أكد صحفيون وإعلاميون، تحدثوا في الندوة الإلكترونية التي نظمتها منصة "خيوط" بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو/ أيار، أن الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات تسببت في تضييق العمل الصحفي في البلاد، وفي سلسلة واسعة من الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون الذين يتم التعامل معهم، منذ بَدء الصراع، كمقاتلين من قبل أطراف الحرب.
وطالبوا بضرورة وقف هذه الانتهاكات بحق الصحافة اليمنية واستهداف الصحفيين مع إطالة أمد الحرب والصراع الدائر وعدم وجود أي أفق لإحلال السلام، وبالتالي استمرار الانتهاكات التي أصبحت تطال الجميع في اليمن.
وفي الندوة التي أدارتها الصحافية وداد البدوي، تحدث إياد دماج رئيس منصة "خيوط"، بالتأكيد على أن حرية التعبير خط دفاع أول عن الناس، وعلى الناس الدفاع عن خط دفاعهم، مشيرًا إلى أن الحرب استهدفت حرية التعبير والصحافة في اليمن، والذي يأتي يومها العالمي في ظل أوضاع مأساوية تعيشها البلاد وتقويض للفكر العام.
وقدم دماج نبذة موجزة عن منصة "خيوط"، التي أكد انحيازها للناس وتناول قضاياهم ومعاناتهم اليومية، وتعمل على توثيق حياة اليمنيين، وأن تكون منبرًا لمن فقد منبره في الحرب.
كما أشادت الصحفية وداد البدوي مسيرة الندوة، بمنصة "خيوط"، والتي أصبحت -وفق حديثها- مصدرًا ومرجعًا مهمًّا للجميع ومنصة مستقلة للباحثين عن الحقيقة.
في نفس السياق، واكبت منصة "خيوط"، اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو/ أيار بملف تناول بشكل مكثف ومركز ما تعاني منه الصحافة والصحفيين اليمنيين في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، إذ تم رصد معاناة الصحفيين في معتقلات الاحتجاز ومعاناة أسرهم وذويهم، وكيف يتخطف الموت والأمراض فئة من الصحفيين والإعلاميين من المنتسبين للصحافة الرسمية، وكذا معاناة الصحفيين في الصحافة المستقلة، إضافة إلى ما تعرضت له الصحافة الأهلية بسبب الحرب من ارهاصات واستقطاب سياسي.
واقع صحافي خطير
بالنظر إلى الواقع الذي فرضته الحرب من استهداف للصحافة وقمع الصحفيين والاستقطابات الواسعة التي أدت إلى حرف بوصلة الأداء المهني كما كشف عن ذلك تحقيق خاص أعدته "خيوط" لمواكبة اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو/ أيار ، تشكل واقعٌ جديد كان بمثابة تحدٍّ قاسٍ للصحفيين والعاملين بمجال الإعلام، نظرًا للقيود والمخاطر التي كبَّلت العمل الصحفي في مناطق سيطرة أطراف الصراع، وهو ما حاولت الندوة التي نظمتها "خيوط"، تشخيصه وتحليله واستنتاج تبعاته المؤثرة على حرية التعبير ومصداقية المعلومات وصعوبة نقل الحقيقة، في ظل واقع يسوده الشائعات والتحريض والفتن.
بحسب متحدثين في الندوة، لا يجد الصحفي اليمني من يحميه بالنظر لما تواجه "الصحافة الاستقصائية والعمل الصحفي بشكل عام" من تحديات ومخاطر أمنية، وصعوبة التنقل والحصول على المعلومات وانخفاض هامش الحرية
في الندوة تحدث نقيب الصحفيين اليمنيين السابق عبدالباري طاهر، بالقول إن البلد تعيش حالة حرب، والصحفيون شهود على الجرائم المرتكبة بسببها، لكن يتم التعامل مع الصحفيين في ظل الحرب كمقاتلين، والذي كان له دور في توسيع الانتهاكات والتضييق تجاه الصحفيين.
