الفنان أحمد علي المعطري، عطّرَ صباحاتنا بنغمات صوته العذب، "يا صباح الجمال"، وبألحانه الحماسية الشجية، "يمينًا بمجدك يا موطني"، وهو من أهم الأصوات الفنية الرائدة في اليمن، والتي قدمت الأغنية اليمنية بفرادة واقتدار.
ببشاشة وجهٍ يحمل ملامح وطن، استقبلنا الفنان والشاعر الغنائي القدير أحمد علي المعطري أمام منزله المتواضع في صنعاء، ومعه رحلنا في حوار شيق وممتع، من خلاله أطلينا على تجربته الفنية الحافلة بالإبداع والتميز.
في قرية "ضراس" إحدى قرى مدينة إب، ولد الفنان أحمد علي المعطري في العام 1948، وفيها بدأ دراسته، حيث تعلم القرآن الكريم وعلوم اللغة والخط العربي، وكان المعطري ميالًا إلى الغناء والطرب، وهو في سن مبكرة، يستمع بشغف كبير إلى فناني ذلك الزمن الجميل.
بعد التحاقه بالجيش قدم عددًا من الأغاني الحماسية التي تتغنى بالثورة اليمنية المباركة وبأبطالها، وكان هو واحدًا ممن تصدوا لقوى الإمامة أثناء محاصرتهم صنعاء "حصار السبعين يومًا" في العام 1967، وأثناء قيامه بواجبه الوطني أصيب إصابة بالغة في إحدى ساقيه، نقل على إثر تلك الإصابة إلى دولة الجزائر، ثم عاد إلى اليمن يحمل بين جوانحه قلبه النابض بالفن والوطنية معًا.
في مستهل حوارنا، كنا قد سألنا الفنان القدير أحمد المعطري عن أول عمل فني أطل من خلاله على الجمهور، فأجاب: "سمراء شاوية" أول عمل فني سجلته لإذاعة صوت العرب، حيث تم التسجيل في إذاعة صنعاء ضمن سهرة فنية كان على رأسها الفنان الكبير علي بن علي الآنسي.
الإعلام والأغنية اليمنية اليوم:
كان للإذاعة دور مهم في تقديم أعمالكم الغنائية والتعريف بكم إلى جانب عدد من الفنانين اليمنيين الكبار، هل ترى أن وسائل الإعلام اليوم، مع تطورها، تؤدي نفس الدور في التعريف بالفنانين وأعمالهم؟
نعم، الإعلام اليوم يؤدي دورًا ثقافيًّا رائعًا ويقوم بمسؤوليته، إلا أن نصيب الفنانين القدامى فيه ضئيل جدًّا.
يعتبر الفنان أحمد المعطري الأغنية التراثية المرجع الأساسي لكل فنان وهي المنطلق الأول في حياة كل الفنانين، حتى الذين كونوا مدارس فنية خاصة بهم لم يستغنوا عن الأغنية التراثية.
لكننا في هذا الصدد، نتذكر أن إحدى الفضائيات اليمنية، أجرت معك حوارًا تلفزيونيًّا؛ نحن كمشاهدين ومهتمين بالمجال الفني رأينا أن هناك إجحافًا في حقك كمناضل وكفنان، ما هو تعليقك على ذلك اللقاء؟
مقدم ذلك اللقاء كان يريد أن يعرف اتجاهاتي الحزبية أو السياسية، ومع أي تيار أكون، ومع أني أقنعته بأني لست سياسيًّا ولا حزبيًّا، بل رجلًا وطنيًّا، والشعب اليمني يعرف ذلك عني، لكنه لم يقتنع واستمر يوجه أسئلة لا علاقة لها بالفن، وكأنَّه يحقق معي بصورة غير لائقة، ورغم ذلك لم أعره أي اهتمام، تاركًا الإجابات عليه للذين لهم معرفة كاملة عني، وقد اكتفيت بأن أقول له، "ما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه"، ولكنه لم يفهم.
كيف ترون واقع الأغنية اليمنية اليوم، وما الرسالة التي توجهونها للفنانين الشباب؟
يطغى عليها التقليد وتمتاز بالكلمات البسيطة وبالأمثال الشعبية، وأصحابها يمتلكون أصواتًا عذبة وجميلة، وغدًا يصبحون مستقلين بألحانهم وألوانهم، كما كان حال الفنانين الذين سبقوهم.
وبالنسبة للفنانين الشباب، أنصحهم ألا يغتروا مهما كان تجاوب الجمهور معهم والإقبال على إنتاجهم، وعليهم أن يرفعوا مستوى ثقافة الآخرين بإنتاجهم الفني الراقي، فالإنتاج الركيك سرعان ما ينتهي، والإنتاج القوي يبقى -ولو كان فوق المستوى الثقافي- فعلًا تنمو معه ثقافة المستمع وتتطور.
