أكد نخبة من صناع الدراما اليمنية من فنانين وكتّاب قصة ونقاد ومنتجين وإعلاميين، في الندوة الإلكترونية التي نظمتها منصة "خيوط" حول "صناعة الدراما اليمنية في واقعها الراهن، وطموحاتها المستقبلية"؛ على أهمية المراجعة المهنية لأي عمل فني درامي يمني وربطه بسياقة والابتعاد عن النظرة الدونية ونقد العمل نفسه وليس ما يحيط به.
أبرز المتحدثون مجموعة من التحديات والصعوبات التي تواجهها صناعة الدراما في اليمن، كالعشوائية في الأعمال، وفقر النصوص والقصور في كتابة السيناريو، إضافة إلى تحديات الإنتاج وصعوبته واشتراطاته.
وطالبوا بأهمية معالجة أزمة النص الدرامي وتوسع المنتجين وكسر احتكار الإنتاج وتكامل العملية الفنية الدرامية وتحولها إلى صناعة، والتركيز على مضمون الأعمال المقدمة بدلًا من الكم والعدد المنتج.
في الندوة التي أدارها الصحفي بسام غبر، تحدث في مفتتحها علي جميل من منصة خيوط، والذي أكد حرص المنصة مع تزايد الإنتاج الدرامي على المواكبة من قبل وسائل الإعلام في إطار من التكامل المشترك بينهما بما يؤدي إلى رفده بالملاحظات والاقتراحات بهدف إنتاج متخصص ومحترف.
كما أشاد مشاركون في الندوة بأهمية هذه الخطوة التي أقدمت عليها منصة "خيوط" التي تحرص أن تكون مرجعًا للباحثين والمهتمين.
وتعتبر "خيوط" المنصة الصحفية الإلكترونية الأولى في اليمن، وتقدّم محتوى إعلاميًّا ومعرفيًّا عن اليمن في سياقه المحلي، وارتباطاته في السياق الإقليمي والدولي، في إطار انحيازها للناس وتناول قضاياهم ومعاناتهم اليومية، حيث تعمل على توثيق حياة اليمنيين، وأن تكون منبرًا لمن فقد منبره في الحرب.
أزمة نصوص
رغم الإجماع على أن الدراما اليمنية ما تزال دون المستوى، لم يمتنع البعض من الإشارة إلى وجود تطور ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مثل التحسُّن في الإنتاج، والتصوير المتحرك، في حين ما يزال أداء الممثلين بسيطًا وتقليديًّا، وإن كان هذا الأمر يعود لدور المخرج ولا يقتصر على الممثل وحده، وفقًا لدارس قائد.
تتعدد صعوبات وتحديات وأوجاع الدراما اليمنية، ما بين شروط المنتجين اللامتناهية وتدخلاتهم غير المنطقية، وعدم توفر السلسلة الكاملة للطاقم الفني، والأهم غياب الإيمان بالفكرة وجعل المشاهِد مرتبطًا ومتأثرًا بها.
كاتب السيناريو والمخرج محمد الحبيشي تحدث في الندوة، عن محور مهم ومفصلي في صناعة الدراما، يتمثل بالقصة والسيناريو، والذي قام بتشخيصه من خلال تحديد وجهين للقضية؛ يرتبط الأول بالكاتب نفسه، فيما يربط الثاني بالبيئة المحيطة بالكاتب.
بحسب الحبيشي، فإن هناك إنتاجًأ دراميًّا كثيفًا خلال السنوات الأخيرة في اليمن، وهو بالمجمل ظاهرة صحية. لكنها في نفس الوقت قد تأتي على حساب الكيف والمضمون. وأضاف أن هناك نوعًا من الاستسهال في الأعمال الدرامية خلال السنوات الماضية.
في سبيل العمل على تطوير الدراما اليمنية، يتطلب الأمر الارتقاء بمحتوى النص الدرامي الذي يبدأ من معرفة الكاتب وإلمامه بالموضوع الذي يكتبه لكي يستطيع التأثير في المتلقي والمشاهد بشكل عام.
ويرى الحبيشي أن هناك قصورًا في كتابة السيناريو في الدراما اليمنية والذي يعتبر شكلًا من الفنون وتتفرع منه عدة عمليات أهمها البناء الدرامي، وبناء خط الأحداث الذي يقود إلى الحل، وهو ما يتم إهماله من وجهة نظر الحبيشي، في الكثير من الأعمال الدرامية اليمنية، لينتهي العمل بشخصيات مسطحة ومملة.
يتطرق الحبيشي في البعد الثاني من المشكلة المتعلق بالبيئة المحيطة بالكاتب، إلى ما يطلق عليه "أوجاع الكاتب" والذي قال إنه يشعر بها وعانى منها، وشاركه في ذلك مختلف المتحدثين في الندوة.
تتمثل هذه الأوجاع بالأسلاك الشائكة التي تحيط ببيئة الكاتب وصناع الدراما، والتي يرجعه كثيرون من العاملين في هذا المجال لعدم الاستقرار في اليمن، وعدم القدرة على التعبير عن القضايا الحقيقية التي يعاني منها المجتمع اليمني.
