متحسسًا جيوبه بكل توتر وخجل، يقف الطالب الجامعي أحمد على مقربة من أحد الباصات المتوقفة بالقرب من جولة البط في مديرية خور مكسر، يعلو صوت سائق الباص مناديًا الشاب أحمد: "هيا أسرع، متبقٍّ مئة ريال من حسابك. ما عادت تكفي المئتي ريال، أين تعيش أنت؛ ارتفع سعر الوقود منذ أكثر من أسبوع".
بصوت مبحوح يجيبه الشاب والحسرة بادية على ملامحه: "لا أمتلك في جيبي سوى مئتين أخرى متبقية للعودة بعد انتهاء دوام الجامعة لمنزلي".
يسكن أحمد في الشيخ عثمان، ومن حسن حظه أن يكمل دراسته الجامعية في مديرية خور مكسر ولا يحتاج سوى التنقل لمديرية واحدة للذهاب إلى الجامعة، وبينما يعاني الكثير الظروف الصعبة نفسها، هناك طلاب يعانون الأمرّين، كون أغلب كليات جامعة عدن تقبع في مديرية الشعب، والتي يحتاج غالبية من يرغب بالذهاب إليها إلى ركوب باصين على الأقل، وهو ما يعني أكثر من 1200 ريال في اليوم الواحد.
ولا تقتصر المعاناة على الطلاب وحدهم، ولكنه مشهد من مشاهد البؤس التي باتت تتكرر بصورة يومية في مختلف مديريات مدينة عدن، حيث طغت مؤخرًا المشادات الكلامية بين الركاب وسائقي الباصات الذين أصروا على رفع مبلغ مئة ريال في تكلفة تسعيرة النقل الداخلية والخارجية بين المديريات، تذرعًا بأزمة المشتقات النفطية التي تعيشها المدينة منذ أسابيع، ما حدا بملاك محطات الوقود على استيراد وقود خاص وتجاري، بزيادة تبلغ 70% وبيعه بنحو 10 آلاف ريال للصفيحة الواحدة من البنزين، من 6300 ريال سعرها الرسمي السابق المحدد من قبل الجهات الحكومية المعنية.
وأقدمت شركة النفط في عدن مؤخرًا، على رفع أسعار الوقود إلى 8 آلاف ريال لصفيحة البنزين الـ20 لترًا في المحطات الحكومية، بإضافة ألفي ريال يمني للسعر السابق.
يشكو مواطنون في عدن من تقصير الجهات المسؤولة التي لم تقم بأي دور حقيقي لكبح جماح موجة الغلاء في كافة المستلزمات الحياتية اليومية، التي فاقمت أوضاع سكان عدن مع بروز مشكلة الكهرباء كمعضلة تستعصي على الحل، في ظل انقطاعها المتواصل، ووصولها مؤخرًا إلى معظم فترات اليوم
وأدى ذلك إلى تفجير سلسلة من الأزمات المعيشية، إذ ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية ومختلف الخدمات العامة والخاصة، إلى جانب ارتفاع أجرة المواصلات الداخلية بشكل مضاعف يفوق قدرات المواطنين، نظرًا لاعتماد وسائل المواصلات، مثل باصات النقل، على الديزل، الذي زاد سعره إلى 14 آلاف ريال للصفيحة 20 لترًا.
أزمة اقتصادية خانقة
يعيش سكان عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، والمشكلة مؤخرًا بموجب اتفاق الرياض مناصفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، منذ بداية الحرب على وقع أزمات اقتصادية متلاحقة وانهيار متواصل للعملة الوطنية.
وتركزت تبعات هذه الأزمات في تردي الأوضاع المعيشية مع ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، الأمر الذي جعل الحصول عليها لبعض الأسر أشبه ما يكون بأمنية صعبة المنال، مع تفاقم حدة هذه الأزمة مطلع العام الجاري لتبلغ ذروتها، في ظل تخطي سعر صرف الدولار حاجز 900 ريال كرقم قياسي لم يسبق أن سجلته العملة المحلية منذ بداية الحرب في البلاد.
