينية ببراعةٍ، وخلّدها في وعي الجيل الذي ربما كاد الزمن أن ينسِيه، أو يُبعدهُ عن القضية.
لعل أهم ما يهدّد قضايا الشعوب هو النسيان، وطمس الذاكرة. خصوصًا؛ مع وجود كيان مدعوم عالميًّا، وصاحب أذرع طويلة، وقوية التمدد والتأثير، والتي استطاعت مع الوقت جعل الكثير من الدول العربية على استعداد للتطبيع معه. في هذا الظرف، كادت القضية توشكُ أن تتوارى وتبهت شمسها في وعي ووجدان الشعوب العربية، وربما أبناء فلسطين أنفسهم.
استطاعت التغريبة الفلسطينية أن تُعيد للجرح حرَارتهُ، وتوقظ ذاكرة الدم المسفوح، أن تُعيد وصل أطراف الحكاية المتهتكة، وتضع المُشاهد أمام الحقيقة:
لك أن تتخيل أحدًا من جاء من أقصى الأرض ليحتل بيتك، وبلدك، تخيل مشاهدة ذلك السيناريو الهازئ، والعرض التراجيدي المأساوي لتسلسل الخيبات، والسقوط للمدينة تلو المدينة، والخيبة مجرورة بخيبة، والأسى يلي الأسى، تخيل أنك ترى وتشاهد كل ذلك الاستهتار بكرامتك ووجودك، وبحقك الوجودي في الأرض والحياة، وكأنك مجرد بيدق شطرنج، يحركك اللاعب الأذكى.
ما هو قاسٍ في حُزن الفلسطيني هو الانكشاف المُخزي لألاعيب السياسة ورخصها، والعمل بعيدًا عن ماهية القضية وقيمتها النضالية وحواملها الأخلاقية، أما الأكثر قسوة وحزنًا هو الخذلان العربي، وخيبة الأمل حتى من القريبين جدًّا.
اختُتم المسلسل بسؤال كبير، وإجابة كبيرة:
ما هو الحل أمام الظلم، وأمام حقك المسلوب، وهل مصير الوطن مصيرك شخصيًّا، حقًّا؟
كان مشهد الختام، لشخصية رشدي، التي يؤديها المخرج حاتم علي نفسُه، وهو يذهب للمغارة البعيدة ويأخذ سلاح والده، الذي أُعيد إليه بعد استشهاده بالحرب، وخبّأهُ في مغارة بعيدة، منذ الطفولة، كذكرى وحيدة، وكـ"رمزية" اختصها المخرج للمقطع الأخير، ليفاجئنا برفض رشدي السفر خارج البلاد بعد نكبة 67، والذهاب نحو المغارة متأبطًا سلاح والدهُ؛ إجابة للسؤال المفتوح: ما هو الحل؟ "المقاومة"، في لحظة مرتبكة الخيارات وضبابية الطرق.
عمومًا، لطالما كانت الدراما أحد أعظم الأدوات الفنية ابتكارًا، إضافة إلى قيمتها كوسيلة للتعبير الفني وتعزية الإنسان في الحياة، هي أيضًا وسيلةٌ كبيرة يمكن أن تنتصر للخير وتقف بجانبه، يمكن أن تكون مادة حافظة بوجه الزمن المتحلل.