شهد الجنوب يوم أن كان (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ظاهرة أدبية ملفتة وذات أبعاد ثقافية وأدبية، وأحيطت بتجاذبات سياسية اتسمت بها مرحلة السبعينيات، وهي ما سميت بظاهرة الأدباء الشباب التي انضم أدباؤها لاحقًا تحت لواء (جمعية الأدباء الشباب).

إن بزوغ هذه الظاهرة الأدبية وانتشارها على كل المشهد الثقافي طوال أكثر من عقدين من الزمن، تثير اليومَ، ونحن نفتح صفحات تاريخها لنقرأها بروية ودون تشنجات سياسية أو مواقف متسرعة، الكثيرَ من الأسئلة لإضاءة ما عتم منها وما آلت إليه. 

في الحقيقة، لقد كان المد الثوري في سلطة نظام عدن تحت قيادة التنظيم السياسي الجبهة القومية في مرحلة المنتصف الأول من السبعينيات قد فرض -كضرورة تاريخية- حاجته إلى تبني الجيل الجديد من الأدباء الذين بزغ برعمهم في الساحة الأدبية، وهم مؤهلون لكي يتوافقوا مع المرحلة الجديدة، خاصة أن جيل الآباء من الأدباء لم يكونوا على وفاق مع التوجهات السياسية والأيديولوجية لـ(مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الآفاق الاشتراكية) كما كان يطلق عليها.

ولقد كان معظم الأدباء الكبار قد انضووا في اتحاد أدبي وثقافي شمل أدباء الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) وأدباء الجنوب (جمهورية اليمن الديقراطية الشعبية) متجاوزين الحالة الشطرية للجنوب والشمال في كيان واحد اسمه (اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين)، وهو الاتحاد الذي كان وعاء لأدباء من شعراء وقصاصين وكتّاب ونقّاد وأيضًا سياسيين من مختلف التوجهات السياسية. وأصبح اتحاد الأدباء ممثلًا لهذه الشريحة الواسعة والمؤثرة في الشمال والجنوب.

ظاهرة الأدباء الشباب التي بزغت في الجنوب منذ أواسط السبعينيات حتى اضمحلالها في التسعينيات هي ظاهرة أصيلة في التكوين والمنهج، وأن (جمعية الأدباء الشباب) التي نشأت في تلك المرحلة كانت جسر عبور منطقي لهؤلاء الأدباء الذين صاروا فيما بعد جزءًا من المشهد الأدبي في الوطن (شماله وجنوبه).

إن الحراك السياسي الثوري في سلطة الجنوب التي اختارت طريق الثورة الوطنية الديمقراطية كخيار سياسي للسلطة ذات التوجه الاشتراكي قد جعل انتباهها يتوجه إلى الشباب الأدبي القادم من رحم التجربة الأدبية الشابة الصاعدة بأدواتها التجديدية وخياراتها المناصرة للثورة الشعرية التي حصلت في الشعر العربي، ومن ارتدادات ثقافية عربية لما بعد الشعر الحر أو التفعيلي أو النثري، والنقد والأدب الحديث في الوطن العربي، ومن تداعيات الحداثة في الوطن العربي والعالم.

ومن واجب حيادية الرأي القول إنه قد بدأ يظهر في عدن وفي كافة المحافظات جيل أدبي شاب بدأ ينشر إبداعه في الصحف المحلية، ويتناثر أصداؤه في جامعة عدن الوليدة يومها، وفي مؤسسات ثقافية وإعلامية وفي الصحافة والإذاعة والتلفاز والمسرح، وفي عقر دار الدائرة الأيديولوجية للتنظيم السياسي والحزب الاشتراكي فيما بعد.

جدال بين الحداثة والتقليد

لقد كان الجدال الثقافي والأدبي والسياسي يومها في السبعينيات من القرن الماضي، يدور بين الأدباء الآباء الكبار (ممن أسموهم التقليديين) من جهة، وبين جيل أدبي آخر نشأ من تأثيرات الحداثة الشعرية العربية، ويمكن الرجوع إلى إلى السجالات النقدية والثقافية بين الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة وبين الشاعر فريد بركات على صفحات الصحف المحلية كصحيفتي (14 أكتوبر) و(الثوري) وفي المجالس الثقافية والأدبية، التي كان تعبر عن مفارقة بين جيلين (تقليدي وحداثي)، وكل جيل يحاول إثبات حضوره أو نفيه للآخر.

