لم يقتصر حضور بُن (بني حمّاد) على أغنية يمنية واحدة، حيث ذُكر في أغانٍ عدة، منها: "شُبَّابة الساقية" وهي من كلمات عثمان سيف المخلافي (عثمان أبو ماهر)، وألحان وغناء أيوب طارش؛ إذ أُشير إليه في "شبابة الساقية" التي هام بها الشاعر ليحاكي من خلالها خصوبة وغزارة إنتاج كثير من أودية اليمن الشهيرة، ووادي (بني حماد) منها، وقد خصه في القصيدة المُغناة من خلال: "وبن وادي بني حماد عذب الجنى"، وهي إشارة تدل على تميزه وسعة انتشاره داخليًّا وخارجيًّا.
ويسجل بُن (بني حماد) حضورًا لافتًا وقد أبرز الروائي الأمريكي ديف إيجرز في روايته (راهب المخا)، تأثيرَ البُن اليمني عامة وبُن (بني حماد) بشكل خاص في السوق العالمية، إذ يُعتقد أن البُنّ الذي كان يُصدّر إلى كثير من دول العالم عبر ميناء المخا مصدره (بني حماد)، ولذلك يُرجح أنّ التسمية الشائعة للبُنّ في العالم وهي "موكا"، جاءت على خلفية جودة وتميز البُن اليمني وبُن (بني حماد) الذي كان يغزو أسواق العالم عبر المخا.
بنكهة الشوكولاتة
يتحدث المزارع عبدالكريم الحمادي عن سر تميز بُن (بني حماد)، وقد اكتسب خبرة زراعية عبر السنوات التي عمل بها في مزارعه، إذ يفيد بأنه يتميز بجودة عالية؛ لارتفاع نسبة السكريات فيه، ووجود نكهة الشوكولاتة المرافقة له، وقلة الحموضة، وبهذه العوامل التي تبرزه أكثر من غيره يغدو النوع الذي يطلبه السوق في الداخل والخارج على حد سواء.
وترجع هذه السمات، حد قول المزارع الحمادي، إلى الاهتمام بزراعة البُن في (بني حماد) منذ القدم، حيث يؤكد أن قوافل البُن كانت تسير قديمًا من أوديتهم إلى ميناء المخا وبعضها إلى ميناء عدن ثم إلى كثير من دول العالم، ومن خلال عملية التصدير التي كانت مزدهرة فيما مضى اكتسب البُن الحمادي شهرته الواسعة.
اشتهرت (بني حماد) بإنتاج كميات كبيرة من البُن كونها من أهم المناطق الزراعية المنتجة للبُن والبُن المجفف الذي اتخذ من ميناء المخا منفذًا لعبوره نحو دول شرق آسيا واصلًا إلى عواصم عربية وغير عربية، فالمنطقة التي تقع ضمن أحد عزل مديرية المواسط احتوت على وادٍ فسيح سيطرت فيه شجرة البُن على معظم المساحات، مشكلةً العامل الاقتصادي الذي يقتات منه أهالي منطقة (بني حماد).
غابة حمراء
ولطالما حظيت زراعة شجرة البُن في (بني حماد) باهتمام المجتمع الذي لم يكن يزرع غيرها في أودية الدائبة والذيبة وبلابل والجويزعة والسباب والأخمور والأيفوع حتى الضباب، وقد تشكلت أشجار القهوة حتى سنوات قريبة وكأنها غابة تحمرّ على مدار السنة.
وإبان إعلان نتائج المؤتمر العام للبُن اليمني الذي أقامته السفارة الفرنسية بصنعاء قبيل أكثر من عشرة أعوام، مستضيفةً مزارعين من كل مناطق اليمن المنتجة للبُن، حصد البُن الحمادي الرقم الأول مع نظيره المنافس والأكثر حضورًا بُن منطقة حراز، والبُن اليافعي.
يذكر أنّ عينات خضعت لاختبار خبراء ومهندسين مختصين بالشأن الزراعي لثلاثة أيام على التوالي، حتى أشادت لجنة التحكيم بجودة بُن (بني حماد) ونكهته المميزة، نظرًا لما تتمتع به الأودية والمزارع من خصوبة ونتيجة، للاهتمام الكبير من قبل ملاك المزارع.
يؤكد الدكتور أمين الحكيمي، أستاذ الوراثة وتربية النبات بكلية الزراعة- جامعة صنعاء، أن شهرة وتميز البُن الحمادي تأتي من الإرث التاريخي للمنطقة، حيث تشير المراجع إلى أن جمال الدين الذبحاني هو من يعود له الفضل الكبير في التعريف بالبُن كمشروب صحي بين السكان في عدن، حيث قال إن السكان في منطقته يستخدمون البُن لإكساب الجسم النشاط والحيوية وعلاج الحميات، وهو بذلك يشير إلى الوديان القريبة من ذبحان، ومنها أودية (بني حماد).
