تكتسب الآثار، في أيّ بلد، قيمتَها من كونها نتاج حضارة عريقة أسهمت بدورها في بناء الحضارة الإنسانية عمومًا، ولتصبح لاحقًا تراثًا إنسانيًّا ينبغي على كل شعوب العالم المشاركة في العناية به والمحافظة عليه.
المدن والمباني الأثرية بحضرموت، تعد شواهد مادية على فترات حضارية مزدهرة في تاريخ المحافظة، وتاريخ اليمن ككلّ، إذ يمتد تاريخ هذه الآثار لأكثر من أربعة آلاف سنة، ومن أهم هذه الشواهد: القصور، والمعابد، والأسوار، والتماثيل، والمساجد، والقلاع، والحصون.
وفي خضم الصراعات المسلحة الدائرة في حقب زمنية مختلفة، تتعرض المواقع الأثرية والمعالم التاريخية للتدمير، والنهب والإهمال، إضافةً إلى تعرضها للسرقة والتهريب.
مواقع عسكرية
في الآونة الأخيرة، واجهت هذه المواقع والمعالم هجمة شرسة؛ نظرًا لوجودها مباشرة في مناطق الصراع المسلح، ما يشكل تهديدًا خطيرًا عليها وعلى القيمة الوطنية والتاريخية والإنسانية، حيث لجأت أطراف الصراع في اليمن إلى استخدام المواقع والمعالم الأثرية كمواقع عسكرية، استراتيجية ودفاعية؛ منها -على سبيل المثال- قلعة صيرة بمدينة عدن، وقلعة القاهرة بمدينة تعز، وهو ما جعلها عرضة للقصف والدمار.
حضرموت ليست بمعزل عمّا يجري في ربوع الوطن؛ إذ ألقت الحرب بظلالها على المواقع الأثرية في المحافظة، فمن ضمن سلسلة المخاطر التي تتعرض لها المدن التاريخية والمواقع الأثرية، تهديدُ العوامل الطبيعية من أمطارٍ وسيول، والتي أثرت بشكل كبير على المباني الأثرية المبنيّة من الطين.
"وسام أزرق" تسعى لتوفير الحماية اللازمة للحفاظ على المباني التاريخية وصيانتها بشكل مستمر، وترميم وإعادة بناء ما تهدّم منها، بالإضافة إلى التعريف بالمباني التاريخية، والتواصل مع الجهات والمنظمات المحلية والدولية المهتمة بهذا الجانب
كما أن الهجمات والتفجيرات التي تنفذها العناصر الإرهابية تشكل خطرًا على هذه المدن، ولعل مدينة شبام حضرموت المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو أكثر المدن التاريخية التي تأثرت بهذه التفجيرات، وساهم ضَعف مؤسسات الدولة في مفاقمة المشكلة.
ولهذه الأسباب أطلق مجموعة من الشباب والفتيات المنتمين لمجموعة "سند" الإعلامية، مبادرة خاصة، أسموها "وسام أزرق" تهدف للحفاظ على المدن والمباني التاريخية ذات القيمة التاريخية العريقة والطابع المعماري الفريد، كما تسعى إلى تشجيع الشباب للمساهمة الفاعلة والمشاركة في توثيق المباني وترميم ما تلف منها، بمبادرة ذاتية.
هدف المبادرة
وحسب رئيسة المبادرة، مريم بامحرز، التي تحدثت لـ"خيوط"، قائلةً: "إن المبادرة صممت لتحقيق عددٍ من الأهداف؛ أبرزُها السعي إلى توفير الحماية اللازمة للحفاظ على المباني التاريخية وصيانتها بشكل مستمر، وترميم وإعادة بناء ما تهدّم منها، وكذا توثيق أكبر عددٍ منها بما يتوافق مع التقدم الإلكتروني، عن طريق تصوير كافة الجوانب وإسقاطها بقوالب ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى التعريف بالمباني التاريخية، والتواصل مع الجهات والمنظمات المحلية والدولية المهتمة بهذا الجانب، وجذب الخبراء والمهتمين بفنون العمارة لتقديم دراسات متخصصة لإثراء المكتبة التراثية بالبحوث والدراسات، وتوعية الشباب بدرجة أولى، وكافة أفراد المجتمع، بأهمية الحفاظ على التراث الوطني والاهتمام به وتشجيع السياحة الثقافية بالمحافظة.
وتشمل المبادرة في مرحلتها الأولى، عددًا من الأنشطة والفعاليات؛ منها تنفيذ حملة إعلامية للتعريف بالمبادرة، والحث على أهمية الحفاظ على المدن والمباني التاريخية بهدف رفع الوعي العام، يلي ذلك إقامة عددٍ من الندوات في جوانب تاريخية متخصصة، وفي جوانب متعلقة بالعمارة الطينية، وأيضًا التعريف بالمنظمات العاملة بالمجال التراثيّ، كما ستقيم المبادرة عددًا من الدورات التدريبية المتخصصة للمهندسين المعماريين حول آلية إعادة ترميم المباني التاريخية، وكذا للإعلاميين في مجال تصوير "Photogrammetry" (المساحات التصويرية)، وترجمة الصور التاريخية، وطرق التوثيق التراثيّ للآثار.
المبادرة ستساعد بشكل كبير في الحفاظ على المدن والمباني التاريخية، إذ إن مشاركة المجتمع في هذه المهمة عنصرٌ أساسي لنجاحها، بحسب رأي مدير الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بحضرموت، حسن عيديد، الذي أكّد في حديثه لـ"خيوط"، "أن الكثير من المباني الأثرية مهددة بالخطر؛ إمّا بالانهيار بفعل الأمطار والسيول، أو بالتهدم بفعل الزحف العمراني على المواقع الأثرية، أو بالبيع كالقصور التاريخية بمدينة تريم، ولم تستطع الهيئة عمل شيء بهذا الخصوص؛ لعدم توفر الميزانيات من جهة، ولضعف مؤسسات الدولة بشكل عام من جهة أخرى.
هذا وتنص المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح، على "احترام الممتلكات الثقافية، إذ تلزم الأطراف على احترام الممتلكات الثقافية الكائنة، سواء في أراضيها أو أراضي الأطراف الأخرى، والامتناع عن استعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاع مسلح، وإيقاف أي عمل عدائي إزاء هذه الممتلكات"، كما تنص المعاهدة على واجب الأطراف على حماية الممتلكات الثقافية من السلب والنهب.