ستارلينك في اليمن: تحول نوعي أم "عدن نت" أخرى؟

العديد من التساؤلات حول خدمة الإنترنت الفضائي وتحدياتها
صفية مهدي
August 18, 2024

ستارلينك في اليمن: تحول نوعي أم "عدن نت" أخرى؟

العديد من التساؤلات حول خدمة الإنترنت الفضائي وتحدياتها
صفية مهدي
August 18, 2024
.

وسط المعاناة اليومية نتيجة تردّي خدمات الإنترنت، خصوصًا في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن وتحالفاتها، يبدو أنّ اليمن أمام تحوّل جديد، هذه المرة من بوابة الإنترنت الفضائي الذي تقدّمه شركة "ستارلينك"، التابعة لإيلون ماسك. في خطوة تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ماهية الخدمة وتحدياتها وما يمكن أن تضيفه من عدمه.

وكان الإعلان قد جاء خلال اجتماع حكومي يوم الثلاثاء، السادس من أغسطس/ آب الجاري 2024، إضافة إلى تصريحات على لسان وزير التخطيط والتعاون الدولي، القائم بأعمال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، واعد باذيب، حيث أفاد بإبرام الاتفاق بين الحكومة المعترف بها دوليًّا ممثلة بالمؤسسة العامة للاتصالات (التابعة لحكومة عدن)، وبين "ستارلينك"، حيث سيتم تدشين الخدمة رسميًّا في الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل.

ووصف باذيب ما تحقّق بأنه "انتصار كبير"، من خلال حصول الحكومة المعترف بها دوليًّا على حق الوصول إلى الأقمار الصناعية للشركة، منوهًا إلى أنّ الخدمة ستتيح وصول الإنترنت إلى جميع المناطق النائية والمرافق العامة والخاصة.

وبالنظر إلى مضامين تصريح باذيب، بدا واضحًا كيف أنّ الخطوة يمكن أن تحرك المياه الراكدة بالنسبة لحكومة أحمد عوض بن مبارك، وقبل ذلك المجلس الرئاسي، إذ لطالما تلقّت انتقادات بشأن خدمات الإنترنت والاتصالات، مع فشلها في إحداث أي تغيير في وضع "يمن نت" المركزي في صنعاء، إلى جانب فشل "عدن نت" في أيّ توسّع أو حتى المحافظة على خدمة تغطي احتياجات عدن على الأقل منذ سنوات.

رحلة ستارلينك

بدأت رحلة الحكومة في عدن، على الأقل علنًا، منذ شهور طويلة، تكللت بأول تسريب نُشر في صحيفة "بلومبرج"، التي نقلت عن مسؤول حكومي في اليمن ما مفاده أنّ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وشركة "ستارلينك" تقتربان من الاتفاق لتوفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

من الصعب الحكم على قدرتها من تجربة أحادية؛ لأنّ الخدمة يمكن أن تتأثر بزيادة عدد المستخدمين، وهو ما تؤكده تقارير متعددة بشأن خدمات الإنترنت الفضائي، إضافة إلى تحديات أخرى قد تبرز في عدن، التي سبق أن تعثرت فيها شبكة "عدن نت"، حيث لم تحقّق أي توسع منذ تأسيسها، كما أن مشاريع أخرى تعثرت، بعد أن كانت جاهزة تقريبًا للانطلاق.

وبمراجعة "خيوط" تصريحات ومقابلات لوزير الاتصالات السابق (المتوفَّى) نجيب العود، يتضح كيف أن التوجه نحو الإنترنت الفضائي ليس وليد اللحظة، إذ سبق أن صرح الأخير في 2021، عن جهود لتفاهمات مع "عربسات" لتقديم خدمات الإنترنت والاتصالات في اليمن. ويبدو أنّ هذا الطريق كان الأقصر في ظل الظروف التي تعاني فيها الحكومة وضعًا هشًّا في مناطق سيطرتها، فضلًا عن كونها تفقد السيطرة على أجزاء واسعة من البلد.

وعلى الرغم من أنّ الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ في سبتمبر/ أيلول المقبل، وفقًا لباذيب، فإنّ الخدمة سبق أن دخلت اليمن كسوق سوداء، حيث بيعت العديد من أجهزة "ستارلينك"، وتناقلت على إثرها وسائل إعلامية الخبر، مشيرة إلى التزام إيلون ماسك الصمت. فيما دعا باذيب مَن لديهم أجهزة إلى سرعة تسجيلها لدى مؤسسة الاتصالات لتتخذ صفة قانونية.

قفزة هائلة وتحديات متوقعة

في السياق، يقول عمر الحياني، عضو سابق في مجلس إدارة جمعية الإنترنت ورئيس لجنة حوكمة الإنترنت، في تصريح لـ"خيوط": "من المعروف أنّ 15% من خدمة الإنترنت حول العالم، تمر عبر الأقمار الصناعية، و85% عبر الكابلات البحرية".

