لاعبات رياضة موهوبات

نساء يمنيات بين التهميش وغياب الدور الحكومي
أشجان بجاش
September 8, 2024

لاعبات رياضة موهوبات

نساء يمنيات بين التهميش وغياب الدور الحكومي
أشجان بجاش
September 8, 2024
.

بعد سنوات من تحقيق العديد من الإنجازات، محلية ودولية، وجدَت لاعبة المنتخب الوطني لكرة الطائرة، كفى باجري (37 عامًا)، نفسَها في مرمى التهميش والاستبعاد، رغم أنّها تعدّ واحدةً من أبرز لاعبات كرة الطائرة في فريق عدن على وجه الخصوص، واليمن عمومًا.

تقول باجري: "إن الاستعدادات للبطولات كانت تبدأ قبل أربعة أشهر من موعدها، في 2012-2014م، بمعدل 3 أيام أسبوعيًّا، حيث تتم في صالات مغلقة مزودة بكل ما يحتاجه اللاعب؛ لكن هذا الدعم والاهتمام لم يعد موجودًا في الوقت الحالي"، مؤكدة أنّ الاهتمام بدعم الفرق النسوية قد تراجع، وتوجهت الموارد إلى مكاتب الرياضة، بينما تُركت اللاعبات الموهوبات بدون دعم.

وتستطرد: "لقد تم تهميش الكوادر القديمة من قبل مكاتب الشباب والرياضة، وتم تعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب تتعلق بالرياضة النسوية، هؤلاء الأفراد ليس لديهم خبرة في الرياضة أو التربية البدنية، مما أسهم في تفاقم المشكلة".

تمتلك الدولة القدرةَ على رفع مستوى البنية التحتية للرياضة النسوية، بحسب حديث باجري، التي تُوضح أن هناك قوى ترفض تحسين الوضع، وبدلًا من ذلك، يتم تنظيم فعاليات قصيرة الأمد لا تتجاوز يومًا أو يومين، تهدف فقط إلى جمع المخصصات المالية، دون أيّ اهتمام حقيقي بتطوير القطاع النسوي.

واقع أليم

كثيرات هن الرياضيات النسويات اللواتي يتعرضن للتهميش إلى جانب كفى، من بينهن بلقيس شرف الدين، نجمةٌ يمنية أضاءت مضامير البطولات، وكانت يومًا أيقونة في عالم أم الألعاب (القوى)، حيث نقشت اسمها بأحرف من ذهب في قائمة الأبطال، جابت العالم ورفعت اسم اليمن عاليًا، إذ تُوِّجَت بالعديد من الألقاب محليًّا ودوليًّا. من سباق ثلاثة آلاف متر في سنغافورة، إلى الفضة في سوريا، والذهب في الإمارات، كانت بلقيس رمزًا للفخر الوطني.

ومع ذلك تقف بلقيس اليوم في معبد الذكريات وحيدة، في ظلال ماضٍ عظيم، بعد سنوات من الانتصارات، وجدت نفسها في خضم أزمة تهميش الرياضة النسوية، نتيجة قلة الدعم، وتراجع الأنشطة، الأمر الذي جعل مسيرتها الرياضية ذكرى حزينة، حيث باتت الفجوة بين الماضي المجيد والحاضر البائس واسعة.

تقول بلقيس، بصوت يُخفي وراءه الألم: "لقد مضت فترة طويلة منذ آخر مرة شهدنا فيها نشاطات رياضية نسوية، كان لدينا أمل في العودة، لكن الواقع أليم، رغم كل شيء، لم أفقد الأمل. أستطيع أن أكون على خط السباق، سواء بصفتي لاعبة أو مدربة، المهم ألا نبقى في خانة التهميش".

خيبة أمل

فيما تتحدث لاعبة الجودو، غادة عتيق (35 عامًا)، التي نشأت في بيئة رياضية وكانت مثالًا للإصرار والتحدي، عن التغييرات الكبيرة التي طرأت على الوضع الرياضي قائلة: "في الماضي، كان هناك تشجيع كبير للرياضة، حيث كان هناك اتحاد مختص وبطولات متنوعة، بالإضافة إلى قاعدة نسوية كانت تدعم الرياضة النسوية عبر النزول إلى المدارس وتوسيع نطاقها. كانت هناك خطة مدروسة لدعم الرياضيات، أما اليوم، فإن الوضع مختلف تمامًا".

لا تخفي غادة خيبة أملها من الوضع الراهن، مشيرة إلى أن "الوضع لم يتحسن، بل هناك نقص في تشجيع الرجال الرياضيين أيضًا، رغم إنجازاتهم الكبيرة. الرياضة بشكل عام تعاني من تدنٍّ، وهناك قمع للرياضة النسوية".

في السابق، كانت الرياضة في اليمن تتمتع بمرحلة ازدهار ملحوظة، بفضل دعم قوي من الاتحاد المختص وتنظيم بطولات متنوعة، بالإضافة إلى وجود خطط مدروسة لدعم الرياضيات. لكن اليوم، وخاصة الرياضة النسائية، قد انتقلت إلى مرحلة تدهور ملحوظ؛ بسبب غياب الدعم الكافي والتراجع في دور المرأة. يبقى السؤال: هل هناك أمل في استعادة روح الدعم والتقدم في الرياضة النسائية في اليمن؟

هيمنة الرجل

النائب الثاني لرئيس اللجنة الأولمبية اليمنية، لؤي فيصل صبري، يقول: "إن تأخر دور المرأة في الرياضة يعود إلى هيمنة الرجل على جميع المناصب والقرارات". وتؤكد صبري أنّ المرأة ما تزال بعيدةً عن صناعة القرار، ممّا يعكس ضعف دورها في الرياضة. وأضافت: "إنّ عدم وجود المرأة في عمليات اتخاذ القرار، يجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس في الرياضة النسائية، حيث تبقى المرأة غائبة عن الخطط الرياضية، عدا في اللجنة الأولمبية اليمنية التي ما تزال تحافظ على بعض الوجود النسوي، ربما نتيجة للضغط الدولي. أما الوزارات والاتحادات الرياضية الأخرى، فلا تقدم دعمًا كافيًا للرياضة النسائية".