وفي معمعة هذا السجال برز جيلٌ جديد من الشعراء والقصاصين والنقّاد وكتّاب الدراما والمسرح الشباب، الذين تمددوا في أروقة المدراس وجامعة عدن الوليدة وعلى صفحات الصحف، وأثبتوا حضورهم الإبداعي بصورة مستقلة ودون أي تبنٍّ من أي طرف ثقافي أو سياسي.

ولأن السلطة الثورية في عدن كانت (تقدمية) النهج السياسي والأيديولوجي، فقد رأت في هذا الجيل الأدبي الحداثي أنه يملك في أفكاره وأدواته الأدبية الحداثية ما يوافق توجهاتها السياسية والأيديولوجية؛ لذا سعت إلى تبني هذا الجيل الأدبي وتأطيره في شكل تنظيمي مرادف لاتحاد الأدباء الذي كان على ما يبدو في حالة عدم وفاق مع السلطتين السياسيتين في صنعاء وعدن، على حد سواء.

 فكان بزوغ (جمعية الأدباء الشباب) في أواسط السبعينيات من القرن الماضي والتي جمعت في كنفها معظم الجيل الأدبي الشاب في الجنوب.

ولا أحد ينكر أن تأطير هذا الجيل في الجمعية، جاء من إحدى ثلاث مبادرات:

- أولًا، بمبادرات فردية من مبدعين في وزارة الثقافة، حيث -كما يقول الزميل الإعلامي ناصر بحاح- إن فكرة جمعية الأدباء الشباب كانت فكرة لإيجاد إطار شبابي مبدع ضمن إدارة الثقافة في الوزارة.

- كما كان هناك توجهٌ لتشكيل جمعية الأدباء الشباب في جامعة عدن، وقد بدأت الجمعية فعلًا بأنشطة تحت هذا المسمى.

- وأخيرًا، كان تأسيس جمعية الأدباء الشباب بصورتها الكاملة البناء والتنظيم بإيعاز من السلطة السياسية (التقدمية) وضمن رغبة سياسية في صناعة رديف ثقافي يعبر عن أيديولوجيتها التقدمية.

ومن هنا، فإن تجليات إنشاء الجمعية كان بذورًا متناثرة في وزارة الثقافة وجامعة عدن حتى تبنته الدولة.

لكن هذا التوصيف لا ينفي أن تشكّل هذا الجيل الأدبي الشاب كان ضرورة تاريخية في مجرى التحول الأدبي والشعري العربي والإنساني ومن ارتدادات التأثير على واقعنا الأدبي الذي شهد ميلاد دولة وطنية.

ولذلك، فإن الأدباء الشباب في (اليمن الديمقراطية) لم يكونوا صناعة سياسية من التنظيم الحاكم، بل هم أدباء خالصو الموهبة والتعبير.

 هم جيل تلا جيل الأدباء الآباء بتشكلهم التجديدي والحداثي.

وما هذا التلاقي الفكري التقدمي بين هذا الجيل الأدبي وبين النظام السياسي (التقدمي) في الجنوب، إلا من حاصل وجودهم في جغرافية هذا النظام الحاكم.

وللأمانة التاريخية، أن هذه السلطة السياسية (التقدمية) كانت أكثر انفتاحًا في التعامل مع اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين منذ نشأته، باعتباره كيانًا يناصر الأدب والأدباء وقضاياهما في التعبير عن الواقع من وجهة نظر وطنية متقدمة، بالمقارنة مع ما يرونه من السلطة السياسية في صنعاء التي لم تمسها حركة التغيير والتقدمية، وكانت تبدو أقل انفتاحًا مع حركة الأدب الحديث، وبالتالي مع اتحاد الأدباء.

إلا أنها (سلطة عدن) من حيث هي سلطة سياسية، وإن كانت تقدمية، لكنها في أصلها كانت شمولية المنهج والتطبيق، ولذلك ارتأت التقاط هذه اللحظة التاريخية الأدبية من تشكّل جيل جديد معاصر لتضعهم في سلة مؤسساتها الأدبية الثقافية.

إلا أن اللافت في الأمر أن جل هؤلاء الأدباء الشبان بريء من الانتماء السياسي للحزب الحاكم إلا من قلة، وكان هؤلاء الأدباء بالمجمل كقوى متقدمة في الأدب لا يرون حرجًا من التعامل مع سلطة سياسية حاكمة تتبنى التقدم والتطور والحداثة. 

