أمية متفشية في أوساط الشباب!

تضخم أعداد المتواجدين خارج نظام التعليم وسوق العمل
محمد راجح
September 8, 2024

أمية متفشية في أوساط الشباب!

تضخم أعداد المتواجدين خارج نظام التعليم وسوق العمل
محمد راجح
September 8, 2024
.

لا تتوقف معاناة اليمن من الأمية عند حدود التفشي والانتشار المزمن لها، بل من صعوبة مواجهتها وتقليصها، حيث أضافت الحرب والصراع في البلاد المزيدَ من التبعات التي تسببت بحدوث انتكاسة في الجهود والبرامج الخاصة بمكافحتها، خصوصًا في أوساط الأطفال وكبار السن.

لكنّ هناك تفشيًا خطيرًا لهذه المشكلة، كما ترصدها "خيوط"، من خلال انتشارها في أهم فئة ترتبط بالمجتمع وسوق العمل، بل ومستقبل التنمية في البلاد، المتمثلة بفئة الشباب في مرحلة تجاوز فيها العالم أمية القراءة والكتابة منذ عقود طويلة، وأصبح يكافح أمية التكنولوجيا والمهارات، وصولًا إلى ما يتصدر الاهتمامات مؤخرًا، المعروف باسم "الذكاء الاصطناعي".

ويحيي العالم في 8 سبتمبر من كل عام اليوم العالمي لمحو الأمية، الذي يتمحور، هذا العام 2024، حول موضوع "تعزيز التعليم المتعدد اللغات: محو الأمية من أجل التفاهم المتبادل والسلام"، إذ تعتبر منظمات أممية أن القدرة على القراءة والكتابة حق أساسي من حقوق الإنسان للجميع، وهي تُتيح الفرصة أمام إعمال حقوق الإنسان الأخرى، والتنعم بحريات أكبر، والانخراط بالمواطنة العالمية.

وترتكز الشعوب على محو الأمية لإثراء معارفها واكتساب مهارات أوسع نطاقًا وقيمًا أعظم أثرًا ومواقف وسلوكيات أعم وأشمل من أجل ترسيخ ثقافة سلام دائم يسودها احترام المساواة وعدم التمييز، وسيادة القانون والتضامن والعدالة والتنوع والتسامح، فضلًا عن تكوين علاقات قوامها الوئام مع النفس ومع الآخرين ومع الكوكب.

تفكك المشغل الرئيسي 

تقدر فئة الشباب واليافعين في اليمن، كما تبين الإسقاطات السكانية، بحوالي 32% من إجمالي السكان، الأمر الذي يزيد من أهمية احتياجاتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، حتى يمكن الاستفادة من قدراتها وجعلها أداة أساسية للتنمية في المستقبل.

وتزداد تلك الأهمية مستقبلًا عند إضافة الفئات العمرية الأقل من 10 سنوات، إلى هذه الفئة، وهو ما يرفع نسبة السكان الأقل من 25 سنة إلى حوالي 51% من إجمالي السكان، وبما يمثله ذلك من ارتفاع حجم التحديات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه اليمن في سبيل توفير المتطلبات الأساسية لهذه الفئات السكانية، خاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني وحالة الصراع القائمة.

بالرغم من التطور الكبير في أنظمة التعليم المختلفة، وتزايد عدد الملتحقين بالمؤسسات التعليمية والمتخرجين منها خلال العقود الماضية؛ فإن الإحصاءات تظهر أن نحو 75% من المشتغلين الشباب هم من الأميين أو الحاصلين على الشهادة الأساسية فقط، وحوالي 23% هم من الحاصلين على مؤهلات الثانوية العامة، ونحو 2% فقط من ذوي المؤهلات الجامعية والعليا.

علاوة على ذلك، ما تزال التحديات والمعوقات التنموية والهيكلية التي يعاني منها اليمن ومنذ فترات طويلة، تواصل تزايدها وتتعاظم حدتها يومًا بعد آخر، ولا سيما تحديات انتشار الأمية، وتوسع دائرة الفقر، وزيادة معدلات البطالة بين السكان، الأمر الذي حد من مشاركة الشباب واليافعين في عملية التنمية خلال الفترات السابقة، وينطبق الأمر على الفترات القادمة.

الخبير المختص بسوق العمل، علي الدبعي، يتحدث لـ"خيوط"، عن هذه المشكلة بأنها معضلة كبيرة تصطدم بها جهود مكافحة الفقر والبطالة، فالأمية بمعناها الحديث تعني أن تصل إلى مرحلة ما دون امتلاك أي مهارة أو مهنة تستطيع الدخول بها إلى سوق العمل أو الصمود في سوق عمل يشهد تطورات متلاحقة، تتزامن مع القفزة الهائلة لتكنولوجيا المعلومات.

ترصد "خيوط"، جانبًا من واقع ووضعية سوق العمل في اليمن، حيث يلاحظ أن معظم أفراد الأسر العاملين منخرطون في المهن البسيطة في القطاع الخاص، أو في قطاع الزراعة الذي يستوعب النسبة الأكبر من التشغيل في اليمن، وهناك قطاع البناء الذي يعتبر من أهم القطاعات في توليد الوظائف وفرص العمل، للذكور من دون النساء. 