وبات هم المواطنين في مدينة عدن يتجلى في سعيهم إلى انتزاع حياتهم من بين أنياب الغلاء وصعوبة الأوضاع المعيشية، وكعادتهم يحاول المواطنون في عدن أن يتعايشوا مع تردي الأوضاع الاقتصادية رغم إمكانياتهم الشحيحة والوضع المزري الذي تشهده المدينة من تفشٍّ للغلاء المعيشي، إذ ستفاقم الارتفاعات السعرية الأخيرة في الوقود وأجور المواصلات من معاناتهم، بشكل يفوق قدراتهم على تحملها.
الخوف من الجوع
في ظل هذه الأزمات المتلاحقة التي تجتاح محافظة عدن، والتي لا تتوقف عند حدود تدهور العملة وغلاء الأسعار، بل ما تشهده من احتقانات سياسية واضطرابات أمنية، وآخرها ما قام به المتظاهرون بحجة تردي الأوضاع المعيشية والخدمات العامة من محاولة اقتحام "قصر معاشيق" الرئاسي الذي تتخذه الحكومة المعترف بها دوليًّا مقرًّا لها منذ عودتها إلى عدن نهاية العام الماضي.
يقول الحاج سالم 50 عامًا، من سكان مديرية كريتر وسط عدن، إنه يخشى استمرار الأوضاع المعيشية بالتدهور والوصول إلى مستوى الجوع، الذي باتت كثير من الأسر على حافته.
ويشكو الحاج سالم في حديثه لـ"خيوط"، من تراجع القدرة الشرائية لأسرته محدودة الدخل، منذ أن بدأت العملة بالتدهور، مضيفًا: "ذقنا كل أنواع الألم والعذاب، وأصبحنا نقترب من هاوية الجوع في ظل استمرار الأوضاع بالتدهور"، خاصة مع ارتفاع تسعيرة المواصلات، التي تعني قلة القدرة الشرائية.
ومع ارتفاع الأسعار، يفكر سالم بشراء دراجة هوائية لاستخدامها في الذهاب لمكان عمله، حيث بلغت تكلفة المواصلات 200 ريال، ويضيف الحاج سالم ضاحكًا: "هذه المدينة تجبرك على التخلي عن لياقة سنك وعمل أشياء لم تكن تتوقع أبدًا أن تصل إليها".
تلك الحال لا تخصّ الحاج سالم وحده، إذ تسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية بضغوطات مشابهة على نسبة كبيرة من الأسر في عدن.
هكذا باتت تعيش غالبية سكان مدينة عدن البسطاء، على وقع عملة نقدية منهارة، ومواطنين ما بين مقصلة انقطاع رواتبهم وسندان شحة فرص العمل، وارتفاع معدلات الفقر إلى درجة مقلقة، بسبب غياب الدخل لدى شريحة واسعة من قوة العمل، وانخفاض الدخل لشريحة أخرى.
ويشكو مواطنون في عدن من تقصير الجهات المسؤولة، التي لم تقم بأي دور حقيقي لكبح جماح موجة الغلاء، في كافة المستلزمات الحياتية اليومية التي فاقمت أوضاع سكان عدن، مع بروز مشكلة الكهرباء كمعضلة تستعصي على الحل في ظل انقطاعها المتواصل ووصولها مؤخرًا إلى معظم فترات اليوم.
وبالرغم من قيام الحكومة المعترف بصرف رواتب الموظفين المدنيين منذ العام 2017، بشكل منتظم في عدن ومناطق سيطرتها، مقارنة بالمحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين) المنقطعة رواتبهم منذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ أيلول 2016، إلا أن هؤلاء الموظفين باتوا يخشون توقف رواتبهم في ظل هذه الأزمات التي لا تستطيع الحكومة مواجهتها بسبب ضعف مواردها المالية الشحيحة.