خيوط الفجر
كثيرون يعزون دائما قفزة الصين العظمى إلى فترة "دينغ هسياو بينغ" ذلك القصير الذي نجا من عصابة الأربعة، ليطلق شعاره "لا يهم لون القطة، المهم أنها تأكل الفئران"، يتبين الآن أن الرجل كان جزءاً من رؤية هيئ لها الشعب الصيني مبكراً بدأت بشواين لاي أحد أكثر رؤساء الوزراء عظمة في العالم وأكثرهم ديمومة وامتلاك رؤية إلى جانب كوسيجين وجروميكو في الاتحاد السوفيتي، مع اختلاف التجربتين وإن كانتا من مصب واحد!! كان ذلك في العام 1964.
يعرف الصينيون ارتباطهم بالماضي كقيم وحكمة في معظم الأوقات، لكن نقلهم من ذلك الماضي إلى عصر الصينيين العصريين تطلب حروباً وثورات وتجارب أدت في النهاية إلى ما نراه ونلمسه.
كان على الحزب الشيوعي الصيني وهو يقود التغيير الكبير أن ينسف العادات القديمة والتقاليد والأفكار والثقافة، فأصدر ماوتسي تونغ بيانه المنشور في 16 مايو/ أيار 1966، أبدى فيه مخاوفه من الاتجاه إلى التحريفية وعودة البرجوازية والإقطاع، ودعا إلى تحطيم التقاليد القديمة والعادات والأفكار والثقافة القديمة، لتعيش الصين أكبر عملية احتكاك بين المدينة والريف، فقد حمل شبابهم الجديد إلى الأرياف ليخوضوا ثورة على القديم استجاب لها الناس تحت وطأة هيمنة رؤية الحزب الشيوعي.
الإنسان الصيني القديم ارتبط بالعشيرة والفرد فصارا مقدسين إلى جانب قيم كثيرة تحكم حياة الصينيين، لكن عليهم الانخراط في قيم الجديد.
قيم جديدة حلت محل قيم كان يتشربها الصينيون بوحي من تقديسهم للأسلاف وللحكمة مما سلف، فيحضر في حياتهم كونفوشيوس إلى جانب حكمائهم الكبار، والإنسان الصيني القديم ارتبط بالعشيرة والفرد فصارا مقدسين إلى جانب قيم كثيرة تحكم حياة الصينيين، لكن عليهم الانخراط في قيم الجديد.
في العام 1964 أطلق شواين لاي اقتراحه "العصرنات الأربع" رسمياً: إحراز التقدم في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والدفاع.
في بيانه المشار اليه أكد ماو ضرورة إحراز النجاح للعصرنات الأربع، مايعني أن النتيجة جاءت من رؤية أشمل للحزب.
في العام 1973 تقدم دينج هسياو بنج بنفس الرؤية المتعلقة بالعصرنات الأربع ، وفي العام 1975 عاد شواين لاي وطرح الأمر من جديد.
أنشأ الحزب مدارس "7مايو" لينخرط فيها كل كوادر الدولة والطلاب والمثقفين وكوادر الحزب على طريق ضرورة التقدم في إنجاز العصرنات ومحاربة القديم.
على أن الدورة الثالثة والكاملة لمؤتمر الحزب كانت الشرارة الأهم التي أطلقت المسيرة التي لم تنتهِ بل تستمر صعوداً حتى نهاية خط الحرير الذي سيخرج الصين نهائياً إلى العالم ليستعيد اقتصادها وقوتها حضورهما، وتقف نداً -إن لم يكن بديلاً- للكبار.
الإنسان محور الكون، هنا الخلاصة التي تجيب عن السؤال الأهم: كيف؟ في العالم الجاهل والمصر على جهله وتخلفه، لا أحد يسأل السؤال: كيف؟ بل يظل ماضي "ما بدى بدينا عليه" شعاراً وقناعة ونتيجة كل المراحل التي لا ملامح لها.
يجدر بالمتخلفين التعلم من تجربة الصين، وأهم ما في الأمر أيضاً في نظري أن الحزب الشيوعي الصيني هو من يقود حركة المجتمع نحو التغيير الكبير وهو أمر في غاية الأهمية، فلو سألت مثقفاً عربياً أو يمنياً تجاوزاً، سيفلسف الأمر وسيقول لك: لا يجوز، بينما جاز هناك والحزب يقود التحول العظيم.
تجربة الصين تجربة فريدة، تعكس فرادة كل ما يمت إلى الصين بصلة من أيام الماضويين إلى أيام العصريين.
من يتعلم؟ هنا السؤال.