مارس عيد الأم، كل عام يحتفل بعيدها النسوة والرجال، حتى أولئك المنافقين الذين يدبجون قصائد حب لأمهاتهم، وعلى الواقع تكتشف أنهم عصاة بغاة !
ما لاحظته هذا العام، من خلال وسائل التواصل وفي البيت والشارع والتليفون، أنّ الاحتفال كان باهتًا، إذ لم يكتب أحد عنه في الفيس، ولذلك شخص مثلي فوجئ به متأخرًا، وبرغم أن أمي موجودة عندي فلم أكلف نفسي حتى أن أقول لها كل عام وأنتِ بخير، سرى الأمر على ابنتي فلم تذكر العيد وكذلك زوجة أحد الأولاد!
والسبب أن الهموم طغت على كل مناسبات الفرح، رغم أنني من الذين يؤمنون بأن عيد الأم يجب أن يكون كل يوم، وأن المرأة هي عيد أعياد الحياة إذا نظرنا للأمر من خلال ديننا وأخلاقنا وتربيتنا التي لم ترسخ في أنفسنا كل ما ليس له قيمة!
تربية رسخت في الأذهان أن المرأة مجرد وعاء، ناقصة عقل ودين، "هي إلا مكلف، صانكم الله"! وفي زحمة الانتقاص ننسى أن لنا أمهات !
مثلما غيبت الحرب عيد الأم تحت وطأة الهموم اليومية، تحملت المرأة، سواء في المدينة أو الريف، أكبر الأعباء: فقدان الزوج - مقتل الولد - شحة الموارد على صعيد البيت - النزوح من مناطق الصراع إلى مناطق أكثر أمنًا، مع ما يستتبع ذلك من أعباء إضافية على المرأة. تحملتها، ولا تزال، بقدرة وصبر لا أحد يدري بهما إلا هي.
في قطاع التعليم على سبيل المثال، لم تعد المدرسات يستلمن أجورهن، وفي المدارس الخاصة التجارية يستلمن من الأساس أجورًا زهيدة لا تساوي جهدهم المبذول، وكثيرات تركن سلك التدريس وانضممن إلى أرتال "العاطلين" بهذه الطريقة أو تلك.
تظل المرأة وحيدة في ميدان الحياة الصعبة، في ظل حرب دائمة من 7 سنوات، تدخل عامها الثاني، وليس في الأفق ثمة مؤشر على نهايتها، ما يزيد العبء على المرأة تحديدًا، حيث ارتفعت معدلات الفقر، والأمراض، وغياب الصحة والتطبيب، خاصة بعد أن دمّرت كثيرًا من المراكز الصحية والمستشفيات، وتراجعت الرعاية الصحية الوقائية إلى ما دون الصفر. وفي المدن تعاني المرأة العاملة -تحديدًا- من عدم صرف الرواتب، وارتفاع الأسعار بنسب قاهرة، وعدم القدرة على شراء متطلبات الأولاد للمدارس، وارتفاع الإيجارات، وارتفاع معدلات البطالة بين الرجال، ما ينعكس همًّا إضافيًّا على نفسية المرأة وعبئًا حياتيًّا صعبًا. ضف إلى ذلك ارتفاع نسب المواليد في ظل ظروف حرب صعبة، وتبشر الأيام القادمات بمزيد من الصعوبات فوق ما تراكم خلال سبع سنوات صعبة.
وفي مناطق الصراع، تتحمل المرأة العبء الأكبر في حياة معظم الرجال، تخلوا عن مسؤولياتهم إما بسبب الموت، أو الأَسْر لدى الأطراف المتصارعة، حيث تعج السجون هنا وهناك بهم في ظل ظروف قاهرة؛ ما يعكس مسؤوليات إضافية صعبة على المرأة، وخاصة في الريف، وفي المدن يتبدّى هول الوضع في أسراب النساء اللائي يتسولن أصلًا، ومن أضافتهم الظروف إلى الأعداد الكبيرة التي تلاحظها في الشوارع، حيث كثير من الأسر لم تعد تستطيع مواجهة الحياة اليومية.
في قطاع التعليم على سبيل المثال، لم تعد المدرسات يستلمن أجورهن، وفي المدارس الخاصة التجارية يستلمن من الأساس أجورًا زهيدة لا تساوي جهدهن المبذول، وكثيرات تركن سلك التدريس وانضممن إلى أرتال "العاطلين" بهذه الطريقة أو تلك.
ضف إلى ذلك كله ارتفاع أسعار الخبز، وهي حكاية لوحدها، كيس الدقيق ارتفع سعره إلى أرقام فلكية، ما يصعب الحياة التي تتحمل عبئها، في الأخير، المرأةُ التي فقدت عائلها أو لم يعد يستلم مرتبه!
تضيق الحياة على المرأة اليمنية، وإذا استمرت على هذا النحو، نخشى أن لا ينسى عيد الأم فقط، بل الأعياد التي تكرر نفسها كل عام؛ ما يحتم على الأطراف المتصارعة أن تجلس إلى طاولة حوار لتنهي الحرب التي تقضي على الأخضر واليابس.