يعيش العالم على وقع ما يمكن اعتباره صدمة في عالم التقنيات الحديثة، آخرها ما يعرف باسم "الذكاء الاصطناعي"، الذي لا يتوقف عن الإدهاش كونه صورة في التكنولوجيا، بل صار حالة خيالية مرعبة بعد ما أصبح كثيرون يلمسونها بطريقة أو بأخرى في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية.
في اليمن، بدأ هذا المشهد التقني المتطور يأخذ دوره تدريجيًّا في الاهتمام بشكل متصاعد، وأخذ الجانب الصحفي والإعلامي الحيز الأكبر في المراحل الأولى والأهم من الاهتمامات، حيث يتراوح الأمر بين الحيرة والأسئلة التي تبحث عن إجابة، والتطلع إلى معرفة المزيد والاستفادة من التقنيات المتاحة.
في حين برزت الصورة لتستحوذ على الجزء الأكبر من هذا الاهتمام مؤخرًا، عقب رواج إحدى الصور المنتجة عبر الذكاء الاصطناعي لشاب يمسك في مشهد راقص، بيد فتاة، رآه الكثيرون -خصوصًا ممن ينتمون إلى نفس المرحلة العمرية- تعبيرًا عن مكنونهم؛ في الحاجة إلى الحب، والرغبة التي تكنزها صدورهم في رسم مثل هذا المشهد العاطفي الذي نقله عنهم الذكاء الاصطناعي. وتوالت بعد ذلك صورٌ أخرى تجسّد هذا المشهد، بتعابير وتفاصيل ولوحات متعددة في نفس السياق.
الذكاء سلاح ذو حدين
هكذا تصاعد الجدل في اليمن خلال الأيام الماضية، حول استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الصور، حيث انتشرت صورٌ مثيرة للدهشة والإعجاب، لكنها أثارت أيضًا العديد من التساؤلات والانتقادات. هذه الصور، التي تم إنشاؤها بواسطة خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة، أصبحت محور نقاش واسع بين اليمنيين، خاصة مع غياب الوعي الكامل حول ماهية هذه التقنية وآثارها المحتملة.
الذكاء الاصطناعي لن يلغي أبدًا الصحافة البشرية، بل سيساعد الصحفيين على أداء المهام الروتينية بشكل أكثر كفاءة، ممّا يسمح لهم بالتفرغ للمهام الأكثر أهمية، مثل البحث عن القصص وكتابتها وتقديمها للجمهور بطريقة جذابة. كما أنّ الذكاء الاصطناعي في الصحافة يعدّ أداة قوية يمكن أن تعزز كفاءة الصحفيين، لكن لا ينبغي الاعتماد عليه بشكل كامل، حيث لا يمكن أن يحل محل التفكير البشري والعقلية الصحفية.
الكثيرون يرون في هذه الصور إبداعًا فنيًّا جديدًا، يحمل إمكانيات غير محدودة، في حين يخشى آخرون من استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل والتلاعب بالمعلومات. وقد أعرب بعضهم عن قلقهم من أن هذه التقنية قد تُستخدم لنشر الأخبار الزائفة أو الصور المزيفة التي قد تؤدّي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد.
يقول وليد التميمي، خبير الذكاء الاصطناعي، لـ"خيوط": "إن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت منتشرة في المجالات الحياتية منذ منتصف القرن الماضي. وقد وصلت مؤخرًا إلى علم الآثار، حيث ساعد ثلاثة شبان، بينهم شاب مصري، في فك رموز مخطوطة عمرها ألفَا عام باستخدام الذكاء الاصطناعي".
لكنه في الوقت نفسه، يشدّد على أنّ الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، حيث يمكن استخدامه لأغراض إيجابية، مثل التوعية والإبداع والتعلم، أو لأغراض سلبية، مثل الابتزاز والتدخل في الخصوصية وتزييف المعلومات.
أداة ثورية في الصحافة الحديثة
في عصر المعلومات والتقنيات الحديثة، أصبح الصحفيون يعتمدون بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملهم، من خلال أتمتة المهام الروتينية وتحليل كميات هائلة من البيانات، حيث يمكّن الذكاء الاصطناعي الصحفيين من التركيز على الجوانب الأكثر تعقيدًا وإبداعًا لعملهم.
يعدّ الذكاء الاصطناعي أداةً ثورية، وسيقود التحول في الصحافة الحديثة، من خلال أتمتة المهام الروتينية وتحليل البيانات الضخمة، وسيمكّن الصحفيين من التركيز على الجوانب الأكثر أهمية في عملهم. ومع ذلك، من المهم استخدام هذه التقنية بشكل مسؤول وأخلاقي لضمان دقة الصحافة والحفاظ على ثقة الجمهور.
يرى الصحفي بسام غبر، والمدرب في المجال الصحفي والإعلامي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ تقنيات الذكاء الاصطناعي رغم أهميتها لا يمكن أن تحل محل الصحفيين أو تعفيهم من التفكير النقدي والعقلية الصحفية، مؤكدًا أنّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر للصحفيين بعض المزايا والجهد، ولكن يجب استخدام هذه الأدوات مع العقل البشري، وليس بدلًا منه.
فضلًا عن أنّ الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة البيانات الهائلة وتحليلها، لكن هذه المعلومات يجب أن تتم فلترتها ومراجعتها من الصحفيين؛ للتأكد من دقتها وموضوعيتها.
التحيزات المحتملة للخوارزميات
كما يحذّر غبر من التحيزات المحتملة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي قد تؤدي إلى عرض محتوى غير دقيق أو مُضلل. ومن ثم، يجب على الصحفيين تطوير مهارات التفكير النقدي ومحو الأمية في مجال البيانات للتعامل مع مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال.
