تهدّد التغيراتُ المناخية البيئةَ الطبيعية في العالم، وتتسبّب بانقراض العديد من النباتات والكائنات الحية، بحسب المهندس عبدالله أبو الفتوح؛ أحد خبراء البيئة، ومدير عام التنوع الحيوي في الهيئة العامة لحماية البيئة بصنعاء، الذي أكد لـ"خيوط"، أنّ النباتات أكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية؛ نظرًا لعدم قدرتها على التكيف بسرعة مع هذه التغيرات المتعلقة بارتفاع وانخفاض درجة الحرارة، وتذبذب معدلات هطول الأمطار الموسمية.
اليمن بوصفه جزءًا من هذا العالم، يشهد زيادة في درجات الحرارة، وانخفاضًا في كميات الأمطار السنوية؛ الأمر الذي تسبّب بتدهور البيئة، والتأثير على نمو النباتات وتقليص مساحات توزيعها؛ ما يعني الإضرار بالتنوع البيولوجي للنباتات.
يؤثر تغير المناخ على النظم البيئية، بإحداثه تحولات في توزيع النباتات والحيوانات والمستوطنات البشرية، ومن ثمّ انتشار الأمراض والفيروسات، في ظل تراجع خدمات النظم الإيكولوجية.
تأثيرات تهدّد التنوع
أبو الفتوح أشار إلى الأثر المباشر الذي أحدثته هذه التغيرات، بالقول: "تلعب التغيرات المناخية دورًا هامًّا في تدهور التنوع البيولوجي، إذ يؤدي إلى تغيير النظم الإيكولوجية البحرية والبرية،مؤثرة بدورها على مصادر المياه العذبة، ومن ثَمّ فقدان الأنواع المحلية، وزيادة الأمراض، وصولًا إلى حالات من الموت الجماعي للنباتات والحيوانات على حدٍّ سواء، وإن كانت النباتات هي الأكثر تأثرًا".
في سياق متصل، أجبرت درجات الحرارة المرتفعة عالميًّا، الحيوانات والنباتات على الانتقال إلى ارتفاعات أعلى، فيما انتقل العديد منها نحو قطبَي الأرض، ما يشكّل خطرًا محدقًا -على المدى البعيد- على النظم البيئية، التي لن يتوقف خطرها عند قضية انقراض الأنواع الحية وحسب، بل قد يسرّع بنهاية الحياة على الكوكب بشكلٍ قد لا يتخيله حتى خيال أكثر المتشائمين على الأرض؛ وفقًا لأبو الفتوح.
مضيفًا: "كما يؤثر تغير المناخ على صحة النظم البيئية، عن طريق إحداث تحولات في توزيع النباتات والحيوانات وحتى المستوطنات البشرية، ومن ثم انتشار الأمراض والفيروسات، خاصة في ظل تراجع خدمات النظم الإيكولوجية، مثل فقدان الغذاء والدواء وسبل العيش التي توفرها الطبيعة".
اليمن في القلب من هذه التغيرات نتيجة اعتماد البلد الفقير مائيًّا، والوعر تضاريسيًّا على الأمطار الموسمية في الزراعة، بحسب الخبيرة في التغير المناخي، عُلا السقاف، التي أكّدت في حديث لـ"خيوط"، أنّ تغير المناخ له دور كبير في انتشار الأمراض، والزحف الصحراوي على الأراضي التي كانت لفترة قريبة صالحة للزراعة.
من جهته، يشير حاجب الحاجبي، الباحث في التغيرات المناخية والعلوم البيئية، وعضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء، في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّ زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون المتولد من التلوث الهائل الناتج عن أدخنة السيارات والمصانع واندلاع الحروب، وإجراء التجارب الكيميائية والنووية، كان له الأثر في ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتغُّير أنماط هطول الأمطار، إلى جانب حدوث الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والحرائق والعواصف.
التغير المناخي أثر على اختفاء بعض النباتات في مناطق، وظهور أخرى في مناطق جديدة، إذ ظهرت بعض نباتات المناطق الدافئة في المناطق الباردة.
بيئة ثرية بالموائل
تقدَّر أنواع النباتات على الأراضي البرية اليمنية بحوالي 3000 نوع، منها حوالي 10٪ مستوطنة، بحسب مدير عام وحدة التغيرات المناخية في الهيئة العامة لحماية البيئة، معين السواري، الذي تحدّث لـ"خيوط"، عن ميزات الغطاء النباتي في اليمن، قائلًا: "تتميز اليمن بحياة نباتية غنية ومتنوعة جدًّا، وذلك بحكم موقعها ومناخها المتنوع، اللذَين شكّلا بيئة ثرية بالموائل الطبيعية الملائمة لحياة الكثير من النباتات".
السواري دلل على التنوع النباتي في اليمن، بذلك الموجود في جزيرة سقطرى، التي أشارت الدراسات إلى أنّها تضمّ أكثر من 467 نوعًا من النباتات، تنتمي إلى 244 جنسًا وإلى 71 عائلة.