يشير الدبعي إلى أن الحرب التي شلت حركة الدولة وفككت مؤسساتها، وسعت بشكل كبير من الأزمة الحاصلة في سوق العمل، حيث كانت الدولة هي المشغل الرئيسي لليمن، وتقف خلف توليد معظم الوظائف التي كانت متاحة في سوق العمل قبل الحرب والصراع في البلاد.

تسرب وعمالة مضطربة

تعد النسبة الكبرى من المشتغلين الشباب، من الموظفين لدى الغير وبنسبة 50.3% من إجمالي العاملين، فيما يعمل حوالي 27% منهم لدى الأسرة، أي إنها عمالة غير منتظمة ومعظمها في القطاع الزراعي.

بينما تصل نسبة العاملين لحسابهم الخاص، وأغلبهم في القطاع غير الرسمي، إلى حوالي 21%، في حين تقدر نسبة الشباب الذين يُعتبَرون أرباب عمل ويساهمون في خلق فرص العمل أمام الآخرين 2% فقط من مجموع العاملين الشباب.

بحسب تقارير إحصائية، أهمها مسح القوى العاملة في اليمن للعام 2014، الذي أجرته منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء -اطلعت عليها "خيوط"- فإن نسبة الشباب القابعين خارج نظام التعليم والتدريب وخارج سوق العمل تصل إلى 44.8% في آخر عام قبل نشوب الحرب والصراع في مارس/ آذار من العام 2015، كما بلغ معدل البطالة بين الشباب حوالي 33% (الشابات 74%، و26% للشباب).

يرجع ذلك بصفة أساسية إلى نسبة الشباب القابعين خارج نظام التعليم والتدريب وسوق العمل، إضافة إلى ضعف معدلات النمو والتنمية الاقتصادية المحققة خلال الفترات السابقة.

يتفق الخبير التربوي أحمد البريهي، مع ما طرحه الدبعي في الجزئية المتعلقة بالتأثير الذي أحدثته الحرب في تفكك مؤسسات الدولة، إذ يلفت في حديثه لـ"خيوط"، إلى جانب آخر في هذه الأزمة، يتمثل في التدهور الحاصل في التعليم، الذي يعتبره أخطر مشكلة تواجهها اليمن، حيث هناك تسرب من التعليم يصفه بالمخيف، ليس فقط في التعليم الأساسي والثانوي بل حتى في التعليم الجامعي، الأمر الذي يضخم من معدلات الأمية بصورة تصعب بشكل كبير من مواجهتها.

معضلة انتشار الأمية

يبين تحليل توزيع الشباب على القطاعات الاقتصادية المختلفة؛ تركُّز معظمهم في قطاع الخدمات وبنسبة تقارب 50% من إجمالي الشباب المشتغلين، يليهم العاملون في القطاع الزراعي بنسبة 35 إلى 36%، ثم العاملون في الصناعة بنسبة 14%، في حين يعمل بقية الشباب في قطاعي البناء والإدارة العامة وبنسبة 8% لكلٍّ منهما، إذ تبلغ البطالة بين الشباب والنساء معدلات أعلى من المعدل العام والبالغ 32%، كون النساء والشباب هم الأكثر تسريحًا أثناء الحرب، إلى جانب عدم حصول كثير من الداخلين الجدد من فئة "الشباب" إلى سوق العمل، على فرص عمل مناسبة، ومن ثم بقاؤهم في صفوف العاطلين.

يعكس ارتفاع عمالة الشباب في قطاعي الخدمات العامة والزراعة تدني مستوى المهارات والتأهيل للشباب، والأمية التقنية والتكنولوجية، كون هذين القطاعين من القطاعات التقليدية التي لا تتطلب مهارات أو خبرات واختصاصات نوعية.

وبالرغم من التطور الكبير في أنظمة التعليم المختلفة، وتزايد عدد الملتحقين بالمؤسسات التعليمية والمتخرجين منها خلال العقود الماضية؛ فإن الإحصاءات تظهر أن نحو 75% من المشتغلين الشباب هم من الأميين أو الحاصلين على الشهادة الأساسية فقط، وحوالي 23% هم من الحاصلين على مؤهلات الثانوية العامة، ونحو 2% فقط من ذوي المؤهلات الجامعية والعليا، إذ تمثل هذه الحالة أحد الاختلالات التي يعاني منها عرض العمل، المتمثل في تدني وضعف مستوى تأهيل قوة العمل، الأمر الذي يجبر الشباب على التوجه نحو القطاع الهامشي غير الرسمي وبنسبة تتجاوز 84% من إجمالي الشباب العاملين، وفق نتائج استبيان حول مناخ الأعمال في اليمن، أجرته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر.