هم أبناء المرحلة التي أنجبت إبداعاتهم يومها، وهم أصيلون في الموهبة وفي التعبير، ولهم رؤيتهم الإبداعية التي قد تلتقي أو تتنافر سياسيًّا مع السلطة، ولذلك فإن إنشاء جمعية الأدباء الشباب وتأطرهم في كنفها كان نابعًا من رؤية ثقافية وليس سياسية للنظام الحاكم.

ومن الممكن القول، إن السلطة السياسية في عدن، أرادت من هذا المكون الأدبي الناشئ (الجمعية) أن يكون رديفًا للمكون الأدبي الأكبر (الاتحاد) والتي قد تستخدمه كورقة سياسية، لكن مجريات الأمور منذ نشأة الجمعية حتى تاريخ انتهاء وجودها في تسعينيات القرن الماضي لم تستجب لأي ضغوط سياسية، بل انتصر أبناؤها لإبداعهم ولتكوينهم الأدبي والثقافي، وأكّدوا على أنهم أبناء الظاهرة الأدبية الشابة والحديثة، وليس أبناء السلطة كـ(أدباء للسلطة)، رغم اللقاء الفكري معها في مفاهيم فكرية ونظرية، مثل التقدم والحداثة والمعاصرة وتقدمية الأدب والإبداع.

لقد كان نشأة الأدباء الشباب في (اليمن الديمقراطية) ضرورة تاريخية لبزوغ جيل جديد من المبدعين، وليس لوجود سلطة تقدمية، كان ظهورهم على الساحة حتميًّا في كل الأحوال، وما وجودهم في جغرافية هذا النظام وفي زمنية سلطته إلا توافق تاريخي وتزامن وجودي.

أدباء وسياسيون في السلطة

وليس خافيًا أن النظام السياسي في عدن كان يتبنى الأدباء الشباب ويرعاهم ويتبنى قضاياهم ويساهم في نشر إبداعاتهم في الصحف والمجلات والكتب، لأنها سلطة تقدمية، وسياسيها تقدميون طالما احتضنوا الشعراء والأدباء والمفكرين العرب والأجانب واستضافوهم، وكل ذلك يتوافق مع توجهات الأدب والثقافة والفكر في نظرتها في التعبير عن الواقع وفي المعاصرة والحداثة.

بل إن كبار القادة في التنظيم والحزب منهم مَن كتب الشعر مثل الرئيس عبدالفتاح إسماعيل، ومن رعى النخبة الثقافية والأدبية والفنية والرياضية مثل الرئيس علي ناصر محمد، وإن هناك من كبار السياسيين كانوا في المقام الأول أدباء وشعراء أمثال الرائد عبدالله باذيب، وزكي وفريد بركات، وغيرهم كثر.

كل هذه الظروف ولّدت التلاقح والتبني لجيل الأدباء الشباب في فترة بزوغهم، والسماح بتأطيرهم في شكل تنظيمي هو (جمعية الأدباء الشباب)، وانفتاحهم في التعامل معها دون ضغوط سياسية فجة وتركهم يلعبون في ساحتهم كأدباء مستقلين فكرًا ومنهجًا إبداعيًّا وفكريًّا، حتى صاروا جزءًا من التركيبة الأدبية التالية في قوام اتحاد الأدباء وضمن قياداته، وافتكاكهم كحالة طبيعية وتاريخية من شبابية الأدب ومن الجمعية الشبابية، ليكونوا ضمن المشهد الأدبي العام.

أدباء شباب صاروا في قمة الاتحاد

ومن تجليات ذلك أن رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الحالي، الشاعر د.مبارك سالمين، وكان آخر رئيس لجمعية الأدباء الشباب، وأمين عام الاتحاد الأسبق- كان الشاعر الراحل محمد حسين هيثم، وهما من قيادات الجمعية، وأن كلًّا من الراحلين ميفع عبدالرحمن وكمال الدين محمد وعبدالرحمن إبراهيم، ومن الشعراء شوقي شفيق ونجيب مقبل وجنيد محمد الجنيد الذي وصلوا إلى الأمانة العامة للاتحاد وتحملوا مسؤولية قيادة هيئة تحرير مجلة (الحكمة) لسان حال الاتحاد، كل هؤلاء كانوا من قيادات وأعضاء الجمعية الشبابية.

