تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحديث ثورةً حقيقية على مستوى نقل واستهلاك الأخبار. بفضل هذه المنصات، أصبح بإمكان ملايين الأشخاص حول العالم الوصول إلى المعلومات بنقرة واحدة. ومع ذلك، فإن هذه السهولة تأتي بتحديات كبيرة؛ أبرزها انتشار الأخبار المضللة.
من بين هذه المنصات، تبرز منصة "إكس" -تويتر سابقًا- واحدةً من أهم الوسائل التي يتم من خلالها نشر الأخبار الكاذبة، ممّا يؤثر سلبًا على المستخدمين والمجتمع بشكل عام.
منصة "إكس" اكتسبت شهرة كبيرة بسبب سهولة استخدامها وسرعة نشر المعلومات عبرها. لكن هذه المزايا نفسها جعلتها ساحة خصبة لنشر المعلومات غير الصحيحة. يمكن للمستخدمين نشر ومشاركة محتوى دون تحقق من صحته، مما يجعل من الصعب على الآخرين التمييز بين الحقيقة والزيف.
في السنوات الأخيرة، رأينا أمثلة عديدة على كيفية استخدام منصة "إكس" لنشر الشائعات والأخبار الزائفة التي لا تستند إلى مصادر موثوقة.
يكمن جزءٌ من المشكلة في سهولة نشر أي محتوى دون الحاجة إلى تحقق من صحته أو دقته. ومع زيادة حجم المحتوى المتداول على المنصة، يصبح من الصعب على المستخدمين التمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة.
في سبتمبر/ أيلول 2023، صدر تقرير عن تحالف العمل المناخي ضد المعلومات المضللة (CAAD) لتقييم سياسات الإشراف على المحتوى والجهود المبذولة من أجل الحدّ من انتشار المعلومات غير الدقيقة المتعلقة بالتغير المناخي في خمس منصات من منصات التواصل الاجتماعي، منها: "ميتا"، "يوتيوب"، "تيك توك"، "بينترست"، و"إكس" (تويتر سابقًا).
أظهرت نتائج التقرير أنّ منصة "إكس" كانت الأسوأ بين المنصات الخمس، حيث حصلت على نقطة واحدة من أصل 21 نقطة محتملة عند تقييم سياساتها لمحاربة المعلومات المضللة. يعود السبب في هذا التصنيف المنخفض إلى افتقار المنصة إلى سياسات واضحة لمعالجة المعلومات المضللة المتعلقة بالمناخ، وعدم وجود آليات جوهرية للشفافية العامة.
تُستخدم الشائعات والمعلومات المضللة لخلق حالة من الفوضى والتشويش حول أطراف النزاع، سواء كانوا داخليين أو خارجيين، وكذلك تجاه القوى المدنية، بهدف توليد حالة من الضبابية والتعتيم الإعلامي. في بعض الحالات، يتم توجيه الشائعات بشكل مباشر نحو المجتمع لزرع القلق والبلبلة، خصوصًا خلال فترات الأزمات مثل الحروب أو الكوارث.
كما أعلن تييري بروتون، المفوّض للاتحاد الأوروبي في ديسمبر/ أيلول 2023، بشكل رسمي، الاشتباهَ في منصة إكس (تويتر سابقًا)، في عدة مجالات، منها ما يختص بقواعد مكافحة المضمون المنافي للقوانين، والمعلومات المضللة، وقال إنّ الاتحاد الأوروبي فتح رسميًّا تحقيقًا ضد المنصة للاشتباه في خرقها موادًّا من قانون الاتحاد الأوروبي 2022/2065، المتعلق بالخدمات الرقمية، مضيفًا أنّه يتوقّع من (ماسك) أن يتأكّد من فاعلية أنظمته، وأنّ عليه أن يُطلع فريقه على تدابير للأزمة التي ساهمت بها المنصة. وأشار بروتون إلى أن المنصة قد تتعرض لعقوبات إذا ما فُتح تحقيق ضدّها وأثبت عدم امتثالها لقانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي.
وقد ردّ إيلون ماسك، مالك المنصة، قائلًا إنّ سياسة المنصة تتمثل في أنّ كل شيء مفتوح المصدر وشفّاف، وأنّ هذه المقاربة يدعمها الاتحاد الأوروبي. وطالَب ماسك في منشور له، بروتون، بذكر الانتهاكات التي يلمّح إليها كي يطلّع عليها الرأي العام.