وتطرق إلى ما كانت تعيشه الصحافة اليمنية قبل ثورة الربيع العربي من تضييق الهامش وحالة انتهاكات شاملة في حرية التعبير وسلامة الصحفيين، والتي كانت تعم جميع المناطق اليمنية شمالًا وجنوبًا.
وأضاف طاهر أن وقف الانتهاكات بحق الصحافة والصحفيين يتوقف على إيقاف الحرب، فالصحفي، وفق حديثه، "لا يدافع عن حياته بل عن حرية الحقيقة؛ لذا يجب أن يكون هناك تضامن مع هذه الفئة المستهدفة.
بينما أكد الأكاديمي والصحفي عبده الأكوع، وهو مدرس بقسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام في جامعة صنعاء، أن واقع العمل الصحفي في اليمن أصبح انعكاسًا للصراع القائم في البلاد، إذ اتسمت التغطيات الصحفية خلال سنوات الحرب بتأجيج الصراع، والذي تجسد في الكم الهائل في الاتهامات المتبادلة والتخوين، وهو ما أثر على مستوى الخطاب الصحفي في اليمن، لافتًا إلى أن هناك تجاوزًا كبيرًا بسبب الحرب والصراع القائم على أخلاقيات المهنة ونقل الحقيقة.
انخفاض مستوى الحماية وهامش الحرية
لا يوجد استيعاب للصحافة الاستقصائية وأهميتها في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها اليمن، وهي مسؤولية ملقاة على الصحفي الاستقصائي، لكي يلعب دورًا فاعلًا في هذا الوضع الذي تمر به البلاد.
لكن الصحفي اليمني، بحسب متحدثين في الندوة، لا يجد من يحميه بالنظر لما تواجه "الصحافة الاستقصائية والعمل الصحفي بشكل عام" من تحديات ومخاطر أمنية، وصعوبة التنقل والحصول على المعلومات وانخفاض هامش الحرية.
وتناول أحمد الواسعي، المدير التنفيذي للشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية "يمان" في محور "التحقيقات الاستقصائية في الصحافة اليمنية" ما تواجهه من تحديات وعراقيل وانتهاكات بشكل شبه يومي لحقوق الإنسان في اليمن، والذي يضاعف دور الصحفي في رصد هذه الانتهاكات.
واعتبر أن الصحافة الاستقصائية في الصحافة اليمنية هي الشاهد الأصدق على كل ما يمارس من انتهاكات وتجاوزات في زمن الحرب من قبل الأطراف والكيانات، ويومًا ما -والحديث للواسعي- "ستكون المواد الاستقصائية مرجعية لمحاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في اليمن".
ودعا الواسعي المؤسسات الإعلامية اليمنية إلى تحمل مسؤولية كبيرة في قضية دعم وتبني "صحافة الاستقصاء"؛ لأن هذا النوع من الصحافة يعد من أبرز مهام وسائل ومنصات النشر، وخصوصًا في زمن الحرب. كما دعا الصحفيين اليمنيين أن يستفيدوا من كل الفرص التدريبية والتمويلية، التي تقدمها المؤسسات الدولية في هذا المجال وهي كثيرة، فهذا الأمر كما قال سيساعدهم على صناعة تغيير حقيقي في دور الصحافة اليمنية.
وفي مداخلته قال الصحفي اليمني ريان الشيباني، إن اندماج المعارضة في السلطة خلال المرحلة الانتقالية أضعف من دور الصحافة الحزبية. لكن أخطر ما حدث في مسألة الصحافة اليمنية -حسب الشيباني- هو اندثار التراتبية الوظيفية لمساءلة الصحافة، إلى جانب -كما قال- أن تغول جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السلطة أدى إلى اندثار الصحافة بمعناها المستقل بشكل كامل.