إذن فظاهرة الأدباء الشباب التي بزغت في الجنوب منذ أواسط السبعينيات حتى اضمحلالها في التسعينيات هي ظاهرة أصيلة في التكوين والمنهج، وأن (جمعية الأدباء الشباب) التي نشأت في تلك المرحلة كانت جسر عبور منطقي لهؤلاء الأدباء الذين صاروا فيما بعد جزءًا من المشهد الأدبي في الوطن (شماله وجنوبه)، ومن خلالها أكّدوا معدنهم الأدبي والإبداعي، وانتصروا لقضية الأدب والإبداع في مراحل تطورهم رغم التجاذبات السياسية الشمولية بين السلطات المتعاقبة.

لقد أثبتوا رهان أبدية الإبداع وتجاوزه الزمني على مرحلية السياسة المؤطرة لجغرافيتهم وزمنهم المكاني.

الاتحاد والجمعية.. من رغبة التصادم إلى منطقية الالتحام

المدى الزمني بين تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وقيام جمعية الأدباء الشباب متقارب، إذ سبق تأسيس الاتحاد قيام الجمعية بعامين تقريبًا، وهدف الاتحاد كان ليس توحيد الأدباء في كيان واحد فحسب، بل تعدّاه إلى رؤية سياسية لتوحيد الشطرين في كيان سياسي واحد.

بينما كان قيام الجمعية، سواء بمحاولات من الأدباء الشباب أو برغبة سياسية من التنظيم السياسي الحاكم إلى تبني هذه النخبة الشابة في إطار تنظيمي يتبناه ويرعاه ويكون أحد منظماته الثقافية الأهلية غير الرسمية -كاتحاد الفنانين ومنظمة الصحفيين وغيرهما- فأدرجه ضمن قوام اتحاد الشباب (أشيد)، وسواء افترضنا أن السلطة السياسية التقدمية أرادت من إنشاء الجمعية أن يكون أعضاؤها صوتها في قوام الواقع الأدبي والثقافي في الجنوب في مواجهة الأدباء الآباء التقليديين أو صوتها في قوام اتحاد الأدباء، إلا أن عمل ونشاط وحركية الجمعية وأعضاءها كان يدور في حقل مستقل إبداعيًّا وأدبيًّا.

كان الجاوي متأكدًا أن الفطرة الإبداعية لدى هؤلاء الشباب ستنتصر على أي محاولات تجييشهم سياسيًّا من قبل سلطة عدن كما كان يروج أصحاب الرؤية السياسية الضيقة لبعضٍ من قيادة الاتحاد.

لم يستطع الدعم المادي والمعنوي والرعاية السياسية من السلطة عبر أداتها التنظيمية (أشيد)، من أن يصنع من أعضاء الجمعية أدباء سلطة ألبتة، ساعدهم على ذلك الموقف غير السياسي - التنظيمي موقف أهم قادة التنظيم والحزب في عدم المساس باستقلالية المبدعين وتركهم لأهوائهم الإبداعية حيثما يرتعون.

كل ذلك أخمد جذوة محاولات تسيير الجمعية سياسيًّا تبعًا للسلطة.

الجاوي رائدًا للتوافق الأدبي

وهنالك بعد آخر، رائده الراحل الكبير عمر الجاوي، أمين عام اتحاد الأدباء التاريخي، في التعامل مع هؤلاء المبدعين الشباب الوافدين من الجنوب، حيث استطاع بعبقريته الإدارية وحنكته السياسية من الانفراد بموقف متقدم ومخالف للسائد في قيادة الاتحاد التي ترى في هؤلاء الشباب عنصرًا عدائيًّا في الموقف وفي المنهج، وكان يقود هذا التيار في الاتحاد الأدباءُ التقليديون من جهة والعناصر الأدبية المتسيسة المرتبطة بسلطة الشمال من جهة أخرى، إلا أن الجاوي راهن على موقف آخر وعقلاني، حيث غلّب الموقف الإبداعي الأدبي على المواقف السياسية لأعضاء في الاتحاد قاسوا هؤلاء الأدباء الشباب من زاوية نظر سياسية ضيقة عبرت عن مدى التجاذب السياسي بين سلطتي الشمال والجنوب بعيدًا عن أي زاوية نظر إبداعية في تقييم كينونتهم الأدبية، وفي إمكانية استقطابهم ودمجهم في بنية الاتحاد بسلاسة ودون أي حالة عدائية.

