وقف فيكتور نافورسكي أمام ضابطة المطار مرتبكاً يحاول فهمَ ما تقول، حين أخبرتْه أنه لم يعد قادراً على العودة إلى بلاده، بسبب وقوع انقلابٍ فيها وإلغاء صلاحية جواز سفره بسبب الانقلاب.
أنتج فيلم (The Terminal) عام ٢٠٠٤، وهو قائمٌ على قصةٍ حقيقيةٍ لرجُلٍ إيرانيٍّ ظلَّ عالقاً في مطار شارل ديغول الفرنسي مدةَثمانية عشر عاماً، دون إثبات هويةٍ، طالباً اللجوء. لكنْ على عكس القصة الحقيقية، لم يكن بطلُ الفيلم يطمع في اللجوء؛ بل يريد فقط العودةَ إلى بلده حين أُغلقت جميعُ المنافذ إليه، ولم يعد جواز سفره صالحاً للذهاب إلى أي مكان.
أخرج الفيلم ستيفن سبيلبيرغ، وأدى دور البطولة فيه توم هانكس، وساعدت الجميلة كاترين زيتا جونز في إضفاء لمسةٍ رومانسية على الأحداث التي كانت تبدو حتى وقتٍ قريبٍ أحداثاً خيالية.
من دولةٍ وهميةٍ اسمها (كراكوزيا)، قَدِم فيكتور نافورسكي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليحصل على توقيع فنانٍ أحبّه والدُه المتوفى، لكنه يعْلَق في المطار ولا يعود قادراً على الخروج منه أو حتى العودة إلى بلده. ينظر إليه موظفُ الجوازات بِرِيبةٍ، وهو يتلعثم بلغةٍ لا يفهمها الموظف، ويواجه صعوبةً في التحدث باللغة الإنجليزية. يتشبث بجواز سفره، الذي يسحبه الموظف حين لا تعود له قيمة.
خلل في النظام
يقابل فيكتور مدير حماية الحدود، السيد ديكسن، الذي يخبره أن بلاده أوقفت مؤقتاً امتيازات جميع السفريات التي أصدرتها الحكومة على جواز سفره، وأن وزارة الخارجية ألغت التأشيرة التي تسمح له بدخول الولايات المتحدة الأمريكية. يشرح له ديكسن سبب التغيرات المفاجئة: "يبدو أنه عندما كنتَ في الطائرة وقع انقلابٌ عسكريٌّ في بلدك". لا يفهم فيكتور ما يعنيه مدير حماية الحدود، فيشرح له الأخير الوضع: "لم تعد هناك كراكوزيا.. كل الرحلات ذهاباً وإياباً إلى بلدك تم إيقافها. الحكومة الجديدة أغلقت كل الحدود، لذا أصبحت تأشيرتك غير سارية وكذلك جواز سفرك.. أنت حالياً مواطن لا مكان له".
يكمل ضابط المطار شرح الوضع لفيكتور: "الآن نحن لا نستطيع التعامل مع أوراقك الجديدة حتى نتعرف على إعادة تصنيف الدبلوماسية الجديدة لبلدك". ويضيف: "ليس لديك حق اللجوء السياسي أو الوضع الوقائي المؤقت أو إطلاق السراح الإنساني. ببساطة، أنت حالياً غير مقبول". ثم يشرح له أن ليس بإمكانه العودة إلى بلاده، التي أصبحت جزءاً من الماضي، ولا يُسمح له كذلك بدخول الولايات المتحدة. يكمل ديكسن: "ليس لك حق دخول الأراضي الأمريكية، وليس لي الحق بحجزك؛ أنت وقعت بسبب خللٍ في النظام".
يحاول مدير الجمارك تهيئة الظروف لنافورسكي كي يهرب من المطار؛ حيث سيقع في يد الشرطة، لكن نافورسكي يظل محافظاً على النظام، فيقترح عليه تقديم طلب لجوء إنساني بإثبات احتمال تعرضه للخطر بالعودة لبلاده. لكن الرجل يجيب بثقة: "أنا لست خائفاً من وطني".
صالة الانتظار
تصبح صالة الانتظار الدولية هي المكان الذي يسمح لنافورسكي بالبقاء فيه، كمنطقة محايدة بين وطن الآخرين ووطنه الضائع. يعرض مدير الجمارك عليه صفقةً ظنها مغرية، وهي إعطاؤه حرية التنقل في حدود صالة الانتظار، بعض كوبونات الطعام، ومقاعد باردة لا تصلح حتى للنوم.
