تُصادِف اليوم (7 فبراير 2024) الذكرى الحادية عشرة لرحيل المثقّف والفنّان الكبير محمد مرشد ناجي، الذي عمل لأكثر من ستة عقود على التأصيل للفنّ اليمنيّ بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الروّاد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها. غنّى للإنسان والأرض والثورة والعشّاق... أطربَ وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغِناء، بل نظر للفنّ وألوانه، وهو الذي حُرم من منحةٍ لدراسة الموسيقى لأسبابٍ سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهضة للاستعمار، والتي توّجَها بانخراطه في الجبهة الوطنية المتحدة التي قادت تظاهرات ضدّ السياسات التمييزية للمستعمر ضدّ أبناء اليمن عمومًا؛ المظاهرات التي عُرفت في الأدبيات السياسية بمظاهرات إسقاط انتخابات المجلس التشريعي أواسط خمسينيات القرن الماضي.
الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، أصدر في العام 1959، كتابًا هو الأول من نوعه في مجال التنظير الموسيقيّ في ذلك الوقت، أسماه "أغانينا الشعبية"، وقال فيه:
"عندما كتبت (أغانينا الشعبية) لم يكن الهدف من الكتابة تناول قضايا فنيّة بحتة حول الأغنية الشعبية في اليمن، والقصور في هذا الجانب واضح كل الوضوح، وكان القصد والمراد هو خدمة أهداف الجبهة الوطنية المتحدة 1955م، والتي كان لي شرف الانتماء إليها متأخرًا كعضو في هيئتها التنفيذية العليا".
وهو في الحادية والعشرين من عمره لحّن وغنّى قصيدة "هي وقفة" للشاعر محمد سعيد جرادة، والتي لم تبلَ حتى اليوم، بعد أكثر من سبعين سنة على ظهورها الأول المدهش.
غنّى لتهامة رائعة الشاعر العنسي: "شابوك أنا وا امرفاق بكرة أرض امجبل ما نُبَى امساحل"، وغنّى من حضرموت رائعة المحضار "دار الفلك دار"، حينما سكب فيها من روحه اللحني البديع، ولصنعاء غنّى مُجِّددًا رائعة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي المشهورة: "عن ساكني صنعاء حديثك هات وا فوج النسيم".
غنّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لما تسهر"، وغنّى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على امسيري على امسيري، ألَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصية الحجرية، حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي القصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللَّحْجيّ الكثير، ومنها: رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وين أنا لا وين".
وهو أوّلًا وقبل كل شيء، أحد مجدِّدي اللون الغنائيّ العدنيّ، حين غنّى الكثيرَ من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما.
إنّه باختصار المرشدي، الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا.