ضابط البحرية الذي عشق التاريخ

تفوق على أقرانه من الأدباء والكتّاب
خيوط
May 23, 2022

ضابط البحرية الذي عشق التاريخ

تفوق على أقرانه من الأدباء والكتّاب
خيوط
May 23, 2022

عند الحديث عن الكاتب والمؤرخ يحيى محمد جحاف، فلا بد أن تكون سبّاحًا ماهرًا لتتمكن من الغوص في بحر هذا المحيط الواسع والعميق الأغوار.

وُلد بمديرية وشحة التابعة لمحافظة حجة عام 1961، وتعلم القراءة والكتابة في أحد كتاتيبها، ودرس الصفوف النهائية للمرحلة الابتدائية (الصف السادس)، في مدرسة النور بمدينة حجة، فيما درس الإعدادية في صنعاء.

يؤكد عادل راجح شلي،  وكيل محافظة حجة لشؤون الاعلام والثقافة، لـ"خيوط"، أن ظروف الحياة دفعت جحاف للعمل مبكرًا والجمع بين الشغل والدراسة، كما أشار إلى ذلك في روايته "القادم من الشمال"(1). ويقول شلي: "كان رجلًا عصاميًّا صاحب همة عالية وإرادة قوية، فعندما اكتشف ميوله الأدبية وحبه للكتابة والتأليف ترك المجال العسكري وتفرغ للكتابة والبحث والتوثيق، وذلك من منتصف التسعينيات، وقد لاقى مشقة كبيرة في البداية ولكن إرادته الحرة وعزمه الذي لا يلين، وشغفه بالتراث والتاريخ، مكّناه من تجاوز كل الصعاب وامتلاك المهارات الأساسية للباحث في مجال التاريخ والتراث من جمع للبيانات وتوثيقها والمقارنة والتحليل والصياغة والترتيب والتبويب والطباعة والصف والإخراج ومهارات الباحث والمؤرخ الحصيف حتى تمكن من إتقانها.

كما ساهمت معايشته للحراك السياسي، الذي كانت تموج به العاصمة صنعاء في منتصف سبعينيات القرن الماضي، في تشكيل وعيه مبكرًا، وتعرف على مختلف التيارات الفكرية والسياسية.

أدرك جحاف، بحسب ما ذكر في رواية "القادم من الشمال"، أن ما تعانيه اليمن يكمن في غياب المشروع اليمني الأصيل؛ وذلك بسبب جهل اليمنيين بهويتهم وتاريخهم، الأمر الذي أفضى إلى اغترابهم عن ذاتهم وهويتهم، وأصبح حالهم كالسفينة التي تتقاذفها الرياح القادمة من الشرق والغرب.

وتحت ضغط هذه الغيبوبة والاغتراب، تمكن من بلورة مشروعه الفكري، ويمم وجهه صوب التاريخ والتراث وانطلق كالسهم نحو هدفه.

في كتابه القيم "الأسواق الشعبية في اليمن"(7)، انتقل الباحث والمؤرخ إلى التوثيق للجانب الاقتصادي لأهميته في مشروعه التنويري، موثقًا للأسواق وطرق بنائها وإدارتها وقوانين التجارة في الدول اليمنية القديمة، ودور التجارة في ازدهار الحضارة اليمنية، ووثق للأسواق الدائمة والموسمية والأسبوعية في مختلف محافظات اليمن.

حسب شلي: "كانت البداية باستنهاض الهمم وبعثها من أجداث الغياب، وبدأ بنفسه وأسرته، وكان كتاب "تاريخ وأعلام الأشراف آل جحاف العيانيين"، أول ثمار بحثه وتأليفه ومشروعه، وجمع فيه أشهر وألمع رجالات هذه الأسرة ودورهم السياسي وإسهاماتهم العلمية والأدبية(2).

ثم انتقل من الذات إلى البيئة التي احتضنتها، فكان كتابه الموسوعي "حجة؛ معالم وأعلام"، هو ثمرته الأطيب والأزكى، والذي أرّخ فيه لأعلام ومعالم هذه المحافظة حجة، التي غيبت رياح التغريب ذاتها وطمست ذاكرتها.

فكان كتاب "حجة؛ معالم وأعلام" فتحًا واسعًا انتقل فيه المؤرخ يحيى محمد جحاف من الذات إلى العالم، وتكاملت فيه مهاراته وتجلت فيه قدراته ومهاراته البحثية، حيث جمع فيه بين أعلام الماضي والحاضر والتقى بالكثير من الشخصيات التي كان لها دور كبير وفاعل في الأحداث المعاصرة، ووثّق لها بشكل مباشر وحصل على المعلومات من مصادرها، وتجلت في كتاب حجة؛ معالم وأعلام، طاقته الهائلة حيث زار الكثير من المديريات ليقابل أعلامها ويوثق لمعالمها(3).

