دفع الصحفيون اليمنيون ثمنًا باهظًا لمجرد قيامهم بنشاطهم الإعلامي، حيث تستمر حملات الترويع ومحاولات تكميم الأفواه من قبل الأطراف المتنازعة في اليمن منذ اندلاع الصراع المسلح أواخر العام 2014، واشتدّت هذه التحديات، وخاصة منذ منتصف عام 2024، مع تصاعد أعمال القمع والاضطهاد، إذ يتعرض الصحفيون بصورة ممنهجة للاحتجاز التعسفي والتعذيب والتخويف والتهديد بالقتل والملاحقة القضائية، تزامن تصعيد استهداف الصحفيين مع تحريض علني ضدهم من وسائل إعلام موالية لأطراف الحرب.
تحت مجهر الأطراف
الاستهداف المباشر للصحفيين ينتهك القانون الإنساني الدولي، الذي يهدف أيضًا إلى حماية أولئك الذين يناضلون من أجل حرية التعبير وتحقيق العدالة في المجتمعات. وعلى الرغم من وجود قوانين محلية ودولية توفر الحماية للصحفيين في اليمن، فإن إنفاذ هذه القوانين يبدو منعدمًا في مناخ يسوده الخوف والفوضى وعدم اليقين. حيث يجد الصحفيون أنفسهم تحت مجهر مختلف الأطراف المتحاربة، ويواجهون إجراءات صارمة تحد من القيام بأعمالهم بحرية. فيما أن الطبيعة الحساسة لعملهم، مثل كشف الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، جعلتهم أهدافًا رئيسية للقمع، وتشمل هذه الأفعال القمعية أيضًا مصادرة المقتنيات وإغلاق المكاتب الإعلامية. وفي ظل أجواء مليئة بالمعلومات المضللة والدعاية الحربية، غالبًا ما تصبح الحقيقة الضحية الأولى للحرب، مما يزيد من تعقيد دور الصحفيين في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ اليمن.
يتعرض الصحفيون اليمنيون لمجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي فترات زمنية طويلة، والتعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة المسيئة والمضايقة. حيث يلوح في الأفق دائمًا خطر الاختطاف أو المزيد من الأعمال الانتقامية العنيفة، مثل محاولات الاغتيال، والمحاكمات بتهم تجسس ملفقة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يغطون قضايا الفساد أو ينتقدون انتهاكات الأطراف المتحاربة.
وكما أنّ الفضاء العام أضحى مزريًا؛ فقد أصبح التحريض العام ضد الصحفيين شائعًا بشكل متزايد، مما يجعل هذه المهنة واحدةً من أخطر المهن في اليمن. وفي خضم هذه الاضطرابات، تدهور الوضع الاقتصادي للصحفيين، ويعاني الكثيرون منهم من انقطاع الرواتب وظروف معيشية سيئة، الأمر الذي لا يؤثر فقط على مكانتهم الاجتماعية بل يعيق قدرتهم على تقديم المواد الصحفية بطريقة فعّالة.
تصاعد الانتهاكات
أفادت نقابة الصحفيين اليمنيين عن 30 انتهاكًا مروعًا لحريات الإعلام في الربع الثالث من هذا العام (2024) فقط، حيث كانت جماعة الحوثي مسؤولة عن أكثر من 70٪ من هذه الانتهاكات. فيما ارتكبت الحكومة المعترف بها دوليًّا وحلفاؤها، تسع حالات انتهاك بنسبة 30%.
وضع الصحفيين في اليمن حرج؛ فقد اتضح أكثر فأكثر الخطرُ المحدق بهم، حيث يخضعون لرقابة مشددة من الأطراف المتصارعة، ويتعرضون لعواقب وخيمة على نشاطهم الإعلامي، سواء على المستوى المهني أو على منصات التواصل. وبينما يعيش الصحفيون في مشهد محفوف بالمخاطر، فإن التزامهم بكشف الحقيقة ثابت، غير أن الاستهداف والاضطهاد المستمر للصحفيين يقوض حرية الإعلام، ويهدّد أيضًا نسيج المجتمع المدني ذاته.