لكنه أكّد أنّ الجزيرة تحتوي بالفعل على 850 نوعًا نباتيًّا، منها 254 نوعًا مستوطنًا، كما أنّها تعدّ موطنًا لعشرة أجناس من بين ثمانية عشر جنسًا من النباتات النادرة والمهدّدة بالانقراض في الجزيرة العربية.
وأضاف السواري: "أشارت الاستراتيجية الوطنية للتنوع الحيوي والخطة التنفيذية للجمهورية اليمنية سنة 2004، إلى أنّ أغلب النباتات المستوطنة في البلاد تتركز في المناطق الجبلية، حيث تنتشر النباتات العصارية المصنفة ضمن عائلة اللبادية؛ بسبب ما توفره هذه المناطق من بيئة متنوعة وغنية لاستقرار هذه النباتات، خاصة خلال الفترات المناخية المتقلبة".
السواري أشار إلى أنّ اليمن يفتقر إلى بيانات دقيقة حول وضع النباتات النادرة والمعرضة للانقراض، لكنه أوضح أنّ الكتاب الأحمر الصادر عن الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) أدرج ثمانية أنواع مهدّدة بالانقراض، سبعة منها في سقطرى، إضافة إلى تهديد 19 نوعًا نادرًا.
من جهته، أشار شمس الدين نصر، مهتم بالبذور، إلى أنّ التغير المناخي أثّر على اختفاء بعض النباتات في مناطق، وظهور أخرى في مناطق جديدة، إذ ظهرت بعض نباتات المناطق الدافئة في المناطق الباردة، مبينًا أنّ أعدادًا كبيرة من شجرة الطلح كان ظهورها مقتصرًا على وادي حظير بقرية بلسان، مديرية يريم- محافظة إب، والآن تظهر في كثير من المناطق، بينما اختفت من الوادي نباتات كانت في المنطقة نفسها، مثل شجرة الفتح وشجرة العنقب.
نباتات سقطرية مهدَّدة
عبدالقادر الخراز، أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بكلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، تحدّث لـ"خيوط"، عن النباتات النادرة في أرخبيل سقطرى، قائلًا: "يواجه الغطاء النباتي في جزيرة سقطرى تحديات كبيرة تهدّد بانقراض عديدٍ من الأشجار والنباتات النادرة، على رأسها شجرة دم الأخوين؛ بسبب الأعاصير والفيضانات، مثل إعصار تشابالا، حيث طالت هذه الأعاصير الجزيرة بين العام 2015 والعام 2018، ما أدّى إلى تقلص مساحات غابات أشجار دم الأخوين، واقتلاع عديدٍ منها".
تصنَّف شجرة دم الأخوين، من الأشجار النادرة على مستوى العالم، وتم إدراجها ضمن قائمة الاتحاد الدولي لأنواع النباتات المهدَّدة بالانقراض، وأشار لها الباحث البريطاني، بيتر مارتيل في موقع ساينس إكس البريطاني، عام 2021، محذرًا من أنها قد تموت في غضون عقود قليلة؛ بسبب ضغط الأعاصير والاحتباس الحراري والجفاف والرعي الجائر، في الأرخبيل على مدار العقود الماضية.
سكان الجزيرة كانوا قد تحدثوا عن العواصف الشرسة التي تعرضت لها الجزيرة في ديكسام، على الهضبة العالية المحيطة بجبال الحجر، والممتدة على طول الجزيرة التي يبلغ طولها 130 كيلومترًا، وارتفاعها 1500 متر، حيث تتناثر الأشجار الميتة بسبب هذه الأعاصير، مثل دبابيس كرات البولينج؛ وفقًا لتعبير مارتيل.
وأشار مارتيل إلى أنّ أشجار اللبان مهدّدة أيضًا بالانقراض، حيث مزقت العواصف ما يربو على ثلثها في غابة حومهل في سقطرى خلال العقد الماضي، فيما أشارت إحدى الدراسات إلى أنّ عدد أشجار اللبان قد انخفض بنسبة 78% في هذه المنطقة بين عامَي 1956 و2017.
ومن بين الأنواع النباتية النادرة والمهدَّدة بالانقراض في الجزيرة: زهرة الصحراء السقطرية العدنية، التي تزهر على سفوح جبال سقطرى، بحسب ما ذكره الموقع الرسمي لمجلس الترويج السياحي في اليمن، إلى جانب نبات العشرق السقطري، المعروف أيضًا بالبنفسج الفارسي، الذي يعد النوعَ الوحيد في فصيلة القرعيات الذي ينمو على شكل شجرة، والأوركيد السقطري، الذي ينمو في ظل الغابات الجبلية على ارتفاع يتراوح ما بين 800 إلى 1000 متر، ويشغل مساحة محدودة للغاية، مما يزيد من خطورة انقراضه.
الجفاف والفيضانات وشحة الأمطار أثرت على أشجار الغابات إضافة إلى زحف الكثبان الرملية حول الوديان الخصبة في حضرموت والمهرة، التي كانت تسودها أشجار السلم والسدر والسمر.
