يحلم الكثير من أهالي قرى بعض مديريات محافظة المحويت، برؤية الطرق في مناطقهم سالكة، سهلة العبور، فهذه الأمنية صارت حلمًا يتوارثه السكان، جيلًا بعد آخر لتحقيق أمنية، أبسط ما يقال عنها، صعبة المنال.
هذا الأمر تسبّب بارتفاع معاناة نسبة كبيرة من سكان هذه المناطق، خصوصًا الزراعية منها، ما دفع بعضهم إلى اتباع خيارات قاسية ومؤثرة في سبل العيش، ولا سيما في المواسم الزراعية في ظلّ عدم القدرة على التنقل لتوفير احتياجاتهم المعيشية الضرورية، أو لتسويق محاصيلهم، ما يجبرهم على تبادلها في كثير من المناطق في وسيلة من وسائل العيش والبقاء، وبطرق أقرب لعملية المقايضة التي كانت تتبعها المجتمعات القديمة قبل تبلور الاقتصاد الحديث وعماده النقد.
على الرغم من ذلك، فإن أملهم ما زال قائمًا بشق الطرقات وعبور المركبات فيها دون تعثر يفاقم من ضنك العيش، حيث تسبّبت وعورة الطرقات بمضاعفة الحياة المعيشية، وزيادة أعبائها بصورة تفوق قدرات الكثير على تحملها.
المواطن مراد جبران، من سكان المحويت، يشير في هذا الصدد لـ"خيوط"، إلى أنّ منبع هذا الأمل يعود إلى تعاون الأهالي فيما بينهم، حتى المغتربين في الداخل والخارج لديهم رغبة كبيرة في المساهمة بتحقيق الحلم المنشود لسكان المناطق التي تعاني من إهمال الجهات المعنية، ليس خلال الفترة الماضية بل منذ عقود.
صعوبة التنقل وخيارات العيش
تعتبر المحويت من أشد المحافظات احتياجًا للدعم من قبل الجهات المعنية؛ كونها مغيبة عن مشاريع التنمية، والبنية التحتية منهارة كليًّا، فهناك العديد من القرى في المحافظة لم تستوعب ضمن البيانات الإدارية عن مركز الإحصاء والمعلومات الصادرة عام 2004، نظرًا لآخر إحصائية للسكان، فضلًا عن اليوم في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها بلادنا. هذا يؤكد أنّ نسبة 29% من القرى ما زالت مهمشة ومستبعدة الذكر في أي بيانات حكومية، فضلًا عن وصول خدمة شق الطرقات إليها.
يتجرع العديد من أبناء وسكان المناطق والقرى الريفية في المحويت، بصورة يومية، مرارةَ التنقل لعدم وجود طريق سالكة تسمح لهم بتوفير احتياجاتهم اليومية دون عناء وبذل جهد ووقت طويل.
يقول أحد المزارعين: "أصبحنا نتبادل المحاصيل والمنتجات حتى نعيش، فتجد مثلًا من يقايض الخضروات بالقمح وهكذا، لعدم توفر المال وعدم القدرة على التنقل والذهاب إلى المدينة أو المحافظات المجاورة، لكسب الرزق والقوت اليومي الضروري".
ويعيش سكان وأهالي مناطق مثل "طحامة" (غربي المحويت)، حياةً شبه منعزلة عن مركز المدينة؛ بسبب وعورة الطريق وقساوتها، المليئة بالأحجار المعيقة، فيلجؤون إلى قطع مسافات طويلة لاستخدام طرق المناطق في المحافظات المجاورة، مثل مديرية "الشغادرة" في حجة، و"القناوص" في الحديدة، بدلًا من مركز مدينة المحويت للتسوق وتوفير وجلب احتياجاتهم الضرورية وتسويق ما أمكن من محاصيلهم الزراعية، أو تلقي الخدمات الطبية، حيث تتدهور حالة المريض الصحية في أغلب الأحيان، ما يؤدّي إلى الوفاة قبل الوصول إلى أقرب مركز طبي.
يقول توفيق علي، ناشط اجتماعي لـ"خيوط"، إنّ وعورة الطرق من أهم المشاكل التي يعاني منها سكان مناطق محافظات اليمن الشمالية والغربية بدرجة رئيسية بالنظر إلى ما تتسبب به في زيادة معاناتهم وأوضاعهم المعيشية والصحية والتعليمية، مشيرًا إلى أنّ محافظة المحويت من أكثر هذه المحافظات معاناة في هذا الجانب، حيث لا تسمح وعورة الطرق بمرور المركبات، ومن ثمّ يضطر الأهالي للتنقل مشيًا على الأقدام، أو القيام بدور المركبة والسيارة، فتراهم يحملون أشياءهم فوق ظهورهم ويتنقلون في هذه الأرض الوعرة مهما كان حجم أو أثر التنقل في طرق مليئة بالحفر والأحجار التي قد تُودِي بحياة أحدهم إذا تعثر وانزلق. وتُعرف المناطق الجبلية في المحافظة بقساوة طبيعتها ووعورة تضاريسها، خصوصًا في موسم الأمطار، حيث تتسبب بمحاصرة الأهالي في قراهم وعزلهم عن العالم الخارجي.