في المناطق التي يسيطر عليها جماعة الحوثي (أنصار الله) المدعومة من إيران، تصاعدت حملات الاعتقال التعسفي ضد الصحفيين وناشطِي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توجد قيودٌ إضافية تفرضها الأجهزة الأمنية، كجهاز الأمن والمخابرات، مما يزيد من تعقيد قدرتهم على العمل بحرية. حيث تتحمل الجماعة المسؤولية عن حملة اعتقالات غير مبررة طالت العديد من الأفراد، بما في ذلك الصحافيون لاحتفالهم بحلول ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962. وظهرت تقارير في 25 سبتمبر/ أيلول، عن اختطاف الصحافيين: عبده مسعود المداني في صنعاء، ومحمد السحباني في تعز، وكلاهما مستهدف بسبب منشوراتهما على مواقع التواصل الاجتماعي. إلى جانب الناشطة الإعلامية سحر الخولاني، والصحفيين: محمد دبوان المياحي، وفؤاد النهاري، وعبدالرحمن البيضاني، ومحمد اليفاعي، وعلي الصريمي، وأحمد العشاري، وعبدالوهاب الحراسي، وسعد الحيمي، وكلهم احتُجِزوا على خلفية نشاطهم الصحفي وفي ظروف اعتقال سيئة وتعسفية. فيما لا يزال الصحفي فهد الأرحبي محتجزًا تعسفيًّا منذ 21 أغسطس/ آب الماضي.
في تطور أخير مثير للقلق في مناطق سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا، كشفت منظمة سام للحقوق والحريات أنّ المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب في عدن، صنّفت في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، سبعة صحافيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، بكونهم فارّين من العدالة بتهم ملفقة تتعلق بالتورط في أنشطة إجرامية. فيما حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في عدن على الصحفي أحمد ماهر، بالسجن فترات طويلة في ظروف احتجاز مشكوك فيها، مما دفع منظمات مثل مراسلون بلا حدود، إلى الدعوة إلى إجراء تحقيقات مستقلة.
وفي أكتوبر أيضًا، تم اعتقال الصحفي محمد عبدالوهاب اليزيدي، في عدن بناءً على توجيهات عضو مجلس القيادة الرئاسي، فرج البحسني، على خلفيات منشورات قديمة حينما كان الأخير محافظًا لحضرموت. وعلى نحو مماثل، وجهت وزارة الداخلية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، باعتقال الصحفي صبري بن مخاشن، وعلاوة على ذلك، تم احتجاز الصحفي صالح العبيدي من قبل مسلحين من إدارة أمن عدن، في حين ما زال الصحفي فهمي العليمي يواجه أيضًا اعتقالًا تعسفيًّا من قبل قوات الحزام الأمني، وتسلط الاعتقالات التعسفية للصحفيين في عدن الضوءَ على مناخ التوتر السائد. كما تم احتجاز الصحفي مجلي الصمدي في تعز تعسفيًّا، ليتم إطلاق سراحه لاحقًا.
إنّ وضع الصحفيين في اليمن حرج. فقد اتضح أكثر فأكثر الخطر المحدق بهم، حيث يخضعون لرقابة مشدّدة من قبل الأطراف المتصارعة، ويتعرضون لعواقب وخيمة على نشاطهم الإعلامي، سواء على المستوى المهني أو على منصات التواصل. وبينما يعيش الصحفيون في مشهد محفوف بالمخاطر، فإن التزامهم بكشف الحقيقة ثابت، غير أن الاستهداف والاضطهاد المستمر للصحفيين يقوض حرية الإعلام، ويهدد أيضًا نسيج المجتمع المدني ذاته، وهذا القمع الممنهج يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني والقوانين السارية اليمنية التي توفر حماية كافية للصحفيين.
وفي بلد تزدهر فيها المعلومات المضللة، أصبح عمل الصحفيين أكثر أهمية من أي وقت مضى. فهم يلعبون دورًا حيويًّا في محاسبة السلطة وتوفير صوت للمهمشين. ومن الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات صارمة، ويدافع عن سلامة الصحفيين، ويضمن احترام حقوقهم ويعمل على إطلاق سراحهم. ومن خلال الجهود الجماعية فقط، يمكننا أن نأمل في استعادة حرية الصحافة في اليمن، وحماية أولئك الذين يسعون بشجاعة إلى قول الحقيقة في مواجهة أطراف الحرب.