نعى الوسط الأدبي رحيل الصحفي المتخصص بالشأن الثقافي والقاص المقالح عبدالكريم، والذي وافته المنية صباح الأحد 19/ 12/ 2021، إثر أزمة قلبية مفاجئة ألمت به.
ولمع نجم المقالح عبدالكريم في مطلع الألفية، مع الكتابات الأدبية والنقدية في صحيفتي "الثورة"، و"الجمهورية"، وبالأخص في ملحقيهما الثقافي، كما قدّمه زملاؤه وأصدقاؤه على أنه إعلامي ومحرر في الملحق الثقافي بجريدة الثورة، وحاصل على جائزة رئيس الجمهورية في الأدب مطلع الألفية.
يقول صديقه الروائي سامي الشاطبي إنه تعرف عليه في العام 1996؛ و"نظرًا لقرب محل سكني ببيت والده، ارتبطت معه بصداقة أكثر من عميقة".
ويضيف الشاطبي:
"حين عرفتنا الصحافة المحلية في منتصف العام 1997، وأتحدث عن صحافة ما قبل عوالم التواصل الاجتماعي، تمكنا من تحقيق البند الثاني من الحلم. كيف؟ كنا نكتب باستمرار قصصًا ومقالات لعدد من الصحف، ورغم ضآلة ما كانت تعطيه لنا كمقابل مادي إلّا أن سعادتنا بتأمين قيمة الكتب كانت بلا حد!
فيما بعد العام 2002، تمكنا من تحقيق بقية الأحلام؛ خبز وقلم، والمقصد بالقلم هنا توفر المجال من أقلام وأوراق ومكان مناسب للكتابة!".
ويوضح الشاطبي أنه والمقالح عبدالكريم شاركا في تأسيس "نادي القصة"، وفي التهيئة لإطلاق العدد الأول من مجلة النادي، ولكن لأسباب مالية لم تصدر. يقول: "شاركنا في تحرير عدد من الصفحات الثقافية لعدد من الصحف. طبعنا قصصنا في نفس الشهر ولدى نفس الناشر نهاية العام 2000م!".
منير طلال، قاص ومسرحي، نعى المقالح عبدالكريم بالقول:
"وداعًا المقالح عبدالكريم..
قبل شهرين وجدته بالصدفة، وبكل ود لاقاني. جلسنا نتحدث عن الماضي والأصدقاء المشتركين، وكيف تفرق الجميع بسبب الحرب. ناولته نسخة من مسرحية "استراحة المتقاتلين". أخبرني أنه يدرس بمدرسة خاصة.
وبعد فترة كنت مع شقيقي عصام طلال نشرب الشاي بشارع المطاعم لنلتقي به بالصدفة، وجلسنا معًا لأجده يقول لعصام بأن آخر مرة التقى به كانت قبل ستة عشر عامًا. كان المقالح عبدالكريم ودودًا، محملًا بالحب للجميع، لا تسمع منه كلمة نابية بحق أحد.
نحت بالصخر ليثبت نفسه كأديب وصحفي وتربوي. حياته سلسلة من الكفاح المستمر.
الحزن أصاب كل من عرف عبدالكريم المقالح؛ فقد كان رحيله المفاجئ صدمة للجميع. العجيب كما يقول الشاعر زياد القحم بأن "كل الزملاء التقوا بعبدالكريم خلال الشهر الماضي". وجدت كلامه صحيحًا، فقد التقيت به مرتين، وكأنه مر على أصدقائه ليودعهم، ويذكرهم بأنه مر بحياتهم كطيف جميل. لم يؤذ أحدًا. كان يحبهم، والكثير منهم لم يعلموا أنهم كانوا يحبون عبدالكريم إلا يوم وفاته".
أما القاص والصحفي لطف الصراري، فعلق على فاجعة موته بالقول:
"عاش ومات بلا ضجيج وكثر كلام. قاوم ظروف الحرب التي تقصر العمر، حتى النفس الأخير؛
آخر صورة غلاف وضعها على صفحته، كانت لمنتخب الناشئين الذين ما زلنا نحتفل بالفوز الذي أهدوه لنا، آخر منشور مقالي كتبه عن تجربة المصور حامد فؤاد في التقاط جماليات صنعاء، وآخر منشور قصصي كان بعنوان: "كم لاقيت فيه من أهوال"، وهذه الفقرة الأخيرة منه:
"احذر.. إذا استمررت على ذات الإجهاد قد تصاب"...!