يتساءل فيكتور عما يمكنه أن يفعل في هذه المساحة الضيقة التي أصبح مسجوناً فيها، فيجيبه الضابط: "ليس هناك سوى شيءٍ واحدٍ يمكنك عمله.. التسوق". لكنه يذكّره أن نقوده الكراكوزية لم يعد لها قيمة بسبب الوضع غير المستقر في بلاده.
يشاهد نافورسكي على شاشات المطار أخبارَ بلاده المنكوبة فيصيبه الهلع. وحيداً في الزحام يقف، غيرَ قادرٍ على الوصول إلى بلده أو الاطمئنان على أهله هناك. وجهٌ غريبٌ بلغةٍ غريبةٍ لا يفهمها أحدٌ، بلا سفارةٍ يمكن أن تساعده، بعد أن انهار النظام في بلده، فيصبح كلُّ هَمِّ الرجل الحصولَ على طعامٍ ومكانٍ يضع عليه رأسه في الليل.
لستُ خائفاً من وطني
تحت شاشةٍ تَعْرض إعلاناتٍ تجاريةً من أميركا، الدولة الرأسمالية التي يحلم كثيرون بالعيش فيها، يملأ نافورسكي كلّ يومٍ استمارةَ الحصولِ على تأشيرة العبور إلى هناك، لكن موظفة في المطار تظل لأشهرٍ تضع على أوراقه ختمَ "مرفوض".
تشرح له الموظفة: "لا تستطيع المرور دون جواز سفر، ولا تستطيع الحصول على جوازجديد دون بلد".
يحاول مدير الجمارك تهيئة الظروف لنافورسكي كي يهرب من المطار؛ حيث سيقع في يد الشرطة التي ستتعامل معه بطريقتها، فيتخلص هو من مسؤوليته تجاهه. لكن نافورسكي يظل محافظاً على النظام، فيقترح عليه حيلة للخروج من أزمته عن طريق تقديم طلب للجوء الإنساني بإثبات خوفه من العودة إلى بلاده، واحتمال تعرضه للخطر بالعودة إليها. لكن الرجل يجيب بثقة: "أنا لست خائفاً من وطني".
يفيض الكيل بديكسن، فيحاول الإبلاغ عن فيكتور ليُقبَضَ عليه؛ يقول للمسؤول عبر الهاتف مبرراً طلبه: "إنه بلا وطنٍ ولا جنسيةٍ.. إنه خطرٌ على الأمن القومي".
الرجل الذي بلا بلاد
يبحث فيكتور عن العملات المبعثرة ليتمكن من شراء وجبة طعامٍ تسدّ رَمَقَه، يحاول تعلم الإنجليزية ومتابعة أخبار بلده الذي يتعرض لأزمةٍ سياسيةٍ واقتصادية، كما تنقل الشاشات التي بدأ يفهم كلماتها المعروضة. يناديه عمالُ صالة الانتظار، الذين بدأ يعقد صداقاتٍ معهم، بـ"الرجل الذي بلا بلاد".
يشاهد على الشاشات أخبارَ المعارك في بلده، لكنه يدور حول نفسه عالقاً في نقطةٍ واحدةٍ لا يستطيع تجاوزَ حدودها. يظل فيكتور ملتزماً بالنظام، يدور بين أسواق المطار ومطاعمه وغرفه، تاركاً أثراً لدى من يقابلهم هناك، حتى يصبح معروفاً لدى الجميع؛ الرجل الذي علِقتْ بلاده في حربٍ مفاجئةٍ، وعلِقَ هو في مطارٍ غريبٍ دون ذنب، يحلم فقط بالعودة كيفما كانت الظروف.
قصة حقيقية
قصة الفيلم مقتبسةٌ من قصةٍ حقيقية] للإيراني مهران كريمي ناصري، الذي علِقَ في مطار شارل ديغول في فرنسا لمدة ثمانية عشر عاماً، من عام 1988 إلى 2006؛ حيث شارك، حين كان في المملكة المتحدة، في مظاهرةٍ ضد شاه إيران عام 1974، ما أدى إلى سجنه عند عودته إلى بلاده، كما قال، ونُفيَ بعدها ليطلب اللجوء في عدة دولٍ أوروبية، حتى علق في مطار باريس، زاعماً أن الحقيبة التي تحمل أوراقه الثبوتية ضاعتْ منه، ولم يكن لديه ما يثبت هويته، لذا ظل في المطار كل تلك السنين منتظراً الخلاص.
تنتهي الحرب في كراكوزيا، ليحتفل فيكتور نافورسكي مع رفاقه، الذين اعتادوا رؤيته في صالة الانتظار لأشهُر. تبدو الفرحة عارمةً في وجهه، فَرَحاً بانتهاء الأزمة في بلاده. يقول له صديق: "حاولْ ألّا تعْلَقَ أينما ذهبت".