يتابع: "نظرًا لبروز مشروع "ستارلينك" في تغطية شاملة عبر الأقمار الصناعية لمعظم دول العالم، فإنّ هذا يعدّ قفزة هائلة".

إذ يجب على الحكومة اليمنية الإسراع في الانضمام إلى هذه التقنية التي ستساعد في زيادة انتشار خدمة الإنترنت، التي تمثّل اليوم ارتباطًا بكل مفاصل الحياة، في التعليم والتنمية الاقتصادية وزيادة فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.

يضيف الحياني: "كنّا سبّاقين في مواكبة التطورات، والخوف من التقنيات القادمة سيمثّل إعاقة للتقدم العلمي والاقتصادي"، مشدّدًا على أنّ "الحق في الوصول إلى الإنترنت هو جزء من حق الإنسان في الرأي والتعبير، وعلى الدول عدم تقييد هذا الحق".

حكومة صنعاء وتجارب محبطة في عدن

يُنظر إلى ترخيص الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن، بأنه خطوة تخفف من مركزية وسيطرة وزارة الاتصالات والمؤسسات التابعة لها في صنعاء، حيث تمنع استخدام أجهزة استقبال الإنترنت الفضائي، وسبق أن قامت بحملات لضبطه في فترات سابقة. ومن الطبيعي أن يستمر الحظر في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، ما لم يكن هناك تفاهمات مباشرة بين الشركة والوزارة في صنعاء، أو بين الأطراف المعنية يمنيًّا.

وفي حديث لـ"خيوط"، يشير علي أحمد، الذي يعمل في أحد المحال المتخصصة ببيع وصيانة أدوات الإنترنت والشبكات العامة، إلى أنّ الخدمة لا يمكن الحكم على جودتها قبل تجربتها بشكل أوسع، حتى مع وجود العديد من الأشخاص أو الجهات الذين حصلوا على أجهزة سوق سوداء أو غير مرخصة. لكنه أضاف: "من الصعب الحكم على قدرتها من تجربة أحادية؛ لأنّ الخدمة يمكن أن تتأثر بزيادة عدد المستخدمين"، وهو ما تؤكده تقارير متعددة بشأن خدمات الإنترنت الفضائي.

إضافة إلى تحديات أخرى قد تبرز في عدن، سبق أن تعثرت فيها شبكة "عدن نت"، حيث لم تحقّق أيّ توسع منذ تأسيسها، كما أنّ مشاريع مثل شركة "واي"، التابعة لرجل الأعمال أحمد العيسي، تعثرت العام الماضي، بعد أن كانت جاهزة تقريبًا للانطلاق.

وحتى على مستوى شركة "سبأفون" التي أعلنت استقلال مركزها عن صنعاء منذ سنوات، واجهت العديد من العقبات في أن تحصل على تراخيص أو أن يُسمح لها بتطوير بنيتها التحتية. ولا يمكن إهمال مشروع الشركة الإماراتية التي جرى الترخيص لها مطلع العام الجاري 2024، لكنها لم ترَ النور حتى اليوم.

مع ذلك، يرى أحمد أن "ستارلينك" قد تُشكّل تحوّلًا كبيرًا لمستخدمي وخدمات الإنترنت في اليمن، على الرغم من أن الأسعار المبدئية قد تكون مرتفعة بالنسبة للمستخدمين اليمنيّين بالمقارنة مع "يمن نت" أو حتى "عدن نت". لكنه أشار إلى أنّ الخدمة يمكن أن تشكّل حلًّا مثاليًّا للمؤسسات والشركات القادرة على تحمل تكاليف الاشتراك؛ ممّا سيخفف الضغط على خدمات الإنترنت الأخرى، بالإضافة إلى أنّها ستصل إلى مناطق لم تصل إليها أيّ نوع من الشبكات سابقًا، وتقوي الشبكات العامة المنتشرة في العديد من الأماكن.

الأسعار ونسبة التخفيض 

تعدّ "ستارلينك"، التابعة لشركة "سبيس إكس" التي أسّسها إيلون ماسك، من أحدث مشاريع التكنولوجيا في مجال الاتصالات الفضائية، حيث تستهدف توفير الإنترنت عالي السرعة للمناطق النائية والريفية حول العالم. تعتمد خدمة "ستارلينك" على شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية المنخفضة المدار، التي تعمل معًا لتوفير تغطية شاملة للإنترنت بسرعات تصل إلى أكثر من 100 ميجابت في الثانية، وزمن استجابة يتراوح بين 20 و40 ملّي ثانية.