ولا تغادر إلا بقائمة "تبيِّض" الوجه من نبوءات محتملة: السكري – القلب – الكبد – الأعصاب.. ما بين تلف كامل وخلل جزئي وهستريا.. أو يمكن كلها.. كارثة الكوارث لمحبيك.. سيحتارون فيك أين يمكن أن ينقلوك: مشفى يعالج الجسد.. أو آخر يداوي النفس؟! وربما "أقرعوك" بين اتجاهين.. يختارون لك أهون مصير!!"
وكتب الأستاذ زيد الفقيه، وكيل الهيئة العامة للكتاب:
حزينون جدًّا، يا عبدالكريم، غادرت وتركت قلبك الطيب، وحرفك الأنيق. إنا لله وإنا إليه لراجعون.
وكتب عنه الروائي وجدي الأهدل:
"القلب يعتصره الألم على رحيل الأديب والمثقف عبدالكريم المقالح. لا أتذكر أبدًا أنه آذى أحدًا، كان له قلب أنقى من الثلج، وابتسامة محبة متسامحة لا تفارق محياه.
كتب قصصًا مدهشة مختلفة تحمل بصمته الإبداعية الخاصة. وكان قارئًا لا نظير له، لا يترك الكتاب الذي بين يديه إلا وقد نقش هوامشه بعدد لا يحصى من الملاحظات والتساؤلات والتصويبات.
ربما علم أنه بحاجة لعملية جراحية ترمم قلبه الذي أعطبته الهموم.. ولكن من عرف هذا الإنسان ومقدار تعففه واعتزازه بنفسه، فسوف يعلم أنه يفضل الموت على أن يطلب عونًا من أحد".
وكتب عنه الناشط الحقوقي فيصل العريقي:
"الأديب والناقد الفني التشكيلي عبدالكريم المقالح ينتقل إلى الدار الآخرة.
انتقل إلى الدار الآخرة الأديب والناقد الفني التشكيلي عبدالكريم المقالح، وبرحيله خسرت الساحة الثقافية في اليمن واحدًا من المبدعين المتميزين".
وكتب عنه الشاعر طه الجند:
"في رحيل مفاجئ وصادم يغادرنا صباح اليوم القاص والكاتب المقالح عبدالكريم
لروحك الرحمة والسلام، يا عبدالكريم".
وكتب عنه صديقه الشاعر زياد القحم:
"وداعًا يا عبدالكريم، يوم حزين منذ قراءة خبر وفاتك صباحًا، حتى شاهدت دموع الأصدقاء في المقبرة، لحظات صدق لم ترها في حياتك.. إنها مفاجآت الموت التي لا يتوقعها أحد".
آخر نص كتبه الراحل المقالح:
كم لاقيت فيه أهوال..!؟
المقالح عبدالكريم
(1)
ذاته طريقك المعتاد.. فجأة اعترض انسيابك مجهول الابتسامة..
وهات يا أحضان.. ويا تراحيب.. مع رشة معتبرة من قبلات لزجة..!!
وكلما حاولت لملمة اندهاشك.. شنَّ عليك مزيدًا من هجماته:
"أحوالك..!؟
أخبارك..!؟
أيش مسوي..!؟
منين..!؟
إلَين..!!؟"
ومرغمًا تستفيق من هول صدمتك...
وفي لهجة اعتذارية تامة التهذيب..
تستلطفه:
- عفوًا يا أخي، لكن من أنت..؟؟!!
ولترويعك أكثر..
يرد عليك بما لا تتوقعه:
- معقول يا ذاك.. ما عرفتني..!؟
وقبل مصارحته باعترافك مغلظ الأيمان:
- لا والله يا أخي.. لا ما عرفتك..!!
يبصقك بذات استبشاره بك:
- هيا مع السلامة
ولا تملك لك وله إلا توديعه..
وأنت تام الاستغراب.. مستوفي الانزعاج!!
(2)
ومجددًا..
وقد نسيت ما نسيت، مصادفة عوراء أخرى..
- "يا مية هلا وغلا فيك يا الحبيب.. كيف الحال؟!"
تصافحه صامتًا.. تقرر سرًّا تركه حتى ينهي مهذاره..!
ومتدفقًا معه في حركاته وإيماءاته..
تدقق في خيطان كلماته؛ علَّك تتذكر الصوت، أو تسترجع النبرة من ذكرى غابرة.. ولا تنجح، تدرس تقاسيم ملامحه مسامة مسامة.. ربما تعثر في نتوء أو غيور موقفًا عتيقًا.. لكن لا.. يتوِّجك الفشل الذريع مع كل محاولة..!
