انتهت الحرب بتجليها الصارخ المتمثّل بالمعارك والقصف، منذ عام أو أكثر، لكنّها لم تزَل باقية كحالة تتلبس اليمنيّين حتى مع أشهر الهدنة المتصلة، وإن خسائرها خلال السنوات الماضية عظيمة، ومن الصعوبة إحصاؤها، ليس على مستوى الضحايا فقط، وإنما في حالة التدمير التي طالت كلَّ شيء في حياة المجتمع وبُناه، ومع ذلك يتوجب علينا أن نطرح جملةً من التساؤلات الحيوية، وعلى النحو الآتي:
ما الذي استفدناه كيمنيين في الشمال والجنوب، من هذه التجربة الدامية، القاسية، المؤلمة؟
وهو حتمًا نفس السؤال الذي طرحه الألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، وهو أيضًا نفس السؤال الذي ساورَ اليابانيّين وطرحوه على أنفسهم بعد الحرب ذاتها أيضًا. أما نحن -اليمنيّين- فإنّ أهم النتائج التي قد أوصلتنا إليها الحرب أنّنا -للأسف- لم نعد نحب بلادنا بالقدر الذي يؤهّلنا لحمايتها من كلّ طامع وغازٍ ومغامر، ولا نمتلك رؤية واضحة وواحدة وموحدة للخروج من هذا المأزق الكارثي، الذي هو في الأصل تراكم لسنوات من الانقسام والفساد والتبعية العمياء!
من نتائج هذه الحرب العبثية والظالمة في آن، ومآلاتها القاسية، أنّ اليمنيّين صاروا مشتّتين في الأصقاع، وإنّ الازدراء الذي يلاحقهم في كل أرضٍ تطَؤُها أقدامهم هو عنوان بارز لهذا الشتات واللجوء، دون أن يجدوا جدارَ حمايةٍ معنويّ من السفارات والبعثات الدبلوماسية أيضًا.
من الأقوال المأثورة المتداولة، وتحضرني هنا: "قيمة المرء فيما يُتقنه"، والسؤال الثاني هنا:
ما الذي نتقنه؟ وهل حقّقنا في العقود الماضية نهضةً في مجال الزراعة أو الصناعة أو حتى في الخدمات العامة؟ أم بقينا محصورين في مربع الاستهلاك وعالةً على غيرنا؟ أظنّ الإجابة واضحة في هذا المنحى!
لقد عشنا الإعاقةَ طويلًا، ومن المَعِيب على شعبٍ يملك تاريخًا وإرثًا حضاريًّا كبيرًا أن يبقى في غيبوبة إعاقته طويلًا. الأخطار حدقت بنا قبل الحرب، وستحدق بنا بعدها أيضًا، إذا لم نضع رؤيةً واضحة وهدفًا مشتركًا نتفق عليه جميعًا -نخبًا وقوى وقطاعات مجتمع- للخروج من هذا المأزق.
وإذا بقينا أسرى للتبعية والارتهان، فسيأتي ألف طامع وغازٍ من جديد، متيقنًا أنّه الأحق بها منّا في إدارتها واستغلال مواردها (البشرية) والطبيعية لصالحه، وإني هنا أقدِّم الإنسانَ اليمني على الثروات الطبيعية؛ فهو أهم الثروات القومية لليمن والسيد عليها، فالحمقى هم من يعتمدون على الاقتصاد الريعي مثل النفط، ويعتقدون أنه الثروة المستدامة التي لن تنضب، ويعتمدون على الأجانب في استغلالها والاستفادة منها، فيصير المواطن مقيمًا في إعاقته وغيبوبته.
وعودةً إلى السؤال الأهم، وهو سؤال ما بعد انتهاء الحرب؛ فهل تبادر إلى أذهان النخب خططٌ لتحسين التعليم، وهو العمود الفقري للتنمية بكل نواحيها؟ بمعنى آخر: ما الرؤية التي يمتلكها السياسي أو المفكّر أو المثقف ليمن بعد الحرب؟
وكيف ننظر جميعًا إلى اليمن بعد عَقدٍ أو عقدَين من الزمن؟
إنّ الخيانة العظمى للوطن أن تسكت في الوقت الذي يتطلب منك أن تفكر وتطرح رأيك بشجاعة وصدق.
إذا لم تصل بنا مآسي الحرب إلى الضرورة في إيجاد رؤية واضحة، وهدفٍ مشترك يتفق عليه اليمنيّون بكل أطيافهم، فقد ذهبت أوجاع هذا الدرس القاسي والدامي هباء!