تبدو عليهن جدية إتقان وصرامة وهن يحكنَ بأناملهن سعفَ النخيل، يحبكنه متراصًّا بعضه بجوار بعض، تلك هي مهنة الخزف التي لا تزال حتى اللحظة، تمتهنها الأربعينية منى سكران، وغيرها من النساء، في مناطق محافظة لحج (جنوب اليمن).
تكابد منى سكران، وهي من سكان مدينة الحوطة في لحج، ساعات في سبيل إنجاز بعض المشاجب والعرائس والمكانس، في منزلها، ومن ثم بيعها لتوفير بعضٍ من احتياجات أسرتها.
تسير منى على خُطَى والدتها التي كانت تعمل في صناعة المشاجب والحصير والمكانس، وتعلمت منها هذه المهنة منذ ما يزيد على 30 عامًا. وهي تقوم بالعمل في هذه المهنة وتَعُدّها طوق النجاة الوحيد لمجابهة الفقر وتخفيف أعباء معيشة الأسرة، التي تزداد صعوبة في ظل الغلاء المستشري في البلاد.
وتوضح سكران لـ"خيوط"، أنّ الإقبال على منتجات الخوص لا يزال موجودًا من كثير من الزبائن الذين يطلبونها في الحوطة أو ضواحيها، لكن الإشكالية تكمن في جلب سعف النخيل، الذي ارتفعت أسعاره، حيث يتم بيعه في منطقة الحمراء، ويتراوح سعر الشَّدة بين 4000 و5000 ريال، بعد أن كان سابقًا يتراوح بين 2500 و3000 ريال، نتيجة الغلاء الذي طال جميع مناحي الحياة، وهذا يحد من صعوبة الإنجاز اليومي لهذه المنتجات.
تصنع منى أشكالًا عدة من الخوص، منها المشاجب والجعب والمراوح اليدوية وقلادات للسيارات و"مسارف"، وكلما كان نوع المصنوع صغيرًا، طال شغله وأخذ وقتًا أطول.
لا تنوي نورا التوقف عن هذه المهنة رغم متاعبها، فقد باتت سندها، في ظل شحة راتب زوجها المتقاعد، البالغ 28 ألف ريال. وهي تنجز وفقًا للطلبات التي تصلها من بعض الأسر للحصول على بعض هذه المصنوعات، إلى جانب قيامها بتسويق منتجاتها إلى المحال التجارية في مدينة الحوطة، كالمكانس والمراوح والمشاجب.
في السياق، يوضح الباحث في الشأن الاقتصادي، وحيد الفودعي، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ صناعة الخوص بأشكاله المتعددة، مثل الأوعية التي تستخدم لحفظ المنتجات، والسلال، والأطباق، وسُفَر الطعام، وغيرها، تمثّل رافدًا وداعمًا لكثير من الأسر الريفية، خاصة الأسر في المناطق التي يتم فيها زراعة النخيل.
كما أنها ترفد الأسرة ببعض ما يمكن أن يغطي جزءًا كبيرًا من احتياجاتها المعيشية، خصوصًا إذا كان الإنتاج بوفرة ومخططًا له، فبعض المناطق -وفق حديث الفودعي- تقوم بهذه الصناعة؛ لكي تكون عاملًا مساعدًا، وليست داعمًا أساسيًّا لاقتصاد الأسرة، في حين تكون في مناطق أخرى، صناعةً قائمة بذاتها من خلال التخطيط والإنتاج بكميات كبيرة، وتسويقها في الأسواق، حيث إنها تغطي جزءًا كبيرًا من متطلبات واحتياجات الأسرة .
تحديات المهنة
يتطلب العمل على صناعة الخوص بأنواعه المختلفة، تركيزًا دقيقًا، الأمر الذي يُتعب النساء المتقدمات في السنّ، ومنهن نورا صالح (58 عامًا)، التي تعاني من مشاكل في النظر، لكنها تتمسك بهذه المهنة؛ كونها المهنة الوحيدة التي تجني من ورائها المال.