لطالما برزت اليمنيات في مختلف الرياضات، محقِّقات إنجازات ملهمة على الساحة العربية والدولية رغم التحديات الكبيرة. ففي عام 2013/2014م حقّقت أمل حمدي الميدالية البرونزية للشطرنج في الأردن. وكانت ريم عتيق أول يمنية تفوز بالميدالية الذهبية في البطولة العربية للجودو التي أُقيمت في اليمن عام 2007م. وفي 2017م، أظهرت سهام عامر تألقها في الكيك بوكسينج، حيث أحرزت البطولة العربية في الأردن وحصلت على المركز الأول. ثم في عام 2024، نالت سهام عامر ميداليتين ذهبيتين في بطولة الأندية بعَمّان، مضيفة إنجازًا جديدًا إلى سجلها الحافل، وذلك بجهود فردية، حيث كانت تتدرب وتشارك في البطولات بحسابها الخاص. 

بحسب ما صرح به مدير عام الاتحادات الرياضية، وائل القرشي، فإن هناك تراجعًا بنسبة 70% في إقبال اللاعبات على ممارسة الرياضة مقارنةً بالماضي، وذلك بسبب الأوضاع الراهنة. في الوقت الحالي، هناك عددٌ قليل جدًّا من اللاعبات اللاتي يمارسن الرياضة في الاتحادات الرياضية، مثل اتحاد الطاولة حيث يتدربن في النادي الأهلي، واتحاد تنس الطاولة، واتحاد الرماية، واتحاد المبارزة، وغيرها.

 حلقة مفقودة

ويرى عبدالوهاب الحواني، مدير عام النشاط النوعي بوزارة الشباب والرياضة، أنّ "الواقع الرياضي للنساء يشكّل حلقة مفقودة ويحتاج إلى ثقافة رياضية متخصصة لاختيار الرياضات المناسبة، وتوفير الأندية المتخصصة. ويشير إلى أنّ هناك تقصيرًا من المعنيين في تأهيل وتشجيع النساء في المجال الرياضي، موضحًا أنّ "الاهتمام يجب أن يشمل الدعم المالي والمعنوي".

وفي حديثه عن وضع الرياضة النسوية في اليمن، يقول الدكتور أحمد جاسر، مستشار وزير الشباب والرياضة: "في السابق، كان هناك اتحاد للرياضة النسوية، مع صالة خاصة تُدعى صالة بلقيس، وكانت النشاطات الرياضية النسائية متنوعة من خلال تنظيم المسابقات بين محافظات الجمهورية".

ومع ذلك، تراجع هذا الاهتمام بشكل كبير بسبب "الظروف، وغياب الدعم المالي للأنشطة، وافتقار الكوادر المتخصصة لتطوير قدرات الرياضيات، إضافة إلى عدم تشجيع الجهات المختصة للرياضة النسوية".

ويضيف الدكتور جاسر أنّ "النساء الرياضيات في اليمن، رغم إنجازاتهن الكبيرة في مجالات مثل تنس الطاولة والشطرنج والألعاب القتالية والرماية، بقين منسيات بسبب عدم وجود أرشيف يوثق إنجازاتهن". ودعا إلى "ضرورة تسليط الضوء على الرياضيات المنسيات، وتوجيه الأسئلة للجهات المختصة لتقديم إجابات صادقة وأمينة دون تلاعب".

 قوة ومثابرة

المسؤول الإعلامي باتحاد المرأة الرياضي، محمد البحري، يوضح أنّ الفتاة اليمنية تُظهِر قوةً ومثابرةً طبيعيةً، وتدرك تمامًا خصوصية أن تكون رياضية في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد صارمة، كما تواجه الفتيات تحديات تبدأ من المنزل، حيث تفتقر الكثير منهن إلى دعم أُسَرهن لممارسة الرياضة، وفي الحالات التي تتفهم فيها الأسرة رغبة الفتاة، تسعى لضمان أن تكون اللعبة التي تمارسها مناسبة لها، حتى لو كانت لا تتوافق مع هواها، هذا التشجيع الضعيف وفرض الألعاب غير المفضّلة يمكن أن يؤدي إلى إحباط الفتاة وتركها الرياضة.

هكذا تعاني الأنشطة النسوية في اليمن، من ضيق المساحة، مقارنة بالأنشطة الشبابية؛ ما يسهم في قلة بطولات الفتيات، وانخفاض ظهورهِن في الأضواء، ويفتقر المجال الرياضي اليمني بشكل عام إلى إعلاميات متخصصات، مما يظهر جليًّا في غياب البرامج الرياضية الخاصة بالنساء على القنوات الفضائية، وقلة المساحة المخصصة لهن في البرامج الرياضية المتاحة.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.

•••
أشجان بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English