المواطن جمال محمد، من سكان المحويت، يتحدث لـ"خيوط"، بالقول: "في موسم الأمطار لا نستطيع التنقل، حيث نظل عالقين لدرجة أنّ المحاصيل التي نقوم بزراعتها لا ندري كيف نصرفها أو نذهب بها للمدينة لبيعها؛ لذا نقوم بتوزيع جزء منها للأهالي، في حين يتكدس الجزء المتبقي من المحاصيل ويتعرض للتلف في حال حاول بعضنا نقلها خارج مناطق زراعتها لتسويقها وبيعها".
من جانبه، يضيف المزارع عباس عبدالكريم، لـ"خيوط": "أصبحنا نتبادل المحاصيل والمنتجات حتى نعيش، فتجد مثلًا من يقايض الخضروات بالقمح وهكذا، لعدم توفر المال وعدم القدرة على التنقل والذهاب إلى المدينة أو المحافظات المجاورة لكسب الرزق والقوت اليومي الضروري".
خطوة الألف ميل
نتيجة لذلك؛ اتجه أهالي القرى والمناطق المتضررة للمبادرات المجتمعية الطوعية لجمع أموال لشق الطرق والبدء بإصلاح المتهالك منها، متحدّين كافة أنواع الظروف والمعاناة، سعيًا لتحسين أوضاع مجتمعهم ومعالجة هذه المشكلة أو على الأقل الحدّ من أثرها، حيث بادرت قيادة المحافظة بإنشاء وحدة التدخلات التنموية، التي بدورها تقدم جهدًا كبيرًا في إسناد المبادرات المجتمعية وتحفز الأهالي للتفاعل والمشاركة معها.
في هذا الجانب، اتجه أهالي "طحامة" للمبادرات المجتمعية لإصلاح الطرق والعمل على شق خط جديد بالأيدي، يخدم عددًا من القرى كانت معزولة كليًّا عن بعضها، كما أطلقوا مبادرات ذاتية لرصف عدة طرقات وخطوط فرعية لمنطقتهم، حيث عملوا على تسوية الطريق التي تربط منطقة "الريادي" بوادي "لاعة"، إذ واجه الأهالي صعوبات بالغة في قطع الأحجار وتجميعها ورصفها لعدم وجود قواطع متخصصة بقطعها، حيث يضطرون للذهاب إلى وادي "لاعة" لتقطيع الأحجار، ومن ثم تُنقَل لشق الطريق.
كما لعبت المبادرات المجتمعية دورًا كبيرًا في شق وإصلاح طريق منطقة "ذهبان القارة"، عزلة "الرحباني" التابعة لمديرية الرجم شمال المحويت، بالرغم من الإمكانيات والموارد المحدودة، التي تم تعويضها بعزيمة الأهالي لتذليل الصعوبات، لكي يصبح الحلم بطريق مناسب للتنقل أقرب للحقيقة.
يؤكّد يحيى جابر، رئيس لجنة المستفيدين من المبادرة في هذه المنطقة لـ"خيوط"، أنّ وعورة الطريق تسبّبت في إتلاف خلايا النحل، وتدهوُر محاصيل المنطقة، وكساد البضائع، وعدم قدرة المزارعين على نقلها وتسويقها وبيع محاصيلهم، للاستفادة من عائداتها في توفير احتياجاتهم من المواد المعيشية الضرورية، أو في دفع المرضى تكاليفَ تنقلهم وعلاجهم، كما لا تستطيع الفتيات إكمال تعليمهن بعد التخرج من المدارس.
هذه المعاناة دفعت الناس للبحث عن حلول لتخفيف تبعاتها عن كاهلهم، وفق جابر؛ لذا كانت المبادرات خيارًا اضطراريًّا لإصلاح الطرقات، حيث يحتاج الأمر إلى مساندة الأهالي ودعمهم من قبل المنظمات ورجال الأعمال والجهات المعنية.
بدوره، يطالب بندر الجرادي مدير المبادرات المجتمعية في مديرية الرجم، في حديثه لـ"خيوط"، بالمزيد من الدعم في توفير الآلات اللازمة لقطع الأحجار وإصلاح وشق الطرق لمساعدة السكان والأهالي على إزالة العزلة التي تعاني منها مناطقهم بسبب عدم وجود الطرق للتنقل أو وعورة المتوفر منها، وهي غير صالحة للاستخدام.
وكما يقال، فإن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، حيث تمثل المبادرات المجتمعية الخطوة الأولى لرصف الطرق وتحسينها، فمناطق مثل "طحامة" و"الرحباني" ما هي سوى نموذج بسيط يعكس العزلة التي تعيشها مناطق وقرى المحافظة، التي لم تصل إليها بعد "المبادرات المجتمعية من قبل لجنة التدخلات التنموية"، كما في هاتين المنطقتين، لكنْ هناك إصرار وعزيمة لدى سكان وأهالي هذه المناطق بالعمل المشترك على تخفيف معاناتهم في التنقل وصعوبات الحياة المعيشية.