المدرهة.. موروث يمني مهدد بالاندثار

طقوس لعبة شعبية بأبعاد اجتماعية
إسماعيل الأغبري
July 9, 2022

المدرهة.. موروث يمني مهدد بالاندثار

طقوس لعبة شعبية بأبعاد اجتماعية
إسماعيل الأغبري
July 9, 2022

"المدرهة" عادة يمنية منتشرة في صنعاء القديمة وبعض المناطق الأخرى في اليمن، تبدأ مطلع شهر ذي الحجة، حيث تُنصب المدرهة، أو الأرجوحة المصنوعة من أشجار الرمان، في فناء المنازل، أو في أزقة الحواري كما هو حاصل في صنعاء.

لهذا التقليد السنوي معانٍ ودلالات، وتجهيزات تبيّن كيفية استعدادات الحجّاج اليمنيين للسفر إلى الحج حتى عودتهم إلى أرض الوطن، وما يتخللها من عادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين لوداعهم واستقبالهم.

المدرهة في ظاهرها لعبة شعبية، لكنّ لها بعدًا دينيًّا وآخرَ اجتماعيًّا تجسدهما كلمات الأهازيج المصاحِبة وطبيعة المشاركة فيها، فالبعد الديني يتجلى بتعظيم فريضة الحج ومباركة الساعين لتأديتها.

بينما يُجسَّد البعد الاجتماعي في الترابط الأسري والمجتمعي الذي تعكسه طبيعة المشاركة في هذه الاحتفالية الشعبية، والتي تتيح لكل فئات المجتمع، أطفالًا ونساء، المشاركة فيها، وَفق تنظيم وقتي محدد، بحيث تشارك النساء والأطفال في النهار، في حين يشارك الرجال في المساء.

تاريخ المدرهة 

يعود تاريخ المدرهة إلى ما قبل 1200 عام، وذكر كتاب السلوك لمؤلفه بهاء الجندي، أنّ المدرهة شيء اعتاد أهل اليمن عليه منذ ذلك الذي ذهب ليحج أول حجة– لعله يقصد الحج الإبراهيمي، كما تعتبر هذه العادة شائعة في صنعاء وخارجها وفي كثير من المدن اليمنية، بدليل أنّ والي عدن الملقب بالجزري، نصب مدرهة للسلطان الرسولي المظفر علي بن عمر عندما ذهب إلى الحج سنة 659هـ، وقلده في ذلك أغلب أعيان عدن في ذلك الوقت.

في السياق، يقول خالد غانم، الأستاذ في كلية الآداب - جامعة صنعاء، لـ"خيوط"، إنّ المدرهة تراث شعبي قديم يعود تاريخها إلى ما يقارب 1200 عام، ويتم ممارستها في صنعاء وعدن، لكنها منتشرة بشكل أكبر في صنعاء ومرتبطة بموسم الحج، حيث تعتبر فعالية دينية تراثية وثقافية.

تعد الأهازيج والأناشيد من أهم الطقوس التي تصاحب المدرهة، ويغلب على النص الشعري الخاص بها الشجن والحزن وتغنى بأبيات عفوية ونغم مؤثر

ويشير غانم إلى أنّ اليمنيين كانوا ينصبونها على الأشجار والأخشاب، ويصاحبها القصائد والمواويل والأشعار في توديع الحاجّ والدعاء له قبل مهمته الصعبة التي سيعانيها في رحلة الحج التي كان يقطعها سيرًا على الأقدام. 

الصناعة والتنصيب

تصنع المدرهة من أشجار الطَّلْح أو الأثل التي تتميز بالقوة والمتانة، ويتم ربط أعمدتها بحبال قوية ومتينة تسمى حبال السَّلَب، وهي شجيرات صبّارية سيفية سميكة حادّة الرؤوس، يتحرى الأهل عند تنصيب المدرهة، في أهمية توثيق أعمدتها خشية انقطاعها؛ لأن انقطاعها يحمل اعتقادًا ينذر بالشؤم من أنّ الحاج في خطر.

يعتبر أستاذ الآثار والسياحة بجامعة صنعاء، محمد الحجوري، في حديث لـ"خيوط"، المدرهة أهم معلم مرتبط بالحجيج، فعندما ينوي الحاج السفرَ لأداء مناسك الحج يقوم الأهل والجيران والأقارب بنصبها في حوش أو فناء كبير في منزل الحاج أو أحد الجيران أو في إحدى ساحات القرية أو مكان تجمع الناس كالميدان، وبالرغم من اختفاء تقاليد وطقوس المدرهة، فإن نصبها في موسم الحج ما يزال شائعًا في صنعاء حتى الآن.

وتعدّ الأهازيج والأناشيد من أهم الطقوس التي تصاحب المدرهة، ويغلب على النص الشعري الخاص بها الشجن والحزن، وتغنى بأبيات عفوية ونغم مؤثر.

وتسمى المدرهة باسم الحاجّ أو الحاجّة، ويتأرجح عليها أهله/ أهلها وسكان الحي، رجالًا ونساء، مرددين الأهازيج الشعبية، ويخصص النهار للنساء والأطفال، وساعات من الليل لرجال الحي، ويتزامن مع فعالية تركيبها و"التَّدرُّه" عليها، أهازيجُ بأبياتٍ وأنغام جدًّا رائعة ومؤثرة تعكس الاشتياق للحج وتعظيم شعائره، وأيضًا مدى الترابط والرقي في العلاقات والترابط بين أفراد المجتمع.

يؤكّد المنشد عمار الحبري لـ"خيوط"، أنّ الأهازيج المصاحبة للمدرهة، منذ أواخر ذي القعدة إلى أواخر ذي الحجة من شهور التاريخ الهجري، هدفُها التحفيز والتشجيع للحج، ولها شوق مميز ويختص باليمن، ويبدأ الحاجّ في منزله بالتسبيح.

محاولة لإحياء التراث 

يحرص ناشطون وجهات ثقافية على إحياء هذه العادة السنوية، حيث دوّنت وزارة الثقافة كلمات المدرهة ضمن كتاب (فن النشيد الصنعاني)، تأليف علي محسن الأكوع، رئيس جمعية المنشدين اليمنيين، وتتبعه في الآونة الأخيرة التدوين السمعي والبصري تجسيدًا للمدرهة وتوثيقًا لفعاليتها.

ونفّذت مؤسسة عرش بلقيس للتنمية والسياحة والتراث هذا العام، المهرجانَ السادس بهدف التذكير وإحياء هذا التراث الشعبي الحضاري بهدف الحفاظ على الهُوية اليمنية وتأصيل جذور الانتماء والاعتزاز بالموروثات لدى الأجيال.

وقالت دعاء الواسعي، مديرة مؤسسة عرش بلقيس، لـ"خيوط"، إنّ هذا الموروث بدأ بالاندثار والتلاشي خلال الفترة الماضية؛ لذا يجب على المهتمّين في الجوانب الثقافية العملَ على إحيائها؛ لأنها ظاهرة اجتماعية صحية تحمل المحبة والودّ والعلاقات الاجتماعية، وفيها فنّ وأهازيج، وأناشيد، وشجن، إضافة إلى كونها ظاهرة اجتماعية قوية تعمل على تقارب المجتمع، تستحق الاهتمام بها ومحاولة إحيائها في مثل هذه المناسبات الدينية والعيدية.

•••
إسماعيل الأغبري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English