ملامسة روح المجتمع 

كان جحاف كلما وصل إلى منطقة شاهد سعة وثراء معالمها التاريخية، فيتحول التعب والإرهاق إلى سعادة وغبطة، وأمام ما تعرضت له المعالم التاريخية من الطمس والتشويه والتخريب يشعر بأهمية مسؤوليته التاريخية في التوثيق، فيسابق الزمن لينشر عنها حتى يدرك أبناؤها أهميتها ويستشعروا مع الجهات الرسمية واجبهم ودورهم في الحفاظ عليها.

وكانت مكافأته على التعب والعناء والمشقة وكل ما كابده في رحلة جمع وتوثيق معالم وأعلام محافظة حجة، وهو يجول بين مديرياتها المترامية الأطراف- أن استمع إلى الأهازيج والزوامل والأناشيد في مواسم الحصاد والأعياد والمناسبات المختلفة، فكانت تهون عليه مشقة البحث، وأصبحت مصدر سلوته وراحته، فجمع منها الكثير وأخرجها في كتابيه: كتاب "الأدب الشعبي بمحافظة حجة"(4)، وكتاب "العادات والتقاليد"(5).

وقد لامس كتابا "الأدب الشعبي" و"العادات والتقاليد"، الروحَ الندية والجميلة للمجتمع، ولهذا انتشرا بشكل واسع تجاوز اليمن للعالم العربي، وكان لهما أثرٌ كبير.

وفيهما تمكن الباحث والمؤرخ يحيى محمد جحاف من إحداث نقلة واسعة في مشروعه، انتقل به من التوثيق للمعالم والأعلام الفاعلين في الأحداث التاريخية إلى التوثيق للوجدان الشعبي للمجتمع وذاكرته الجمعية عبر التوثيق للحِكَم والأمثال المشهورة، وزوامل الحرب، وأغاني ومواويل الزراعة والرعي ومختلف الأنشطة التي يمارسها الناس، وأناشيد الأفراح والأحزان.

وحاول جحاف من خلال كتاب "ليلة مقمرة"(6)، أن يجرب مهارته في الكتابة الأدبية، ويمارس هواية الكتابة الأدبية ليسرح بمخيلته وأسلوبه وقلبه ويَرَاعه وروحه في الأفق الفسيح، بعيدًا عن قيود التوثيق ومهنية الباحث والمؤرخ.

ويستعرض في كتاب "آراء ومواقف"، آراءه ومواقفه السياسية والفكرية من مجمل القضايا والأحداث التي مر بها اليمن من مطلع الألفية الثالثة. ومن خلاله تمكن من القيام بنزهة ذهنية بعيدًا عن قيود التوثيق ولوازمه.

مشروع الانطلاق

في كتابه القيّم "الأسواق الشعبية في اليمن"(7)، انتقل الباحث والمؤرخ إلى التوثيق للجانب الاقتصادي لأهميته في مشروعه التنويري موثقًا للأسواق وطرق بنائها وإدارتها وقوانين التجارة في الدول اليمنية القديمة، ودور التجارة في ازدهار الحضارة اليمنية، ووثق للأسواق الدائمة والموسمية والأسبوعية في مختلف محافظات اليمن. ودور القوانين والعادات والتقاليد والأعراف والأسلاف القبلية في حماية الأسواق والبضائع والتجار. 

ويرى شلي أن كتاب "الأسواق الشعبية في اليمن" يُعتبر دُرّة فريدة ورافدًا مهمًّا للباحثين والمهتمين، وسوف يسهم بدور كبير في تسليط الضوء على البعد الاقتصادي المغيب عن الناس رغم دوره العظيم في نهضة الشعوب والمجتمعات، وخطر عدم الاهتمام به عليها(7).

مما سبق يتضح محددات المشروع الكبير للكاتب والمؤرخ يحيى محمد جحاف، والذي انطلق فيه من الذات إلى العالم، بداية بالبيئة الأولى للذات، وهي مهد البداية والسكن ثم إلى الوطن الكبير، ومن التوثيق للمعالم والأعلام الفاعلة في الأحداث السياسية والعسكرية إلى التوثيق للوجدان الجمعي للمجتمع بكل مكوناته.

هوامش:

1ـ رواية القادم من الشمال، (قيد الطبع).

2ـ تاريخ وأعلام الأشراف آل جحاف العيانيين، مركز عبادي للدراسات والنشر – صنعاء، 2010.

3ـ حجة؛ معالم وأعلام، مكتبة خالد للطباعة والنشر - صنعاء، 2013.

4ـ الأدب الشعبي، الصادر عام 2014، عن مؤسسة حجة الثقافية.

5ـ العادات والتقاليد، الصادر عام 2015.

6ـ ليلة مقمرة (مجموعة قصصية)، صادرة عام 2015، عن مؤسسة حجة الثقافية. 

7ـ الأسواق الشعبية، صادر عام 2018.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English