الهروب من الواقع
أصبحت شركات الإنتاج تطلب أعمالًا بمواصفات خاصة، إضافة إلى إنتاج أعمال تهرب من الواقع، كما أن هناك كوميديا صرفة لا ترتبط بالقضية الحقيقية التي يجب تناولها.
تشدد الفنانة سالي حمادة على أن النصوص هي أساس الأعمال الدرامية، فيما يمثل السيناريو تحديًا كبيرًا للممثلين؛ إذ يتم اهمال البعد النفسي للشخصية، وفكرة المحتوى الدرامي، وعدم تشريح الشخصيات بشكل فني احترافي.
تشير حمادة إلى أن هناك ما يشبه حالة الركود في الأحداث وتكرارها في البلاد والتي تنعكس على الكاتب في شكل من التبلد، إضافة إلى رغبات المنتجين، وغياب الفكرة، وتحدي تأثير السياسة على الأعمال الدرامية، عدا عن العشوائية في الأعمال وعدم التحضير الجيد للنص.
تطرقت حمادة إلى فقر النصوص وعدم شموليتها، وعدم وجود رؤية واضحة للنص والاعتماد على الممثل بنسبة كبيرة، إضافة إلى عدم وجود مخرجين كلاسيكيين متجددين ومتمكنين من عملهم والتوزيع المناسب لعناصر العمل الفني.
تتعدد صعوبات وتحديات وأوجاع الدراما اليمنية، ما بين شروط المنتجين اللامتناهية وتدخلاتهم غير المنطقية، وعدم توفر السلسلة الكاملة للطاقم الفني، والأهم غياب الإيمان بالفكرة وجعل المشاهِد مرتبطًا ومتأثرًا بها.
ترى سالي حمادة أن الدراما عبارة عن فنون يجب التعامل معها بحساسية عالية، لذا فإن إنتاج عمل واحد نوعي ومميز أفضل من إنتاج عشرة غير جيدة.
من ناحيته، يؤكد المخرج هاشم الهاشم أن تشخيص أوجاع ومعاناة الدراما اليمنية تحتاج لندوات عديدة في ظل قصور في الوعي وعدم استيعاب أن الدراما أصبحت عبارة عن صناعة، لافتًا إلى ضرورة أن يكون العمل الدرامي الذي يتم تقديمه عبارة عن مرآة لبلد بأكمله.
يشرح هاشم أن هناك نقلة وتطورًا من ناحية الصورة لكنها لا تزال هزيلة وتحتاج للاهتمام بها وبالنص وبالسيناريو؛ لأن الإخراج الفني يستند بشكل رئيسي عليها، الأمر الذي جعل كثير من المخرجين ليصبحوا كتّابَ نصوص درامية لكي يتعايشوا مع النص والشخصيات.
الحياد المهني
يرى كثير من العاملين في صناعة الدراما اليمنية أن إيصال الفكرة والقصة نقطة مهمة في الفنون الحديثة، إضافة إلى أزمة في النقد الفني وتعامل الإعلام والصحافة مع مثل هذا الجانب من الأعمال الفنية.
تحدثت الناقدة الفنية هدى جعفر في هذا الخصوص، عن نقص في الحركة النقدية وشحّ في النقاد وغياب الناقد الحقيقي لتقديم إضاءة يستفيد منها صناع الدراما، فالناقد يجب أن يكون حياديًّا ومهنيًّا.
تطرقت جعفر إلى الفيلم اليمني "عشرة أيام قبل الزفة" ومقارنته بالأعمال السينمائية الإيرانية، وترى أنها مقارنة غير منطقية لوجود فوارق شاسعة وليست مقارنة عادلة، لذا فإن مراجعة أي عمل يمني يتطلب ربطه بسياقه.
تؤكد جعفر أن الأعمال الدرامية في جميع أنحاء العالم محط انتقاد وفيها أخطاء، وهو ما يجب تفهّمه فيما يخص الدراما اليمنية والابتعاد عن النظرة الدونية في التعامل معها. كما يجب الابتعاد عن المبالغة في المراجعة ونقد العمل الفني وليس ما يحيط به.
فيما يرى الصحفي والإعلامي نشوان العثماني أن الإعلام يفتقد للموضوعية في تقييم الدراما اليمنية وتقديم طرح يمكن البناء عليه. وينتقد موسمية الأعمال الدرامية؛ لأن الدراما بشكل عام انعكاس لتفاعلات المجتمع، إلى جانب غياب دور الفنان المثقف ليكتمل عامل الإبداع لديه.
يلفت العثماني إلى نقطة مهمة في هذا الجانب المتمثلة في ضرورة تجاوز الوسط الصحفي والإعلامي عن لعب دور الشامت، وتقديم طرح مهني وموضوعي.
يعتقد العثماني أن هناك حيّزًا يمكن البناء عليه من خلال التركيز على الفرص المتاحة المشتركة، وتقديم رسالة مهنية هادفة في الطرح، وإعطاء الإضاءة المناسبة على المحتوى الفني، إذ إن المهمة الرئيسية تتمثل في تسليط الضوء على اللوحة التي تشرق في زاوية وتخفت في زوايا أخرى.