وثائق مزوّرة
إن ما يساهم أيضًا في جعل منصة أكس وسيلة خطرة لمشاركة وترويج المعلومات المضللة أنّها حوّلت علامة التوثيق القديمة إلى خدمة مدفوعة منذ أبريل/ نيسان 2023 –ولم تعد تأخذ بعين الاعتبار شهرة المستخدمين أو نشاطهم أو أصالة محتواهم– وهو ما صعّب إمكانية تمييز المصادر الموثوقة عن منتحلي الشخصيات والحسابات، وجعل المستخدمين يصدقون ويثقون في هذه الحسابات، وما تقوم بنشره من خطابات أو وثائق أو معلومات، حيث تقوم هذه الحسابات باستغلال حصولها على علامة التوثيق، ونشر وثائق مرفقة بتوقيعات وأختام تكاد تكون مطابقة للأصلية الصادرة عن الجهات الرسمية. هذا التطابق الدقيق يؤدّي إلى حالة من الارتباك والتشويش لدى المتلقين، الذين يجدون صعوبة في التمييز بين الصحيح والمزيف.
تستغل حملات التضليل هذه نشر الوثائق المزوّرة، وذلك من أجل الترويج لأجندات مضللة عبر تضمين معلومات مغلوطة.
وتُعدّ الوثائق والخطابات المزوّرة من أكثر وسائل التضليل فاعلية؛ بسبب صعوبة كشف التزييف فيها. غالبًا ما تتضمن هذه الوثائق قرارات أو بيانات تتعلق بالأحداث الجارية، مما يجعلها تبدو حقيقية للغاية، ويساهم في انتشارها بسرعة بين الجمهور. بالإضافة إلى أن هذه الوثائق قد تُستغل في دعم ادعاءات مضللة أو نشر شائعات تهدف إلى تشكيل الرأي العام بطرق معينة تخدم أجندات محددة.
يترتب على ترويج الأخبار المضللة على منصة إكس مجموعةٌ واسعة من التأثيرات السلبية، فمع عملية التزايد السريع لعدد المستخدمين، يتعرّض المجتمع لمخاطر جديدة من الانقسام وفقدان الثقة في الأخبار. وفقًا لدراسة جديدة، يشعر أكثر من 85% من الأشخاص بالقلق، بشأن تأثير المعلومات المضللة عبر الإنترنت، ويعتقد 87% أنها أضرت بالفعل، بسياسة بلادهم.
ويقول ماتيو غالارد من شركة إبسوس: "يشعر الناس بقلق بالغ إزاء المعلومات المضللة، في كل بلد وفي كل فئة اجتماعية"، مضيفًا: "يريدون من جميع الجهات الفاعلة محاربتها".
بين الحقيقي والمزيف
هناك ما يجب على منصة إكس أن تفعله للحد من انتشار الأخبار المضللة، من خلال تحسين نظام الرقابة على المحتوى، وتطوير تقنيات التحقق الموثوقة والموجودة من أجل التأكد من صحة المعلومات المنشورة قبل ذيوعها. علاوة على ذلك، ينبغي أن تعزز منصة إكس التوعية والتثقيف بين مستخدميها حول أهمية التحقق من الأخبار وعدم التداول العشوائي لما ليس موثوقًا من المعلومات.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، كشفت اليونسكو عن خطة تهدف إلى تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي. وقالت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي: "لقد أفسح العالم الرقمي المجال أمام إحراز تقدم على صعيد حرية التعبير، إلا أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت من جانبها في تسريع وزيادة انتشار المعلومات الزائفة وخطاب الكراهية، مما شكَّل خطرًا كبيرًا على الحياة في المجتمع والسلام والاستقرار. ولكي نحمي إمكانية الانتفاع بالمعلومات، علينا تنظيم عمل هذه المنصات من دون تأخير، مع حماية حرية التعبير وحقوق الإنسان".
إن التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ساهم في إنشاء محتوى مزيف يبدو حقيقيًّا بشكل مقلق. يتم استخدام تقنيات، مثل توليد النصوص والصور والفيديوهات المزيفة، والمعروفة باسم التزييف العميق (Deepfake) لتضليل الجمهور بنجاح. هذه التقنيات تسمح بنشر وثائق مرفقة بتوقيعات وأختام تكاد تكون مطابقة للأصلية الصادرة عن الجهات الرسمية، مما يجعل من الصعب على الأفراد التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف.
تُستخدم الشائعات والمعلومات المضللة لخلق حالة من الفوضى والتشويش حول أطراف النزاع، سواء كانوا داخليين أو خارجيين، وكذلك تجاه القوى المدنية، بهدف توليد حالة من الضبابية والتعتيم الإعلامي. في بعض الحالات، يتم توجيه الشائعات بشكل مباشر نحو المجتمع لزرع القلق والبلبلة، خصوصًا خلال فترات الأزمات مثل الحروب أو الكوارث. في مثل هذه الظروف، يكون المجتمع أكثر عرضة لتصديق الشائعات بسبب ارتفاع مستوى القلق وعدم اليقين.