من جانبه تحدث أسامة الفقيه - مدير الإعلام والاتصال والمناصرة في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، عن الانتهاكات التي طالت الصحافة والصحفيين منذ بَدء النزاع المسلح في سبتمبر/ أيلول 2014 مع دخول جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيين) صنعاء بقوة السلاح، إذ تعرضت الصحافة والصحفيون والإعلاميون -وفق ما قال الفقيه- إلى هجمات عنيفة، لا سيما من قبل أنصار الله (الحوثيين). ومع تفاقم النزاع المسلح بدخول التحالف بقيادة السعودية والإمارات في مارس/ آذار 2015 -كما أكد أسامة- استمرت الانتهاكات بحق الصحفيين وتنوعت الأطراف المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
وقال، لا يزال أربعة صحفيين، وهم: عبدالخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وحارث حميد، وأكرم الوليدي محتجزين لدى سلطات صنعاء، وقد حكم عليهم بالإعدام من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء في محاكمة جائرة بتهم تتعلق بعملهم الصحفي. فيما لا يزال الصحفي وحيد الصوفي مختفيًا قسريًّا منذ أن تعرض للاعتقال من قبل سلطة أنصار الله (الحوثيين) في العام 2015.
الإعلام الإذاعي والإلكتروني
أفردت الندوة محورًا للحديث عن واقع الإذاعة اليمنية في ظل الحرب، والتي يطغى عليها الترويج وإعلانات الشركات التجارية والمنظمات، وازداد مؤخرًا افتتاح إذاعات، وإن كانت بإمكانيات بسيطة لا تضاهي المستوى المتقدّم الذي وصلت إليه إذاعات مماثلة في البلدان العربية والعالم، في ظل واقع يفرض عديدًا من التساؤلات عن المحتوى الذي تقدمه هذه الإذاعات المنتشرة والصعوبات والتحديات التي تواجهها.
الصحفي علي الموشكي رئيس مجلس إدارة راديو "يمن تايمز"، تحدث في هذه الجزئية، بالتشديد على أن العمل الإذاعي يواجه العديد من المخاطر الأمنية؛ لذا حاولت كثير من الإذاعات الابتعاد بقدر الإمكان عن تناول القضايا الحساسة.
وحسب الموشكي، "يمكن أن يكون هناك دور فاعل للإذاعات في أوقات الحرب لانتشارها وقدرتها إلى أكبر عدد من المتلقين. لكن في ظل الوضع الراهن، كما قال، "لجأت كثير من الإذاعات إلى الجانب التجاري وتقديم محتوى ترفيهي، للمحافظة على استمراريتها وتجنب تبعات الحرب.
في المقابل، شهدت الصحافة الرقمية خلال سنوات الصراع الماضية، طفرة غير عادية في عدد المواقع الإخبارية التي أصبحت بديلًا جذّابًا ومتحررًا من القيود التي خنقت الصحافة المطبوعة تحت سوط الرقيب السياسي، لكن رغم وجود ذلك الهامش أخذت صحافة المواقع الإخبارية شكلًا فوضويًّا في التعاطي مع الأحداث، بمقتضى الميل السياسي للطرف الذي تتحيز إلى جانبه.
الصحفي عمار الأشول تطرق إلى عديد التحديات التي تواجهها الصحافة الإلكترونية، منها بطء الإنترنت وعدم القدرة على الوصول إليه، خاصة مع تصاعد أزمة المحروقات التي تشغل معظم أبراج الاتصالات، فضلًا عن قصف قوى "التحالف العربي" لعدد من الأبراج، ما جعلها خارج الخدمة.
إضافة إلى صعوبة تمويل الصحافة الإلكترونية، حيث طغى الاحتكار الرسمي، سواء التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا أو لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، فضلًا عن حظر أغلب المواقع الإخبارية التي تتعارض مع سياستها، سواء التي تصدر من الداخل أو تلك التي من الخارج.
وأشار الأشول إلى ما أفرزه الواقع الجديد للحرب من سياسيين وعسكريين، عملوا على تكميم الأفواه التي تفضح انتهاكاتهم وفسادهم، وهو ما أدى إلى تعرض عدد من الصحفيين للقتل والاعتقال والاعتداء، وأجبر آخرين على الهجرة خارج الوطن، أو الدخول في دوامة الصمت والرقابة الذاتية، باستثناء الذين انحازوا في مواقفهم مع إحدى القوى المتصارعة.