ولما تصمم على إنهاء الغرابة وتكاشفه بيقينك:
- "أخي.. يمكن إنك مشبِّه
يرفع منسوب ابتهاجه بك.. ويصرعك مجددًا:
- " لا تشبيه ولا تشابه..
أعرفك عز المعرفة..
أنت فلان.. صح..!؟"
مصعوقًا ترد:
- صح أنا فلان لكن من أنت"..؟!!
يربِّت على كتفك..
كمن يهوِّن مصيبة على عزيز:
- "أنا مش مصدق نفسي..
عادك لليوم ما عرفتني..!!؟"
بصراحة:
- "لا.. لليوم ما عرفتك"
مشددًا على حروفك في لهجة صارمة حادة قاطعة..
لكن سرعان ما يرديك صدى قهقهاته..
لا تدريها.. سرورًا أنك فشلت في مسعاك تذكر من هو..
أو لأنه تفوق عليك في المطاردة حتى توارى عنك نهائيًّا..
إلى أن فقدته كله.. سيماءً وصوتًا واسمًا..!
(3)
ووحيدًا..
كلما تهابب في خيالك غباره.. غرقت في لجِّي متلاطم من حيرة وفضول عتيّ ذكرياتك القدام: تتعالى..
تتدافع..
تتصادم..
لا تهديك إلى يقين، ولا ترسو بك في اكتشاف..
لكن الأمواج الهدَّارة تتلاعب بك إلى ذات الجزيرة القفر..
هدوء موحش..
رمال شاسعة..
كلما قطعت منها خطى متقصيات.. كلما غاصت طمأنينتك قعر الانفعال وغبّ القلق..!؟ وتتكرر العملية في دورة مضنية.. مقيتة.. قاتلة..
حرب أعصاب.. بكل اختصار.
(4)
أنا داري/ "أنا داري وعالم أين قلبي.. ولكن منكم لا أسطى ولا أجزم"/ أسمعني/ من عيون شعر الغناء الصنعاني/ تمام.. أنا داري إن الوضع غير منطقي لا تفضي عبثيته إلا إلى الجنون/ الجنون المطبق/ فعلًا.. لكن اهدأ.. فكر معي للحظة.. خلينا نجمع المبعثر من النقاط.. علشان نرتب الحروف بشكل صحيح/ بعدك/ خلينا نبدأ من المعطيات/ ابدأ بما تريد/ المعطيات على الأرض تقـــ..../ لا، ليست على الأرض.. إنها داخل جمجمتي/ تمام.. المعطيات الأولية/ والأساسية والرئيسية/ تمام.. معطيات تتلخص في أمر جوهري: أنك متأكد وواثق أنه فلان بعينه هو، هو لا محالة.. ولديَّ أدلة دامغة تدعم ادعائي/ تمام.. إذن نبدأ من الصفر../ من المعطيات أو من الصفر.. !؟ ربشتني الله يسامحك/ سايرني لو سمحت/ سايرني وهدّي واترك التحدي/ أيش هذا..؟ / عبارة قريتها مرة فوق فريم حافلة.. الورا.. الخلفي.. لكن الأحلى منها: من باطل الناس إبليس قدم استقالته.. وباقي../ بس بس.. إحنا في أيش وأنت في أيش/ سامحني/ مش أنت اللي طلبت مساعدتي.. ؟!/ أكيد.. وأكرر اعتذاري/ ما علينا.. نرجع إلى موضوعنا/ المعطيات..!!؟ / خلاص حددناها.. ثقتك أنه فلان/ وأبصم عليه بالعشر والعشرين/ تمام إذن السؤال الملح والمشروع والمنطقي هو .. /..../ هو ..!؟/ هو ..!؟ ألوه هو .. تحاكى عنه ..!؟ / ليش ..!؟ / ليش أيش ..!؟ تتحاكى به ..!؟ / لا .. ليش فلان هذا بالذات يتصرف معاك هكذا ..!!؟ / ما تقول .. "لغاجة" / تمام .. لكن من الناحية السايكولوجية / يا منعاه يا داعاه .. حاكيني عربي/ أكثر من كذا صعب/ يارب سهلها لي/ أنت معي..!؟ أكيد معاك .. تمام .. سايكولوجيًّا تصرف شخص هكذا قد يكون راجع لواحد من سببين/ نور على نور.. والأول هو.. ينتقم منك/ الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. ليش هكذا..!؟