مشاركات فنية وشعراء:
مشاركاتك الفنية في البلدان العربية كثيرة، ما أهمية تلك المشاركات بالنسبة لمسارك الفني، ومن أبرز الشعراء الذين تعاملت معهم طوال مسيرتك الفنية؟
استطعت أن أعرف مدى تقبلي لدى الجمهور العربي، حيث قدمت أغانيَ وأناشيد في معظم البلدان العربية، وخاصة في الجزائر والعراق وليبيا، وأيضًا عمان والسعودية، والإمارات، نالت تلك المشاركات إعجاب الجماهير.
نعم لقد تعاملت مع شعراء كثيرين حيث غنيت من كلمات محمد الذهباني، وعباس المطاع، وعلي بن علي صبرة، ولكن أكثر ما غنيت للشاعر عثمان أبو ماهر، وأحمد علي مانع الجنيد، كما غنيت لشعراء عرب، ومنهم: أبو فراس الحمداني، بهاء الدين زهير، بشار بن برد، وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم.
الكثير من الأغاني التي لحنتها كانت من أشعارك، هل صدرتْ كل هذه الأشعار في ديوان؟
صدر بعضها في موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، تلك الموسوعة التي أصدرتْها دائرة التوجيه المعنوي، وما تبقى من كلمات أناشيدي وأغانيّ سوف أقوم بإصدارها في كتاب خاص قريبًا، أو عندما يكون الوقتُ مناسبًا لذلك.
الأغنية الوطنية وفترة الستينيات والسبعينيات:
لديك العديد من الأغنيات الوطنية التي تجسد تضحيات الثوار والمناضلين، ما هو الدور الذي لعبته الأغنية الوطنية في مراحل النضال سواء في شمال الوطن أو جنوبه؟
لعبت الأغنية الوطنية دورًا إيجابيًّا، سواء أكانت لي أو لغيري من الفنانين، حيث واكبتْ مرحلة النضال اليمني، وأذكت همم ومشاعر اليمنيين في مراحل الدفاع عن الثورة اليمنية والوحدة، وخاصة أثناء حرب التحرر والدفاع عن صنعاء في السبعين اليوم.
هناك مفارقة واضحة بين الأغنية الوطنية في الماضي ويومنا هذا، فقد كانت الأغنية الوطنية تدعو إلى لمّ الشمل والتوحد وكانت انعكاسًا صادقًا للواقع المعاش، والآن أصبحت الأغنية عكس ذلك؛ لماذا برأيك؟
في الحقيقة كان في الماضي يوجد الاهتمام بالإنتاج الفني من قبل الجهات المسؤولة، فهي التي كانت تتبنى الأعمال الفنية في أي مناسبة من المناسبات، حيث تقوم بالإعداد لها وتمويلها حتى يتم إخراجها إلى حيز الوجود، بينما الآن لم يعد لتلك الجهات الحكومية أي نشاط يذكر، أما الفنان لا يستطيع أن يقدم أيّ عمل دون الرجوع إلى تلك الجهات.
أيضًا في الماضي وخلال فترة الستينيات والسبعينيات كان ظهور الآنسي، والسنيدار، ومحمد محسن عطروش، والحارثي، والسمة، وأيوب طارش، وعبدالكريم علي قاسم، وفيصل علوي، والمعطري، وعبدالرحمن الحداد، مع ظهور منى علي، وفائزة عبدالله، وآمنة حزام، وتقية الطويلية، ونبات أحمد، والكثير الكثير، منهم: محمد العوامي، قلالة، الأبرش، وغيرهم، ولا شك أن للثورة اليمنية دورًا في ظهور كل هذه الأسماء.
الأغنية التراثية:
ماذا تعني لك الأغنية التراثية اليمنية، بمختلف ألوانها، وبمن مِن الفنانين تأثر الفنان القدير أحمد المعطري؟
تعتبر الأغنية التراثية المرجع الأساسي لكل فنان، وهي المنطلق الأول في حياة كل الفنانين، حتى الذين كونوا مدارس فنية خاصة بهم لم يستغنوا عن الأغنية التراثية.
تأثرت بفنانين كثيرين، أبرزهم الفنان علي الآنسي، وأحمد السنيدار، علي السمة، أيوب طارش. هؤلاء بدأت أغني من ألحانهم قبل أن أستقل بأغانيّ الخاصة، كما تأثرت كثيرًا بالموسيقار طارق عبدالحكيم وطلال مداح.