المحطة الأولى
كان مصير الأدب في حياتيما يزال في علم الغيب، وأنا في السنة الثالثة في كلية الهندسة. وفي صباح رائق كنت أطبقبكفي على أطراف معشرة أنيقة فضية اللون يعلو سطحها سجاد أنيق ذو لون كحلي وعليهمقص محاط بالورود. وقفت في باب مبنى قسم العمارة أنتظر مع الأساتذة والطلاب ضيوفالكلية لقص شريط الإعلان لافتتاح المعرض السنوي الثالث لقسم العمارة في كليةالهندسة في نوفمبر ١٩٩١.
حضر الرئيس السابق عليعبد الله صالح ليقص شريط افتتاح المعرض، وبالنسبة لي كانت رؤية الدكتور عبد العزيزالمقالح هي الأهم في ذلك اليوم؛ فقد كان الرجل الذي أقرأ شعره وأرى صوره في صحيفتي"الثورة" و"٢٦ سبتمبر" باستمرار، وهذا أقرب لاهتمامي بالأدب.عندها قلت في قرارة نفسي إن كان التفوق منحني رؤية ومصافحة شاعر عظيم كالمقالح،ورئيس دولة في ذات الوقت، فسأظل متفوقة طيلة حياتي.
وفي العام ١٩٩٥، صرت أعملفي الجامعة تحت رئاسة الشاعر والأكاديمي الدكتور عبد العزيز المقالح، وكان توقيعهعلى قرار تعييني معيدة في جامعة صنعاء كلية الهندسة يعني لي الكثير. وهل هناكسعادة وحافز لأستمر في التفوق أكثر من ذلك؟!
توالت توقيعات السعادة فيمسيرتي الأكاديمية لأحصد توقيعه على قرار تسوية وضعي بعد حصولي على درجةالماجستير٢٠٠٠، وقرار إيفادي للدراسة في جامعة القاهرة ٢٠٠٤، وقرار تسوية وضعي بعدحصولي على درجة الدكتوراه 2008.
المحطة الثانية
كانت تلك المحطة الأولىلي معه، أما المحطة الثانية فقد كانت عندما قررت أن يكون الأدب جزءًا من حياتي وأحدمشاريعها الراسخة في ذهني، لأحصد منه توقيعاتِ سعادةٍ أخرى بكتابته عن أعماليالقصصية وما تلاها من أعمال روائية. كان الدكتور المقالح أول من عمّدها بقلمهوبحروف كلماته المشجعة لي بالاستمرار، ليزف البشرى للوسط الثقافي اليمني بميلادكاتبة مبدعة سيكون لها شأن في المشهد اليمني والعربي، خاصة بعد أن نقل لي شهادةجمال الغيطاني بالتميز في حق نصوصي التي قرأها أثناء تقديمي لجائزة السعيدالثقافية ١٩٩٩، وكتب ذلك في تقديم مجموعتي القصصية الأولى "زفرة ياسمين".تلا ذلك توقيعات سعادة امتدت عبر مقالات أدبية ونقدية عن روايات "حب ليس إلا"،و"عقيلات"، و"صنعائي"، و"سوق علي محسن".
وفي أحد أيام هذه الحرب،ذهبت لأسلّم عليه، وأهديه روايتي الرابعة "سوق علي محسن" بعد أن صدرت عندار الهلال في القاهرة نوفمبر ٢٠١٦.
عندها سألني: "متىكتبتِها، ونحن في هذه الأوضاع السيئة؟" لم أستغرب من سؤاله، فقد كنت أعرفصعوبة الكتابة في زمن الحرب، فأجبت بهدوء: "كتبتُها في "عز" القصفالصاروخي الغاشم على صنعائي"؛ فقد كانت الكتابة هي الخلاص الذي أنقذني منالسقوط في براثن الاستسلام للخوف ولواقع مؤلم لا مفر منه غير المقاومة بكل ما أوتينامن إرادة.
صمتُّ حينها بعد سماعي،وقال: "خير ما فعلت، وليت من يفهم أهمية وجوهر الكتابة مثلك"، وأردفبابتسامته الهادئة: "سأقرأ الرواية باهتمام كما أقرأ لك دائما".
المحطة الثالثة
ولأنها الحرب اللعينة،فإن أسوأ ما فعلته هي أنها وضعتني في خانة انتظار ما سيكتبه أستاذي القدير الدكتورعبد العزيز المقالح عن الرواية.