لم يعد للثلاثاء طعمه، لم يعد يشتري الناسالجريدة يوم الثلاثاء، لم يعد الثلاثاء أحد أيام الأسبوع، كان الناس أيضاً يطلقون عليه"ثلاثاء المقالح".
كانت تلك الليلة مفعمة بالحرف، بالكلمةالموقف.
قال لي إبراهيم، وأنا أقصد هنا إبراهيمالمقحفي: من هذا الثلاثاء سيكتب الدكتور يوميات الثورة أسبوعياً. ذهبنا سوية، هو يتكلم،ونحن الاثنان نكتب.
صباح الثلاثاء ظهرت الثورة بأول يوميات،ومن يومها ظلت تتدفق حتى تلك اللحظة التي "انتعث" فيها كل شيء. ومن يومهابدا الثلاثاء يوماً بلا تاريخ.
يوم الإثنين من كل أسبوع يرسلها مع أحدهممكتوبة بخطه الجميل.
صارت اليوميات مرجعية للناس حتى في معرفةتاريخ اليوم، وكثيرون كانوا لا يقرؤون إلا يومياته، ويحتفظون بها. وأعرف أناساً "عاديين"يحتفظون بها في ملفات إلى اللحظة في بيوتهم، ومن المهتمين الكبار العم أمين درهم.
بعد أن ترك إبراهيم إدارة التحرير، توليتأنا، وظللت أتلقاها كل ثلاثاء بتلك الأظرف المخططة، ثم البيضاء، ثم الكاكية. وصرت-وإلى اللحظة- أحتفظ بعدد ليس بالقليل منها في مكتبتي، وعلى بعض منها رسائل مختصرةإما شخصية خاصة بما أكتب، أو ملاحظة حول أمر ما.
صرت لصيقَ المقالح، وأحد أصدقائه، وتلميذاًمن تلامذته، وهو فخر ما بعده فخر. وإلى اللحظة أهابه إلى درجة أنني لا أجالسه، ولاأقوى على التحدث في حضرته، وهذا شأني، فأنا أكنّ له من الاحترام والإكبار ما لا عينرأت ولا أذن سمعت؛ ببساطة لأنه المقالح الشاعر الكبير، الإنسان الأكبر، الغزير الذيما تزال أمطاره تهطل على أفئدتنا إلى اللحظة وإلى ما شاء الله.
سيظل الأستاذ المقالح اسماً لا ينفصم عناسم هذا الوطن، فهو الذي كتب له، وهو من تغنّى به، وهو من استشرف أفقه ولا يزال. وطنسيظل هو الوطن الذي نحلم به لأولادنا مرفوع الهامة إلى يوم الدين.
ماذا يمكن أن يقول الإنسان، وخاصة حاملالقلم، عن المقالح الذي هو محل احتفائنا الدائم وإلى الأبد؟! أقول إنه سيظل قصيدتناالتي نرددها ليل نهار، قصيدة الثورة الخالدة في نفوسنا طوال حياتنا، ننشدها لأولادناوأحفادنا. سنكتب لهم سيرنا الذاتية مقرونة بالقول إننا عشنا في زمن المقالح، والبردوني،والكلمة الكبيرة السامية المعنى والمدلول.