ويضيف غبر أنّ الذكاء الاصطناعي لن يلغي أبدًا الصحافة البشرية، بل سيساعد الصحفيين على أداء المهام الروتينية بشكل أكثر كفاءة، ممّا يسمح لهم بالتفرغ للمهام الأكثر أهمية، مثل البحث عن القصص وكتابتها وتقديمها للجمهور بطريقة جذابة.
إجمالًا، يرى غبر أنّ الذكاء الاصطناعي في الصحافة يعدّ أداة قوية يمكن أن تعزز كفاءة الصحفيين، لكن لا ينبغي الاعتماد عليه بشكل كامل، حيث لا يمكن أن يحل محل التفكير البشري والعقلية الصحفية.
لا شكّ أنّ الذكاء الاصطناعي أداة قوية لها تأثير كبير على العديد من المجالات، بما في ذلك الصحافة. ومع ذلك، فمن المهم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي لضمان دقة المعلومات وحماية خصوصية الأفراد. وفي حين أنّ الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحفيين تمامًا، فإنه يمكن أن يعزز عملهم ويساعدهم على التركيز على المهام الأكثر أهمية.
تحذيرات من أهم الأدوات التقنية
بحسب الصحفي والمصور طه صالح، الذي تحدث لـ"خيوط"، فإن الذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانات هائلة لتعزيز كفاءة الصحفيين. فهو يوفر المعلومات بسرعة وسهولة، ويساعد على تحرير وتصحيح اللغة، ويدعم الصحفيين المصورين.
مع ذلك، فإنّ صالح شدّد على ضرورة أن يتوخى الصحفيون الحذر من الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي؛ مثل تسهيل التزوير وانتهاك الحقوق الفكرية، مشيرًا إلى أنّ استخدامات الذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة نسبيًّا، لكنه يتوقع أن تتطور بشكل كبير في السنوات القادمة، في حين يؤكد أنّ الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحفيين، بل سيكمل دورهم.
لتجنب هذه التداعيات، ينصح التميمي المهنيين بتطوير مهاراتهم في الذكاء الاصطناعي من خلال الدورات التدريبية والقراءة والمتابعة المستمرة. ويؤكد أهمية التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي ذات الصلة بتخصصاتهم، وأن يكونوا مستعدين لتولي أدوار جديدة في بيئة العمل التي يتغير فيها الذكاء الاصطناعي.
يضيف صالح أنّ الصحفيين لديهم مسؤولية مواكبة التطورات في الذكاء الاصطناعي والتكيف معها. ويجب عليهم توسيع مداركهم حول هذه التقنية للاستفادة من مزاياها دون الوقوع في أي آثار ضارة، لافتًا إلى وجود مخاوف أخلاقية بشأن الذكاء الاصطناعي، لكنه شدّد على أن هذه المخاوف لا ينبغي أن تمنع الصحفيين من تبني هذه التقنية، فمن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، يمكن للصحفيين تحسين عملهم دقةً وتأثيرًا.
تظل الحيرة ترافق هذه التقنية
من ناحية أخرى، هناك سؤال يثار حول اهتمام اليمنيين بتطبيقات الذكاء الاصطناعي: هل ينحصر هذا الاهتمام في الجانب الفني فقط؟ يبدو أنّ الإجابة تتجه نحو "نعم" إلى حد كبير. يأتي ذلك بالرغم من الإمكانات الواسعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، مثل: التعليم، والصحة، والاقتصاد، لكن التركيز الحالي في اليمن، يبدو أنّه موجّه نحو استخداماته في الفنون والتصميم، وخاصة في إنتاج الصور والفيديوهات.
قد يكون هذا التوجه نتيجة عوامل عدة، منها نقص الوعي بأبعاد هذه التقنية، وضعف البنية التحتية الرقمية في اليمن، التي تجعل من الصعب استكشاف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى أكثر تعقيدًا. إضافة إلى أنّ التحديات الاقتصادية والسياسية قد تدفع الكثيرين إلى التركيز على التطبيقات الأكثر بروزًا وسهولة في الاستخدام.
ويحذّر التميمي من أنّ الذكاء الاصطناعي قد يؤدّي إلى خسارة 300 مليون وظيفة في المستقبل، حيث أصبحت تؤثر على مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الصحافة والهندسة والطب والقانون والفنون.
ولتجنب هذه التداعيات، ينصح التميمي المهنيين بتطوير مهاراتهم في الذكاء الاصطناعي من خلال الدورات التدريبية والقراءة والمتابعة المستمرة. ويؤكد أهميةَ التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي ذات الصلة بتخصصاتهم، وأن يكونوا مستعدين لتولي أدوار جديدة في بيئة العمل التي يتغير فيها الذكاء الاصطناعي.
وفي ضوء هذه المخاطر، ظهرت مبادرات دولية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، والحدّ من تطبيقاته الضارة. فقد منعت الولايات المتحدة مؤخرًا، استخدام خاصية توليد الصوت بالذكاء الاصطناعي؛ بسبب إساءة استخدامها.
في الختام، يُظهر النقاش الدائر حول الذكاء الاصطناعي في اليمن، أنّ هناك اهتمامًا ملحوظًا بهذه التقنية، لكنه يظل محصورًا في نطاقات محددة. ومع زيادة الوعي وتطوير البنية التحتية، قد نشهد توسيعًا في استخدامات الذكاء الاصطناعي، ليشمل مجالات أخرى تسهم في تطوير المجتمع اليمني بشكل أكبر.