يبرز التعليم واحدًا من أهم التحديات التي يواجهها الشباب في اليمن، بالرغم من التوسع الذي شهده هذا القطاع خلال العقود الماضية، المتمثل في زيادة أعداد الطلاب في كافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، غير أن هذا القطاع يعاني من تضخم المعوقات والتحديات؛ أبرزها تكريس عدم المساواة في التعليم، سواء بين الجنسين (ذكورًا وإناثًا) أو حسب نوعية التعليم (حكوميًّا وخاصًّا)، إضافة إلى ضعف مستويات جودة التعليم.

تؤكد دراسة علمية للدكتور محمد الرفيق، أن أهم معضلة يعاني منها الاقتصاد اليمني تتمثل في انتشار الأمية، إضافة إلى انخفاض مستويات الادخار، وارتفاع معدل النمو السكاني الذي بلغ 3.02%، بحسب نتائج التعداد العام للسكان للعام 2004، مما أظهر عدم قدرة معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي خلال العامين 2003 و2004 على الحد من الفقر؛ لأنَّ هامش النمو الاقتصادي المعروف بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي لم يكن سوى 0.8%، وهو أقل من المستهدف، إذ يتراوح بين1.2 و1.7٪ سنويًّا، إضافة إلى وجود معدلات مرتفعة للتضخم، التهمت أي نمو في الدخل الفردي.

ويشير الدكتور الرفيق إلى أن توزيع التعليم بكافة أنواعه في اليمن، يعاني من اختلال كبير، سواء على مستوى عدد المدارس في كافة محافظات الجمهورية أو على مستوى توزيع الكادر، إذ تشير الإحصاءات الرسمية قبل العام 2015 إلى اختلال في عدد المدارس الموزعة في كافة محافظات الجمهورية، حيث تعد محافظة المهرة الأقل في عدد تلك المدارس، وعلى أساس أن أكثر من 4 ملايين طالبًا وطالبة موزعون في تلك المدارس.

تحديات في العيش والتعليم

تستنتج "خيوط" أن غياب الاستقرار السياسي والأمني بفعل الحرب والصراع في البلاد وضعف فعالية السياسات الاقتصادية أدى إلى زيادة التحديات التي تواجه اليافعين والشباب، حيث أسهمت الظروف في عدم القدرة على الحصول على التعليم الجيد والملائم لاحتياجات سوق العمل، وتفشي الأمية، منها أمية المهارات، فضلًا عن خلق شعور بعدم الثقة، وفقدان الاستثمار في رأس المال البشري، إضافة إلى المخاطر الناجمة عن الصراع والحرب، بما فيها تجنيد اليافعين والشباب، والزج بهم في المواجهات العسكرية.

كما اتسمت السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالضعف خلال العقود الماضية، حيث لم تكن منصفة وعادلة تجاه اليافعين والشباب، وخاصة الفتيات والفقراء واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة، مع انعدامها خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي ضاعف مستويات الحرمان المتداخل في مجالات الصحة والحماية والتعليم، وأثرت بصورة سلبية كبيرة على قدرة هذه الفئة في تحقيق كامل إمكانياتهم، وأن يصبحوا أفرادًا منتجين في المجتمع.

الباحث الاقتصادي صادق علي، يقول لـ"خيوط": "إن لقمة العيش هي كل ما يهم الناس بعد ما تسببت الحرب والصراع في فقدانهم ما كان متاحًا من مصادر للدخل وسبل العيش وقطع رواتب الموظفين المدنيين؛ لذا فالأولوية لديهم توفير ما أمكن من الغذاء ومتطلبات المعيشة، وهو الأمر الذي جعل التعليم ضمن الاهتمام الهامشي، بعكس أولويات العيش".

ويتطرق في سياق متصل، إلى نقطة مهمة في هذا الجانب، تتمثل في ارتفاع تكاليف التعليم الذي لم يعد مجانيًّا أو سهلًا للأسر لتكافح على تعليم أبنائها؛ لذا اتجه غالبية أفرادها إلى سوق العمل للبحث عن أي فرصة، وترك التعليم.

يبرز التعليم واحدًا من أهم التحديات التي يواجهها الشباب في اليمن، بالرغم من التوسع الذي شهده هذا القطاع خلال العقود الماضية، والمتمثل في زيادة أعداد الطلاب في كافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، غير أن هذا القطاع يعاني من تضخم المعوقات والتحديات، أبرزها تكريس عدم المساواة في التعليم، سواء بين الجنسين (ذكورًا وإناثًا) أو حسب نوعية التعليم (حكوميًّا وخاصًّا)، إضافة إلى ضعف مستويات جودة التعليم مقارنة بدول الإقليم والمتوسط العالمي وضعف مخرجات التعليم.

يأتي ذلك في الوقت الذي ما تزال فيه اليمن تعاني من وجود أكبر عدد من الأطفال في سن الدراسة خارج النظام التعليمي، وبعدد تقدره منظمة اليونيسف بنحو مليونَي طفل معظمهم من الإناث، إذ يمثلون أكثر من 20% من إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالمدارس على مستوى الدول العربية (بيانات صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي)، كما أن معدلات الأمية بين السكان في اليمن ما تزال مرتفعة، بالأخص لدى النساء، حيث تصل إلى 60% وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English