نباتات نادرة انقرضت
الحاجبي سرد أسماء بعض النباتات التي انقرضت أو تلك المهدَّدة بالانقراض، قائلًا: "هناك العديد من النباتات التي انقرضت، مثل نبات الدراقونية (السوكوترية) وهو نبات عشبي مزهر طويل، يساعد على النوم، إلى جانب نبات ربض زهرة الربيع، والمرجان الأحمر، التي اختفت تمامًا من البيئة اليمنية".
على صعيد متصل، ذكر التقرير الوطني عن حالة الموارد الوراثية للغابات والأحراج في اليمن لسنة 2012، أنّ هناك أصناف عدة من النباتات التي باتت مهدّدة بالانقراض أو قد انقرضت بالفعل، تشمل هذه الأصناف ما يزيد على عشرين نوعًا.
كما أثر الجفاف والفيضانات وشحة الأمطار في كلٍّ من المهرة وحضرموت وشبوة، على أشجار الغابات مثل: الأثل، الحبض، المشط، السدر، الهلج، الخدش. إضافة إلى زحف الكثبان الرملية حول الوديان الخصبة في حضرموت والمهرة، التي كانت تسودها أشجار السلم والسدر والسمر.
إلى جانب التأثير بشكل سلبي على إنتاج المحاصيل في البلاد، بحسب تأكيد دراسة عن تأثير التغير المناخي على التنمية البشرية في اليمن للعام 2023، أعدّها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات دولية أخرى، أشارت إلى أنّ ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدّي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل في اليمن بنسبة تصل إلى 27%.
مستوطنات جديدة للآفات
أبو الفتوح، أشار إلى أسباب أخرى لتدهور الحياة الطبيعية في اليمن، بقوله: "نفقد كل سنة نسبة تصل إلى 40% من المحاصيل الغذائية؛ بسبب الآفات والأمراض النباتية، مما يلحق أضرارًا كبيرة بالدخل، خاصة في المجتمعات الفقيرة التي تعتمد على الزراعة مصدرًا رئيسًا لكسب لقمة عيشها".
ويضيف: "لا تعترف الآفات والأمراض النباتية بحدود الدول، إذ تنتقل إلى مناطق جديدة وقد تستوطن فيها، فيما يعمل المناخ المتغير على مفاقمة هذا التفشي، بسبب توليده لظروفٍ مواتية لمضاعفة هذه الآفات، وتوسيع نطاق انتشارها".
ويضرب أبو الفتوح مثالًا على هذه الأمراض، قائلًا: "انتشرت في العقد الأخير أمراض عديدة، مثل: سوسة النخيل الحمراء، ودودة الحشد الخريفية، وذبابة الفاكهة، والجراد الصحراوي، ومثقاب الدردار الزمردي، واللفحة المتأخرة للبطاطس الذي يهاجم البطاطس والطماطم، وصدأ شجرة البن، وذبول الموز بسبب مرض فطري، وآفة زيليلا فاستيديوسا، والبياض الزغبي في العنب، وهذا الأمر يشكّل تهديدًا كبيرًا للبيئة".
التصحر تحدٍّ إضافي
من جانبه، تطرق مدير عام الغابات ومكافحة التصحر بوزارة الزراعة والري في عدن، فاروق طالب، في حديث لـ"خيوط"، إلى مشكل آخر تسبّبت في تقهقر الغطاء النباتي، وموت أنواعٍ عديدة من النباتات، وهو التصحر، حيث أكّد أنّ التغير المناخي أدّى إلى زيادة التصحر في اليمن من 8.8% عام 2015 إلى 15.5% عام 2020؛ بسبب زيادة وتيرة الجفاف في اليمن، وارتفاع المعدل السنوي لدرجة الحرارة إلى 0.06 درجة سنويًّا.
جديرٌ بالذكر، أنّ باحثين في أنحاء العالم قضوا نحو عشر سنوات في تجميع قاعدة بيانات تتضمن 20 مليون سجل رصد لوجود الأنواع النباتية.
وجد الباحثون أنّ هناك حوالي 435 ألف نوع فريد من النباتات البرية على كوكب الأرض، وأنّ جزءًا كبيرًا منها، بنسبة 36.5% بحوالي 158535 نوعًا، يمكن اعتبارها (نادرة للغاية)، ممّا يعني أنها لم تتم ملاحظتها وتسجيلها في أي مكان في العالم إلا خمس مرات. كما تم ملاحظة 28.3٪ من نباتات العالم، أو 123149 نوعًا، تم ملاحظتها ثلاث فقط أو أقل، وفقًا للدراسة.
ووجد فريق البحث أنّ الأنواع النادرة تتجمع في عدد قليل من النقاط الساخنة النادرة، وأنّ ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرات استخدام الأراضي البشرية تؤثر بالفعل بشكل غير متناسب على المناطق التي تُؤوِي معظم هذه الأنواع النباتية.