التقيت الأستاذ عبدالباري طاهر في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين منتصف التسعينيات عندما عملت هناك. استغربت ذاك الإجلال والتقدير له من الجميع –وهذه ليست عادة لأعضاء الاتحاد بصفتهم جميعهم لديهم أنا عالية ومعارضة ومنتقدة- لكن الأستاذ عبدالباري كان من قلة لا يستطيع أي عضو إلا التعامل معه بكل تبجيل، ليس لأن لهم مصلحة لديه ولا ضرر يدرأونه، ولكن احتراماً لشخص احترم مبادئه وأخلص لإيمانه بمعتقداته وفكره قولاً وسلوكاً، واحتراماً منهم لعلمه ومعرفته.

يطل عبدالباري طاهر بلبس ليس فقط خالياً من تكلف الهندام، ولكنه يضعه كطفل على عجل للخروج للعب، يدوس على جزمته "الرسمية" ليحولها إلى حذاء شعبي، ويتحدث بهدوء ولهجة تهامية تميزها لثغته الجميلة، ما إن يفتح نقاشاً حتى يغمرك بتفاصيل الأحداث وتواريخها وشخوصها، يضيف إلى حديثه التقاطات وتعليقات تحلله بعمق ورؤية وتسخر أحيانا بقفشات لاذعة وساخرة.

عديد من المؤسسات الأدبية والنقابية ستجده أحد مؤسسيها والشخصية التي يُجمع عليها ومحط الوفاق، فهو أحد مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (الذي أسس وحدوياً) ونقابة الصحفيين اليمنيين (شمالاً) والذي كان نقيباً لها، ثم أول نقيب  بعد توحد نقابتي الشمال والجنوب، ما نستقرئ منه المكانة التي احتلها لدى الصحفيين في الشطرين. وما زلنا نعامله كنقيب حتى بعد أن ذهب المنصب إلى أكثر من شخص بعده، لكن يبقى الأستاذ عبدالباري النقيب مرجعية نلجأ إليها في حال المشاكل الداخلية للنقابة وللصحفيين، وحامياً في حال واجهتهم السلطة وسياطها، وخبرة في وضع أهم اسس وقواعد اللوائح الداخلية ومراجعة مسودات قوانين الصحافة ومواثيق الشرف.

في السياسة ومن قبل الحزبيين له نفس المكانة والتقدير من قبل اليمين واليسار، وهو عضو الحزب الاشتراكي اليمني سابقا وأبرز أعضائه المؤسسين في الشمال، فهو الذي لم يخاصم يوماً عدا الظلم، ولم يعادِ فكراً بل يؤمن بكل مختلف، مجسدا مقولة فولتير "قد اختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبيرعن رأيك". يدافع عن المعتقلين السياسيين من جميع التيارات والأحزاب والأيديولوجيات. في كل بيان تضامن مع معتقلي الرأي والتعبير ستجد اسمه متصدراً القائمة، في كل وقفة احتجاجية أو تضامنية كنا نحضرها من أجل حريات الصحافة والرأي، أو مطالب النساء بحقوقهن، أو مع بعض المظالم لمهمشين أو مستضعفين سيكون هذا الرجل الثمانيني كأصغر شاب، بل وبشعور أفتى منه واقفاً ومسانداً لكل ضعيف وصاحب حق ليس له سند.

مثّل عبدالباري طاهر مرجعية للعديد من الناشطات النسويات والحقوقيات، وسنداً وداعماً صادقاً لقضايا المرأة، ولبرامجهن ومشاريعهن، الذي يجسد إيمانه بالنساء قولاً وفعلاً

يؤمن كثيراً بالشباب وأن طاقتهم هي من تصنع التغيير وتقوده، وهذا ما كان يردده بإصرار خاصة أيام ثورة 2011 والتي شارك فيها بروح شبابية وفكر حكيم، كان يقول إن السلطات والمراكز صغيرها وكبيرها في الحكومة وغيرها يجب أن تسلم للشباب فاندفاعهم يتحول إلى إنجازات ومخرجات إيجابية، وأنه كلما كبر الشخص في السن يميل إلى التعقل والتريث الذي يجعله يقنع بما أنجزه او ما لم ينجزه، ويستكين لطلب الراحة والهدوء.

وكلامه هذا يتمثل أفعالا ما إن يجد فرصة ليقدم شاباً أو شابة لترؤس فعالية أو عمل ما فلا يتردد في ذلك، أتذكر العام 2013 عملت معه ضمن فريق لإعداد مصفوفة تشريعات حرية الرأي والتعبير لمنتدى التنمية السياسية، في أول اجتماع للمجموعة يوكل إليّ مهمة إدارتها "وزعي المهام ونحن ننفذ"، كانت جرعة كبيرة لي من الثقة غيرت من كوني واحدة ضمن فريق، كان في بالي أن أنجز جزئيتي وينتهي الأمر، لكن كلمته بدلت ذلك التساهل إلى همة كبيرة في إخراج عمل يستحق ثقته ويجعله يفخر بقناعته.

مثل الأستاذ عبدالباري طاهر مرجعية للعديد من الناشطات النسويات والحقوقيات، وسنداً وداعماً صادقاً لقضايا المرأة، ولبرامجهن ومشاريعهن، الذي يجسد إيمانه بالنساء قولاً وفعلاً، فهو محل ثقة لم تتزعزع، ومستشار مخلص، وخبرة كمعد ومراجع لتقاريرها وإصداراتها وتقديم أوراق عمل مستقرئة للواقع وناظرة للمستقبل.

يمثل لي القدوة في زمن كثر فيه التساقط من أجل سلطة او مال وتبعية عمياء لمنطقة أو طائفة، سيظل عبدالباري طاهر أممي القلب والروح والفكر، إنساني كوني ليقول لنا إن الحياة أبسط مما نعتقد، وأن الإنسان فقط من بيده تبسيطها أو تعقيدها وتحويلها إلى مأساة لا تنتهي.