ويرى كذلك الدكتور الحكيمي أن سر تميز بُن (بني حماد) هو أن وديانها من المناطق التي استمرت فيها زراعة البُن لمئات السنين، بينما اندثرت من بقية مناطق المنطقة وقامت بزراعة محاصيل أخرى بدل البُن، وهذا يعني أن الخبرات والممارسات الفنية في الإنتاج والحب والرغبة والفخر لدى المزارعين بهذا المحصول، جعلت بُن (بني حماد) في الصدارة.
ويشير الدكتور الحكيمي إلى مميزات أخرى للبُن الحمادي، وتتمثل في مناخ المنطقة وطبوغرافيتها والغطاء النباتي المتميز، ونوع التربة الزراعية المتجمعة بالوديان، وكلها -حد قوله- عوامل هامة لإظهار صفات جودة البُن الحمادي.
يتسبب زحف شجرة القات بإعاقة تقدم زراعة شجرة البُن، إذ يهتم الكثير من المزارعين بالقات؛ لأن مردوده المالي سريع، فخلال السنة الواحدة يُقطف أكثر من ثلاث مرات، بينما البُن يُجنى خلال السنة مرة واحدة، ولا يعطي المزارع سوى محصول واحد. ونتيجة لغياب التسويق منذ سنوات طويلة وعدم العناية الكاملة، يكاد البُن الحمادي يتلاشى.
تراجع مسبب
وعن تراجع الإنتاج لبُن (بني حماد) مقارنة بما كان يحصده المزارع قديمًا، يتحدث المزارع درهم الحمادي لـ"خيوط"، ساردًا الأسباب، إذ يقول: "إلى ما قبل 2011م، كان أقلّ مزارع يحصل على ما بين عشرة أقداح إلى خمسة عشرة قدحًا من البن المجفف، والقدح الواحد يصل إلى حدود 20 كجم، لكن بدأ المحصول يقل، إذ يحصد أكبر مزارع في الأعوام الأخيرة، قدحًا واحدًا والبعض من المزارعين لا يصل إلى نصف القدح، وهناك قلة جدًّا من المزارعين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، يحصلون على كمية أقداح مناسبة تفوق رقم العشرة وهم قليل جدًّا".
ويُرجع المزارع الحمادي عوامل التراجع الزراعي للبُن، إلى ارتفاع قيمة المياه الجوفية، وكذلك إلى عدم الاهتمام من قبل الجهات الزراعية بتقديم شتلات محسنة الإنتاج تنمو سريعًا، ومعالجة الأشجار الكبيرة وفق خبرتها.
ويتسبب زحف شجرة القات بإعاقة تقدم زراعة شجرة البُن، إذ يهتم الكثير من المزارعين بالقات؛ لأنّ مردوده المالي سريع، فخلال السنة الواحدة يُقطف أكثر من ثلاث مرات، بينما البُن يُجنى خلال السنة مرة واحدة، ولا يعطي المزارع سوى محصول واحد. ونتيجة لغياب التسويق منذ عشرات السنيين وعدم العناية الكاملة، يكاد البُن الحمادي يتلاشى.
عذب الجنى
يعلق المزارع عمران الحمادي على طريقة حصاد البُن الحمادي التي تعد أحد عوامل تميزه، إذ يقول لـ"خيوط": "يُقطف البُن في قت نضوجه السليم، وهذا ما رمى إليه الشاعر عثمان أبو ماهر بقوله: "وبن وادي بني حماد عذب الجنى"، وهذا يعني اكتساب المحصول الجودة في النكهة والمذاق الفريد، إذ لا يتم القطف إلا وقد احمرّت حبوب البُن بشكل كامل".
ويتابع المزارع عمران: "ثم توضع الحبوب في وعاء مخصص مصنوع من أغصان شجرة النخيل المسماة بالعزف، ويتم بعد ذلك تجفيفها تحت أشعة الشمس شريطة أن يكون التجفيف بفراش واسع إما مصنوعًا من شجرة النخيل أو الطربال المصنوع من القماش، ويتم خلال عملية التجفيف وقايتها من المطر أو العوالق الضارة كالحشرات، عبر تغطيتها في الليل وإلى قبل اكتمال التجفيف بيومين يفضّل تدليكها في الأيدي وتحريكها لإزالة أي شيء علق بها أثناء الجمع".
وعلى الرغم من شهرة وجودة بُن (بني حماد)، فإن إنتاجه يتدهور بشكل ملحوظ دون إنقاذ يعيد إليه زخمه المحلي والعالمي، فالاستعاضة عن شجرة البُن بالقات وإصابة الأولى بالأمراض المتسببة بجعل ثمارها أقل جودة وخفة في الوزن، وغمر الحقول بالمياه الزائدة في فصل الصيف، مشاكل تكاد تنهي قصة بُن (بني حماد).