تبقى تكلفة الوصول إلى الإنترنت مرتفعة نسبيًّا في اليمن، حيث تشكّل سلة استهلاك البيانات المتنقلة 7.7% من الدخل القومي الإجمالي للفرد، وفيما يتعلق بخدمات النطاق العريض الثابتة، بلغت تكلفة سلة الإنترنت الثابتة حوالي 6.06% من الدخل القومي الإجمالي للفرد، ممّا يعكس تحديات كبيرة في توفير خدمات إنترنت ميسورة التكلفة.

تقدم "ستارلينك" خدماتها عبر باقات متنوعة تختلف من دولة لأخرى، إذ الشائع عن متوسط سعر الباقة الابتدائية هو 110 دولارات، غير أنّ الأسعار في بعض الدول الأوروبية والإفريقية تبدأ من نحو 50 دولارًا.

لكن هذا السعر، الذي هو أكبر بكثير بالنسبة للاستخدام المنزلي أو المحدود مقارنة مع "يمن نت"، يصبح أهون، إذا ما صدقت تصريحات باذيب بأن الخدمات ستقدم في اليمن بتخفيض 50%. وإذا كان القصد أنّ التخفيض قياسًا على 110 دولارات، فإنه ليس تخفيضًا حقيقيًّا؛ لأنّ الشركة تقدم الخدمة بأسعار أقل من النصف في العديد من الدول.

وأمّا كون الخدمة قد انتشرت قبل الترخيص، فقال أحمد إنّها كانت تباع بأسعار مرتفعة، فجهاز الاستقبال سعره يزيد على 2000 دولار، لكن دخول الشركة رسميًّا بالشراكة مع الحكومة سيجعلها متوفرة على الأقل بالسعر العالمي المعروف 600 دولار.

باقات ستارلينك

حسب موقعها الإلكتروني، تقدم شركة "ستارلينك" عدة باقات، تناسب احتياجات مختلفة:

ESTÁNDAR - (للمنازل): مثالية للأسر، توفر إنترنت غير محدود، عالي السرعة ومنخفض التأخير، بسعر يتراوح بين 50 و55 يورو شهريًّا.

- PRIORIDAD (للشركات والمستخدمين ذوي الطلب العالي): مثالية للشركات، وتشمل بيانات غير محدودة، IP عام، وأولوية في الشبكة، وتتراوح أسعارها بين 60 يورو (40GB) و360 يورو (2TB).

ITINERANTE - (للمتنقلين): مثالية للمسافرين، والرحالة، والمخيمات، توفر بيانات متحركة غير محدودة في المناطق الداخلية، بسعر حوالي 59 يورو شهريًّا.

PRIORIDAD MÓVIL - (للاستخدام البحري والأعمال المتنقلة): مثالية للاستخدام البحري، والاستجابة الطارئة، وتشمل بيانات غير محدودة في البحر والأرض مع دعم الأولوية، وتتراوح أسعارها بين 289 يورو (50GB)  و4,713 يورو (5TB).

اليمن في بيانات الإنترنت

وفقًا لموقع  ITU DataHubوهو أغنى مصدر للإحصائيات والمعلومات التنظيمية حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، سجّل اليمن في 2023 نسبة 17.7% من السكان الذين يستخدمون الإنترنت، مما يشير إلى نمو محدود في الوصول الرقمي مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.

بالرغم من ذلك تبقى تكلفة الوصول إلى الإنترنت مرتفعة نسبيًّا، حيث تشكّل سلة استهلاك البيانات المتنقلة 7.7% من الدخل القومي الإجمالي للفرد، وهي نفس النسبة لتكلفة خدمة النطاق العريض الثابتة. وفيما يتعلق بخدمات النطاق العريض الثابتة، بلغت تكلفة سلة الإنترنت الثابتة حوالي 6.06% من الدخل القومي الإجمالي للفرد، مما يعكس تحديات كبيرة في توفير خدمات إنترنت ميسورة التكلفة.

من ناحية أخرى، تُظهر البيانات المتعلقة بالتغطية السكانية للشبكات المحمولة أنّ 87.5% من السكان لديهم وصول إلى شبكات الجيل الثاني (2G)، بينما تصل نسبة التغطية إلى 74.6% لشبكات الجيل الثالث (3G)، و56.7% لشبكاتLTE/WiMAX ، ومع ذلك لم تسجل البلاد أي تقدم في تغطية شبكات الجيل الخامس (5G)، حيث لا تزال نسبة التغطية 0.0%.

إضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أنّ حركة الإنترنت ذات النطاق العريض الثابت لكل اشتراك، بلغت 1.44K جيجابايت في عام 2022، في حين بلغت حركة الإنترنت المتنقلة 10.3 جيجابايت لكل اشتراك في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، وتقول المراجع إنّ هذا الاستخدام المتزايد للبيانات يعكس الحاجة الملحة لتحسين خدمات الإنترنت، وتوفيرها بشكل أكبر وأوسع للمستخدمين في اليمن، لمواكبة التطورات العالمية في مجال الاتصال الرقمي.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English