إن موقف عمر الجاوي وبعد نظره وسياسته التوافقية في إدارة الاتحاد جعلته يقفز على النقاش حول مشروعية أو عدم مشروعية قيام هذا الكيان الأدبي الشاب الذي رآه جمهرة ضيقة من أعضاء الاتحاد ككيان غير شرعي في ظل وجود الاتحاد الشامل والمعبر عن شريحة كل الأدباء، شمالًا وجنوبًا.

ورأى من وجهة نظر صحيحة أن هؤلاء الشباب مبدعون في الأصل ولهم إنتاجهم الإبداعي المنشور (المقروء والمسموع والمرئي)، ولا يصح معاداتهم أو إقصاؤهم أو التعامل معهم كعنصر مُعادٍ لكيان الاتحاد.

كان الجاوي متأكدًا أن الفطرة الإبداعية لدى هؤلاء الشباب ستنتصر على أي محاولات تجييشهم سياسيًّا من قبل سلطة عدن، كما كان يروج أصحاب الرؤية السياسية الضيقة لبعض من قيادة الاتحاد.

 تجاوز الجاوي وَهْم أن تكون الجمعية (الأدباء الشباب) قد أنشئت لتدمير كيان الاتحاد من خارجه أو من داخله، حيث لم يُظهر أي موقف عدائي لهؤلاء الشباب، بل على العكس من ذلك هو من وافق على مشروعية انتمائهم المشترك للجمعية والاتحاد في آن واحد، وراهن على حضورهم التاريخي في الاتحاد.

قبل الجاوي عضوية أعضاء الجمعية من الأدباء الشباب في عضوية الاتحاد، ولم يمنع عنهم ماء الممارسة والاشتغال في هيئاته، كما لم يمنع عنهم هواء النشاط الإبداعي والكتابة في مجلة الاتحاد. 

بهذه المنهجية الإدارية السمحة التي غلبت الروح الثقافية الإبداعية على التجاذبات السياسية التي طرأت في صراع السلطتين الشطريتين، احتضن الجاوي الأدباء الشباب، رغم عضويتهم في كيان أدبي يقال عنه -زورًا- أنه تابع لسلطة شطرية، لكنه اقتنص -بعبقريته التوافقية- ما رآه جليًّا:

- أن هؤلاء الأدباء الشباب لن يكونوا إلا شباب اتحاد الأدباء.

استطاع الجاوي، ومعه ثلة من الخيّرين في الاتحاد من الأدباء التنويريين، من تجاوز اللغط الشطري السياسي في موضوع أدبي، وأن ينقذ الاتحاد من أي تجاذب واصطراع سياسيين، لا مكان له في الاتحاد التوافقي.

وقد نجحت رؤية الجاوي وبعد نظره في التعامل مع الأدباء الشباب في (شطر اليمن الديمقراطية) وعدم الانجرار في تسييس الأدب والأدباء إلا من حيث كونه فكرة وموقفًا من الأديب ذاته.

استطاع الجاوي أن يجعل من قضية الأدباء الشباب في الشطر الجنوبي، من رغبة في تأجيج الصراع الشطري داخل الاتحاد، إلى إمكانية دمجهم في كيان الاتحاد بسلاسة وشفافية دون أي فوبيا مفتعلة من زعم وافتراء قدوم (الشيوعيين) الشباب إلى قلب الاتحاد، كما روج بعض الأدباء المتسيس من أدباء السلطة.

انتهت قضية الأدباء الشباب في أروقة الاتحاد من ورقة شطرية ضيقة إلى انتصار للأدب والأدباء، والإيمان بأن الأديب الحقيقي والعضوي هو من ينتصر لما يؤمن، إبداعيًّا وحياتيًّا، ولا يركن إلى تصنيفات دوغمائية تلوي الحقائق وتقلب الظواهر، ومنها ظاهرة الأدباء الشباب التي حقق أبناؤها ويحققون انتماءَهم وانتصارهم لما يكتبون ويُبدعون في المشهد الثقافي والأدبي.

أولئك الأدباء الشباب اليومَ، هم أدباء اليوم الكبار، يُبدعون من دون أي تصنيفات مسيسة أو من لعنات ماضٍ جارحة رافقتهم في مسيرتهم الإبداعية. وكان ذلك انتصارًا حتميًّا للإبداعي على السياسي!

‍