تعز بلا منتزهات

الحرب تعبث بمدينة الجمال
فخر العزب
August 4, 2020

تعز بلا منتزهات

الحرب تعبث بمدينة الجمال
فخر العزب
August 4, 2020

الحقول خضراء، المراعي خضراء، الطرقات مجلجلة بالأشجار، الحدائق أكثر من البيوت عدا سلسلة من الجبال كالأنغام المتموجة مكسوة بالزمرد مزركشة بالأزهار، الجو لطيف يريق بالسحر معبقاً بشذا الورود والثمار".

هكذا سجل الروائي العالمي نجيب محفوظ في مجموعته القصصية المعنونة بــ"تحت المظلة"؛ انطباعات دهشته بجمال مدينة تعز التي زارها في العام 1963 أثناء زيارته لليمن التي جاءت في سياق مهمة تم تكليفه بها من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتعد اليمن واحدة من ثلاث بلدان فقط زارها محفوظ طوال حياته. 

ولعل انفراد تعز بهذا الوصف يكشف عن جمال المدينة الاستثنائي الذي يجعلها قبلة للزيارة لدى كل من يزور اليمن باعتبارها واحدة من أجمل المدن اليمنية التي تمتاز بطبيعتها الخلابة والمتنوعة، وجوها المعتدل طوال فصول السنة، بالإضافة إلى التنوع في المواقع والمنتزهات التي يحرص الزائر لتعز على أن تكون في مقدمات وجهاته للتمتع بجمال وسحر تعز التي تتعانق فيها المدينة والجبل في منظر يختصر معاني الجمال. 

قمة جبل صبر الشاهق وقلعة القاهرة والمآثر التاريخية في المدينة القديمة كمسجد الأشرفية والمظفر، والباب الكبير وباب موسى، ومنتزه الإخوة، ومتنفسات وادي الضباب، من الأماكن التي يتوجب زيارتها على كل من يزور تعز، كما أنها منتزهات المدينة التي يأوي إليها الباحثون عن ارتشاف نسيم تعز العليل.

 باتت مدينة تعز بلا منتزهات في زمن الحرب، بعد أن تم استهدافها بالقصف، أو نتيجة سيطرة المجاميع المسلحة، أو التهديدات الأمنية لقربها من مناطق الاشتباكات.

لكن الملاحظ أن المدينة باتت بلا منتزهات في زمن الحرب، بعد أن تم استهداف هذه المنتزهات بالقصف، أو نتيجة سيطرة المجاميع المسلحة، أو التهديدات الأمنية التي تهدد هذه الأماكن القريبة من مناطق الاشتباكات ووقوعها تحت رحمة القذائف.

قرية دار النصر بمديرية صبر الموادم كانت تعد واحدة من أهم المواقع السياحية في تعز نتيجة موقعها الذي يطل على المدينة، وتحتوي على متنزه الشيخ زايد السياحي، ما زاد من روعة المكان وجاذبيته للزوار وخاصة الأسر والعوائل التي تجد فيه متنفسا لقضاء أوقاتا من الراحة والاستجمام والتمتع بالإطلالة المميزة على المدينة.

ومنتزه زائد الذي بني منتصف الثمانينيات عبارة عن تحفة معمارية فريدة مكونة من ثلاثة طوابق، تضم 16 شاليها بمساحة 80 مترا مربعا للشاليه الواحد، كما يضم المبنى عشرات الغرف وجناح خاص بكبار الضيوف، ومطعم وكافتيريا وصالات وموقف سيارات.

مع بدء الحرب في مدينة تعز سيطرت جماعة أنصار الله "الحوثيين" على قرية دار النصر، وقاموا بتحويل منتزه زايد إلى ثكنة عسكرية نتيجة موقعه الاستراتيجي الذي يشرف على المدينة، ليقوم طيران التحالف العربي "السعودية والإمارات" بدوره بشن غارات جوية على الموقع نهاية شهر مايو/ آيار، وغارات أخرى منتصف يونيو/ حزيران 2015 تسببت بتدمير المبنى بشكل شبه كامل وتحويله إلى ركام. 

ومع سيطرة الوحدات العسكرية الموالية للحكومة المعترف بها دوليا على قرية دار النصر، قامت بتحويل المنتزه إلى ثكنة عسكرية تابعة للواء 22 ميكا، ليتم لاحقا السماح للمواطنين بالدخول إلى الموقع الذي تحول إلى متنفس للزوار وخاصة للأسر والعائلات التي تقصد المكان للتنزه والتمتع بمناظر المدينة الجميلة وخاصة في فصل الصيف. 