/ يمكن زمان خلال معرفة قديمة ببعضكما، يمكن تقرب منك، حاول كسب صداقتك.. لكنك ولسبب معين صددته عنك../ يمكن/ وبرجوعه المراوغ هذا في الوقت الحالي يحاول مستميتًا استمالة قلبك إليه وتعريفك على صفات ومزايا في شخصيته.. يمكن كانت غايبة عنك/ كلام معقول/ لذا فهو في شدِّه وجذبه لك.. صحيح أنه يوترك، لكنه يشوقك إليه ما يحول اللعبة إلى لغز سهل عسير عليك أنه تحله بأي شكل كان/ صدقت والله/ لكن وعندما يحدث هذا ويوافقك أنه فعلًا هو فلان بعينه يكون قد أكمل انتقامه منك.. وكأن لسان حاله يقول: هذا أنا على حقيقتي ومثلما خسرتني زمان الآن أنت تخسرني لكن أكثر وأشد/ حسبنا الله ونعم الوكيل.. والثاني!؟/ استعادتك له والتقرب منك/ كيف..!؟ بحريق دمي..؟ كلما قربت منه شبرًا ابتعد عني ميلاً..!؟ / لا.. بإثارة فضولك بإيقاد حيرتك أنت تعرف من هو، لكنه لم يوافقك على ذلك، أنت تريده هو أن يؤكد ظنونك: "أنا فعلًا فلان بعينه"، لكنه لن يوصلك إلى هذه النهاية السعيدة إلا وقد تعلقت به أكثر لحد أنك من ترغب فعلاً بالتقرب منه، وتوطيد العلاقة به أعمق، / ومن الحب ما قتل، والحل..!؟ / اصبر تصبَّر على بختك وإلا موت، وإلا يبيضين حمامات الهوى ياقوت، والشمس تطلع عشي، والبحر يزرع توت، وإلا يجي من خزيمة عمَّنا مبخوت.. / ياغارة الله.. كم لاقيت فيه أهوال..!!؟؟
(5)
و... لقاء جديد.. ليس الأخير.. وثانٍ وثالث وألف..
و.. يلوّح لك خلاص..
اتهامه: عرفك عن طريق آخر.. وقاما معًا بتصميم هذه التمثيلية الهزيلة.. لكنه يدافع عنه: يعرفك عز المعرفة.. بأمثلة يسوقها واهية غريبة غامضة..!!
تجاهله.. ليفعل ما يحب وليقل ما يريد..
استفزازه.. التقليل من شخصيته.. تتهكَّم عليه.. تسخر فيه.. لكنه سرعان ما يحاصرك.. يجهش بكلماته متألمًا: أسأت إليه.. تريد لا مبالاة لكنك تعجز.. تتمنى غض الطرف لكن لا مناص.. لا تملك إلا تأسفاتك الحارة الصدوقة..!
وترسم خطة محكمة: استدراجه بذكاء وخفة..
وتنتظره.. ثم لقاء كارثي زرعه تجاهك.. تبدأ المجابهة..
ترتجيه "اسمه" فيغمز لك بخبث أنك تعرفه.. تصدمه بأنك فعلًا نسيته، يطالبك بتذكُّره.. تستعطفه: إذن الحرف الأول.. يدنو منك "يشاورك" به.. والأخير: بذات همسات المرتابين حرف آخر..!
وتعود إلى وكرك تلوذ بذاكرتك، تعد قائمة بما أسعفتك به لحظتك تلك..
وفي لقاء آخر تبادره باللائحة الحرفية.. فقط يمر عليها اهتمامه.. يرسم غروب ابتسامه شاحبة، ويهز رأسه ويتركك ويمضي.. وحيدًا أعزل.. تنهشك أنياب اللامعقول حتى تدور في رأسك الدنيا وتسقط على الأرض مغشيًّا عليك، حين ترفع أستار وعيك تستغرب لك: أين أنت..؟! وتأتيك الطامة: "في المستشفى.. ارتفع عندك ضغط الدم بشكل خطير جدًّا..
اِحذر .. إذا استمررت على ذات الإجهاد قد تصاب"...!
ولا تغادر إلا بقائمة "تبيِّض" الوجه من نبوءات محتملة: السكري – القلب – الكبد – الأعصاب .. ما بين تلف كامل وخلل جزئي وهستريا.. أو يمكن كلها.. كارثة الكوارث لمحبيك.. سيحتارون فيك أين يمكن أن ينقلوك: مشفى يعالج الجسد.. أو آخر يداوي النفس!؟ وربما "أقرعوك" بين اتجاهين.. يختارون لك أهون مصير!!