حسابات مزورة
يمكن أن تكون الأخبار المضللة قوية بشكل خاص، عندما يتم استخدامها للتأثير على الرأي العام خلال الأحداث المهمة، مثل الانتخابات أو الأزمات الصحية.
لقد شهدنا كيف يمكن لهذه الأخبار أن تغير مسار النقاش العام، وتؤثر على القرارات الفردية والجماعية. كما يمكن أن يصبح المجتمع أكثر عرضة لتصديق الأخبار المزيفة أثناء الأزمات، مثل النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، كالأعاصير والفيضانات والزلازل؛ بسبب ارتفاع مستوى القلق وعدم اليقين.
يجري استغلال منصات التواصل لظهور أشخاص غير متخصصين كخبراء في مجال المناخ، يقومون بالترويج لإفادات وأقوال مضلّلة حول التغير المناخي، بينما لا يمتلكون خلفيات علمية أو أكاديمية تمت بصلة إلى علوم المناخ، ومع ذلك يقدّمون أنفسهم كمصادر موثوقة على "إكس"، ويتم تضخيم آرائهم لزيادة التأثير على الجمهور.
على سبيل المثال، خلال حرب غزة الأخيرة، انتشرت مئات الصور والقصص المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة "إكس". هذه المعلومات المزيفة شملت صورًا مضللة، حول الضحايا، وتزييف الروايات، ونشر مقطع فيديو أو صورة من حدث قديم والتظاهر بأنه حدث جديد، وحسابات مزيفة يتم تغيير أسمائها كل فترة بحسب الأحداث الجارية؛ مما يجعل المنصات المعنية بالتحقق من صحة الأخبار تقف أمام تحدٍّ كبير، حيث يُلقى عليها عبء تعزيز مستوى المصداقية وفضح الأخبار الكاذبة والحسابات المزورة. في هذا السياق، رصدت منصة صدق اليمنية مؤخرًا، مجموعة من الحسابات المزيفة التي يديرها القيادي الحوثي عبدالسلام جحاف.
وعقب إعلان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، يوم 31 يوليو/ حزيران، ظهرت حسابات مزيفة بأسماء بناته، كان أبرزُها حسابًا يحمل اسم "لطيفة إسماعيل هنية"، ويضم أكثر من 30 ألف متابع. قامت منصة صدق اليمنية ومنصات أخرى بالتحقق لكشف حقيقة هذا الحساب، وتبيّن أن أغلبها حسابات يمنية يتم تغيير اسمها ومعرفها باستمرار.
هذا التحدي المستمر الذي تواجهه المنصات المختصة بالتحقق من الأخبار، يُبرِز أهمية الجهود المبذولة لمكافحة التضليل الإعلامي، خاصة في ظل انتشار الحسابات المزيفة، التي تستغل الأحداث الجارية لتحقيق أهداف مشبوهة.
أيضًا يجري استغلال منصات التواصل الاجتماعي لظهور أشخاص غير متخصصين كخبراء في مجال المناخ، يقومون بالترويج لإفادات وأقوال مضللة حول التغير المناخي، بينما لا يمتلكون خلفيات علمية أو أكاديمية تمت بصلة إلى علوم المناخ، ومع ذلك يقدّمون أنفسهم كمصادر موثوقة على "إكس"، ويتم تضخيم آرائهم لزيادة التأثير على الجمهور.
إنّ تحدّي الكشف عن المحتوى المزيف، يبقى كبيرًا في مواجهة الكميات الهائلة من المعلومات التي يتم تداولها يوميًّا.
ومن هذا المنطلق، فإن التعاون بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والشركات التكنولوجية، يعتبر أمرًا حيويًّا لتطوير استراتيجيات فعّالة لمكافحة التضليل، حتى يتمكن الجمهور من الحصول على معلومات صحيحة وموثوقة، والعمل على مشاركة البيانات والمعلومات بانتظام على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال القنوات الرسمية، إدراكًا لخطورة المعلومات المضللة وسرعة انتشارها.
يتحتم على الجميع تبنّي سلوكيات مسؤولة عند نشر المعلومات عبر الإنترنت، وضرورة زيادة الوعي بأهمية التحقق والتأكد من صحة المعلومة قبل مشاركتها. ما سبق يساهم في بناء مجتمع رقمي أكثر أمانًا ومسؤولية، بحيث يمكن للجميع الاعتماد على البيانات الصحيحة، وتجنب الخدع والأكاذيب.