تقول نورا لـ"خيوط": "العائد بسيط جدًّا، ولا يمثّل ربحًا مناسبًا بالنظر إلى مستوى الجهد الذي يتطلبه الإنجاز لأي شكل من أشكال الخوص، فهو أولًا يتطلب شراءه ثم تجفيفه وغمسه بالماء، ومِن ثم البدء في الاشتغال به، فضلًا عن أنّ بعض الأشكال تأخذ أكثر من يوم"، إلا أنها -وفق حديث نورا- تساعد في تحقيق بعض المتطلبات لها ولبعض ما يحتاجه البيت.
يتطرق الفودعي إلى أنّ الإنتاج يتفاوت بحسب طريقة التوجه إلى المهنة، إذ إن هناك من يعمل بها هوايةً، وهذا لا يمثّل رافدًا اقتصاديًّا كبيرًا للأسرة، وينبغي أن تقوم الدولة بتشجيع مثل هذه المنتجات، والمساعدة في تسويقها نفسه أو من خلال الجمعيات التعاونية الموجودة في بعض المناطق.
لا تنوي نورا التوقف عن هذه المهنة رغم متاعبها، فقد باتت سندها في ظل شحة راتب زوجها المتقاعد، البالغ 28 ألف ريال، فهي تنجز وفقًا للطلبات التي تصلها من بعض الأسر للحصول على بعض هذه المصنوعات، إلى جانب قيامها بتسويق منتجاتها إلى المحال التجارية في مدينة الحوطة، كالمكانس والمراوح والمشاجب، للحصول على فرصة أفضل للبيع والكسب.
تؤكّد نورا، أنّ صناعة الخوص هي المهنة التي أجادتها منذ صغرها على يد والدتها، والتي كانت تعتمد عليها والدتها منذ أكثر من ثلاثة عقود في تربيتهم وتوفير مصاريف البيت، ولا تزال هي وثلاث من شقيقاتها يعملن في هذه المهنة، حيث يكسبن من ورائها المال.
صناعة صلبة
الباحث في الشأن الاجتماعي، عبدالقادر حسن، يرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ صناعة الخوص تمثّل أحد أعمدة وجودة المجتمع المحلي، واعتماد الأسر على ذاتها دون الانتظار للشراء والاستيراد، ويسهم في هذا نظرة المجتمع الإيجابية في بعض المناطق لصناعة الخوص، من حيث جودتها في حفظ المواد، والقيام بمتطلبات الحياة، وأفضليتها على غيرها من الصناعات الأخرى.
يضيف حسن أنّ أغلب الأُسَر في مناطق ريف لحج، لا تزال تتعامل مع صناعة الخوص من خلال استيرادها؛ اعتقادًا بصلابتها وجودتها، فضلًا عن التكافل المجتمعي في هذا الجانب، بتشجيع الصانعات على الكسب من وراء هذا الإنتاج.
ووفقًا لاستطلاع أجرته منظمة العفو الدولية، فإن من بين 293 ألف امرأة تم توظيفهن قبل الصراع؛ كان حوالي نصفهن يعملن في الزراعة، إما منتِجات ألبان أو في تربية حيوانات أو مزارِعات، بينما كان ثلثهن يعملن في قطاع الخدمات، وشكّلت العاملات في شركات مملوكة للعائلة، نسبة الثلث، مقارنة مع أقل من العُشر من الرجال.
ويضمن الدستور اليمني لجميع المواطنين الحقَّ في المشاركة في الحياة الاقتصادية في البلاد وفق قانون العمل رقم (5) لعام 1995، المتعلق بقضايا العمل في اليمن، ويقضي بحق المرأة في المساواة في الأجر والترقية والفرص والتدريب والواجبات، ويحظر التمييز على أساس الجنس، كما يوفر ساعات عمل أقل للعاملات الحوامل أو المرضعات، وإجازة أمومة مدة ستين يومًا.