وعلى الرغم من أن الموقع لم يعد يحتوي سوى بعض الركام الذي خلفه قصف طيران التحالف العربي، فإن أفراد اللواء 22 ميكا المسيطرين على الموقع قد قاموا بتحويله إلى مكان "للاسترزاق خارج القانون"، حيث يقومون بفرض رسوم مالية على العوائل التي تقصد المكان الذي بات مجرد ركام ولا يحتوي على أية خدمات يمكن تقديمها للزوار. 

يتم فرض الإتاوات المالية على الزوار مقابل الدخول لمنتزه زايد، بدون سندات رسمية وبطريقة مخالفة للقانون.

يتحدث المواطن أيمن فيصل لـ"خيوط" أن قرية دار النصر كانت من أهم المنتزهات التي يحرص على زيارتها بشكل دائم قبل الحرب، لكنها لم تعد كذلك في زمن الحرب، حيث قام بزيارتها مع أسرته وتفاجأ بجنود تابعين للواء 22 ميكا وهم يفرضون مبلغ 500 ريال يمني مقابل دخول سيارته إلى فناء منتزه زايد، حيث يتم فرض الإتاوات المالية على الزوار مقابل الدخول للمكان الذي لم يبق منه سوى الركام، ويتم استلام هذه المبالغ بدون سندات رسمية وبطريقة مخالفة للقانون، ولذا فقد امتنع عن تكرار الزيارة نتيجة هذه السلوكيات.

ولا يختلف الحال مع قلعة القاهرة التاريخية التي بنيت في عصر الدولة الصليحية (1045-1138)، وتعد من أبرز المعالم السياحية والجمالية لمدينة تعز، حيث قامت القوات العسكرية التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين) بتحويلها إلى ثكنة عسكرية عقب سيطرتهم المسلحة على مدينة تعز في مارس/ آذار 2015 ما جعلها عرضة لقصف طيران التحالف العربي أكثر من مرة، أبرزها في 11 مايو/ آيار من العام نفسه. وقد تسبب القصف بتضرر المدافن الأثرية، والسور الداخلي للقلعة، وكذلك دار الأدب، ولم يبق من القلعة سوى السور الخارجي الذي أعيد ترميمه وبناؤه من جديد في عهد الرئيس السابق. 

في منتصف أغسطس/ آب 2015 سيطرت كتائب أبي العباس السلفية الموالية للحكومة المعترف بها على القلعة واستخدمتها كموقع عسكري قبل أن تقوم في أغسطس/ آب 2018 بتسليمها للسلطة المحلية التابعة للحكومة المعترف بها دوليا خلال فترة قيادة المحافظ السابق الدكتور أمين أحمد محمود والذي وجه بفتح القلعة أمام الزوار. ثم تحولت من جديد بعد إقالة هذا المحافظ، إلى ثكنة عسكرية تابعة لوحدات عسكرية موالية للسلطة المحلية في المدينة، ويتم غلقها أمام الزوار من جديد.

منتزهات المدينة الأخرى هي تقريبا خارج نطاق الخدمة ولأسباب متعددة؛ فمنتزه الإخوة الواقع على "تبة الإخوة" وسط المدينة تم تحويله إلى ثكنة عسكرية تابعة للواء 22 ميكا.

وتعليقا على قيام وحدات عسكرية تابعة لمحور تعز بتحويل عدد من المتنزهات في المدينة إلى ثكنات عسكرية، قال مسؤول عسكري في السلطة المحلية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً لـ"خيوط" إن جميع أبناء تعز يعرفون أوضاع هذه المتنزهات، ويعرفون حجم الدمار الذي لحق بها كليا بسبب الحرب. كما يعرف الجميع أن هذه المتنزهات سلمت سابقا، ولم تعد كما كانت. وإن القول بعدم ذلك يأتي فقط من باب المكايدة والتشويه المتعمد.

وأضاف أن الجميع يتابع ذلك، فيتعمد البعض إثارة مثل هذه الأمور رغم أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، على حد قوله.

كما أن وادي الضباب الواقع جنوب غرب المدينة الذي يعد من أهم منتزهات المدينة، ما يزال الذهاب إليه أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب خاصة للأسر والعوائل نتيجة وقوعه بالقرب من مناطق التماس بين القوات الحكومية التابعة للحكومة المعترف بها دوليا والقوات التابعة لحكومة صنعاء. إضافة إلى أن المنطقة يتم استهدافها بالقذائف بين الحين والآخر ما يجعلها منطقة خطرة ومهددة أمنيا، لتبقى مدينة الجمال بلا منتزهات


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English