خلف بساطته التي طرزت هيبته بحب الآخرين نتمترس، ومن حكمته ونهر معرفته ما زلنا نغرف بنهم عطشان وجد نهراً عذباً عاصر الأحداث والتجارب لأكثر من سبعة عقود.
كلما ألمت بنا المصائب استحضرنا قديسنا بـ"مَعوَزه" (إزاره) المروعي و"كوته" (سترته) المعتاد وهيئته البسيطة، نستند إليه في كل ضربة وجهت للحريات الصحافية والعامة في اليمن. نستبصر برأيه في كل عتمة داهمتنا عنوة، لتزيح تلقائيته وواقعيته وجرأته سُحُب اليأس والإحباط الناتجة عن سيادة مفاهيم الغلبة والقمع.
كنّا نتابعه عن بعد وهو يترأس قيادة نقابة مهنية تدافع عن الحريات في مرحلة هامة في تاريخ اليمن الجديد. ونتابع كتاباته الثرية في صحف ومجلات متعددة لنتزود بمعرفة فريدة ونستفيد من تجربة ثرية.
إنه رجل الإجماع في الوسط الصحافي والحقوقي. منحتني فرصة العمل في الجانب النقابي والدفاع عن الحريات الصحفية الاقتراب من هذه الهامة الكبيرة مستفيداً من تجاربها ومستعيناً بمواقفها ورؤاها.
هل عرفتم راهبنا المسكون بحب البسطاء ونصرة المظلومين ومساندة الحقوق والحريات؟
من غيره الأستاذ عبدالباري طاهر، نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق، والكاتب الصحفي الممتلئ، والحقوقي المنحاز للقيم والمبادئ الإنسانية المعلية لقيمة الإنسان وحقه في حياة كريمة ومواطنة متساوية.
منذ بداية عملي في سكرتارية لجنة الحريات بنقابة الصحفيين نهاية العام 2009، وجدت عبدالباري طاهر في مقدمة المدافعين عن قضايا الرأي والتعبير مشاركاً في الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمسيرات الحقوقية، والندوات وحلقات النقاش متحدثاً وموجهاً ومثرياً.
كنا كلما زادت موجات القمع والتعسف تحصّنا به كمدافع يزودنا بسلاح كلماته ومواقفه ما يقوينا في معارك الدفاع عن الحريات الصحافية والعامة، في بلد شهدت فيه هذه الحريات انتهاكات ضارية متعددة ومتنوعة.
وفِي كل مرحلة من مراحل هذه الحروب يظهر اسم عبدالباري طاهر في طليعة مقاومي القمع والتعسف. وفِي كل معركة دفاع عن الحريات كانت مكانته الكبيرة في المجتمع تمثل لنا حائط صدّ لكل أعداء الحريات من مختلف السلطات المتعاقبة.
في العام 2016 عملت معه والزميل محمد عايش، كمستشار في مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام اليمنية الذي نفذته مؤسسة "منصة" للإعلام والدراسات التنموية بإشراف مديرها التنفيذي الزميل عادل عبدالمغني، وهو المشروع الهام والحساس الذي كان قد قادنا إلى المعتقل في سجن الأمن القومي بصنعاء في 25 أكتوبر 2018.
بقي طاهر في طليعة المدافعين عن الحريات، نجده دائماً متقدماً الصفوف الرافضة للقمع والمواجهة للتعسف، والمطالبة بتحسين البيئة التشريعية، ورفض كل مشاريع القوانين الشمولية التي كانت تهدف لتعسف حرية الرأي والتعبير.
كان عبدالباري متحمساً للمشروع وهو يعي خطورة خطاب الكراهية على المجتمع والسلم الاجتماعي، كيف لا وهو من عاصر صراعات عديدة وعرف خطورة هذا الخطاب على الوحدة الوطنية.
هذه لمحة سريعة من مواقف عابرة لرجل نحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل لإيفائه حقه وتسليط الضوء على مسيرته النضالية الطويلة، لكني هنا أيضا سأقدم لمحة عن مسؤوليات الرجل النقابية.
وحسب الأستاذ عبدالحليم سيف في كتابه "نقابة الصحفيين اليمنيين تاريخ وتجربة" فإن الأستاذ عبدالباري طاهر انتُخب عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية الصحفيين اليمنيين بصنعاء في يونيو 1976، في المؤتمر الأول للجمعية، وفي مارس 1978، انتُخب نقيباً للصحفيين في المؤتمر العام الثاني، وفي المؤتمر العام الثالث الذي تحولت فيه النقابة من جمعية إلى نقابة، أعيد انتخاب طاهر نقيباً للصحفيين، كما اختير في المؤتمر العام الخامس سنة 1985، في لجنة تعديل النظام الأساسي للنقابة.
وساهم الأستاذ عبدالباري طاهر مع كوكبة من الصحفيين والكتاب في جنوب الوطن وشماله في الإعداد والترتيب للمؤتمر التوحيدي لنقابة الصحفيين اليمنيين، ورأس حينها المؤتمر التوحيدي الأول في يونيو 1990، وانتُخب حينها نقيباً للصحفيين اليمنيين، كأول نقيب للصحفيين بعد توحيد النقابتين في الجنوب والشمال.
وفي المراحل اللاحقة بقي طاهر في طليعة المدافعين عن الحريات، نجده دائماً متقدماً الصفوف الرافضة للقمع والمواجهة للتعسف، والمطالبة بتحسين البيئة التشريعية، ورفض كل مشاريع القوانين الشمولية التي كانت تهدف لتعسف حرية الرأي والتعبير.
ويبقى قديسنا الزاهد موسوعة معرفية نفخر بها، وتجربة نقابية وحقوقية نتعلم منها، وقامة صحافية وثقافية نستنير بها في ظلمة الواقع الكئيب المعادي لكل قيم المعاصرة والمواطنة المتساوية والدولة الحديثة المواكبة لتطورات العصر ومقتضياته.