هديل خالد، امرأة تبلغ سبعة وعشرين عامًا، متزوجة منذ حوالي ست سنوات زواجًا تقليديًّا، وبعد مضي فترة من الزواج، حملت هديل بجنينها الأول، ولم تسعها الأرض من شدة الفرح، ولكن فرحتها لم تدُم طويلًا، فحين عرف زوجها أن الجنين بنت اشتط غضبًا وتغير رأسًا على عقب، فلم يعد يطيق زوجته، وصار يوجه لها الكلام الجارح باستمرار.
وأخيرًا خلص إلى أنها ستظل تحمل وتلد تكرارًا إلى أن تنجب الولد، وبالفعل لم تكمل الرضيعة عامها الأول إلا وأمها حامل بالجنين الثاني، وذلك نزولًا منها عند رغبة زوجها بإنجاب الولد أو بالأصح إنقاذ زواجها من الانهيار، وهي متأملة بأن يكون طفلها هذه المرة ولدًا، علّه يغير من تعامله القاسي معها ومع صغيرتها، وخابت الظنون والآمال وشاء القدر أن يكون الجنين أنثى للمرة الثانية، فقامت الدنيا ولم تقعد فور معرفة زوجها بذلك، وأصبح أكثر عصبية ومزاجية من ذي قبل.
غدت هديل هي الأخرى حائرة، ماذا عساها أن تفعل وهي لا ذنب لها، وحاولت مرارًا أن تهدئ زوجها وتذكّره بأن هذه قدرة الله وحكمته، ولكن دون جدوى، وما هي إلا شهور على ولادتها بالبنت الثانية حتى حملت هديل بالجنين الثالث؛ وذلك لأن زوجها منعها من استخدام أيٍّ من موانع الحمل حتى تنجب ولي العهد؛ على حد تعبيره.
وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، هديل التي أرهقها الحمل المتكرر وأخذ من صحتها وعافيتها الكثير، حامل ببنت للمرة الثالثة على التوالي، لم تستطع أن تتحمل فانفجرت بالبكاء عند معرفتها بذلك، تعلق قائلة: "أنا لا أعترض على حكمة الله، والحمد لله راضية وسعيدة جدًّا ببناتي، ولكني أخشى على نفسي وعليهن من ردة فعل والدهن، فهذه المرة يهددني بالزواج بأخرى إذا لم أنجب له الولد، حتى لو كلفه ذلك بيع "ما تحته وما فوقه"، كما يقول".
تحذر الحمزي من الحمل المتكرر الذي قد تتعرض له المرأة، وغالبًا ما يكون رغمًا عنها، بحجة ضرورة إنجاب الولد، حيث يتضمن بعض هذه الأخطار: انفجار الرحم أو حدوث "إسقاط"، إضافة إلى تمزق في الرحم وأنيميا، وغيرها من الأخطار والمشاكل.
تشعر هذه المرأة بالحزن والقهر على ابنتيها، فأبوهما لا يعاملهما كما يجب؛ أكبرهما لم تبلغ حتى سن الرابعة من عمرها؛ ما ذنبهما ليعيشا مع أب لا يمنح أي حنان لأسرته، حتى في مرضهما يدعو عليهما بالموت والهلاك ويصرح بأنه لن يشتري لهما الألعاب أو يدرسهما إلّا إذا كان لديهما أخ، متسائلةً؛ أي أبٍ هذا؟ وماذا سيتغير إن أنجبت له ولدًا؟ ففاقد الشيء لا يعطيه!
للعلم، زوج هديل إنسان متعلم ويحمل الشهادة الجامعية ومستقر في العاصمة صنعاء، ممّا يؤكد أن كره إنجاب البنات لا يقتصر فقط على من لم يتلقَّ تعليمه أو لم يكمله، ويشمل كثيرًا من سكان الحضر والريف. وبالمقابل، هديل ليست الوحيدة ممن يعانين من هذه الحالة، ولن تكون الأخيرة، بكل تأكيد.
يصف خبراء في علم الاجتماع أن كره إنجاب البنات يعد مرضًا اجتماعيًّا يبرز داخل البنى المحافظة التي تتحكم بها العادات والتقاليد المتخلفة، ويعتبر أيضًا شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة، فكثير من حالات الطلاق تقع بسبب إنجاب البنات، إلى جانب الاضطهاد والظلم الذي يمارس عليهن في المحيط الأسري، ووصل الأمر إلى أن بعض النساء لا تشعر بأنوثتها وكيانها إلا إذا أنجبت الذكر.
خطورة الحمل المتكرر
تؤكّد الدراسات الطبية أنّ تحديد جنس الجنين يعتمد على الحيوان المنوي الذي ينتجه الرجل، وليس كما يظن البعض أنّ للمرأة علاقة بذلك، فهي مجرد مستقبل، وأنّ الحيوانات المنوية لدى الرجل تحمل نوعين من الكروموسومات؛ كروموسوم (x) وكروموسوم (y)، بحسب توضيح الدكتورة حفصة الحمزي، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ كروموسوم (x) للإناث وكروموسوم (y) للذكور، فمن يصل أولًا للبويضة هو من يحدد جنس الجنين.
لذا فإنّ المرأة لا علاقة لها نهائيًّا في تحديد نوعية وجنس الجنين؛ لأنّ البويضة تحمل نوعًا واحدًا وثابتًا من الكروموسومات وهو الكروموسوم (x)، وأضافت أنه من خلال خبرتها في هذا المجال أن ما يقارب 5% من النساء الحوامل اللاتي يأتين لزيارتها في المركز الذي تعمل فيه يفضلن عدم معرفة أزواجهن بنوعية الجنين في حالة إذا ما أظهر جهاز "السونار" (جهاز طبي خاص بالكشف عن الجنين) بأنها بنت، خوفًا من ردة فعل الأزواج.
تحذر الحمزي أيضًا من أخطار الحمل المتكرر الذي قد تتعرض له المرأة، وغالبًا ما يكون رغمًا عنها بحجة ضرورة إنجاب الولد، ومن هذه الأخطار: انفجار الرحم وتمزقاته، أو حدوث "إسقاط" الجنين وخطر الأنيميا، وغيرها من المشاكل، الأمر الذي يقتضي المباعدة بين الحمل والولادة من أجل صحة الأم والجنين معًا.
من جانبها، تشرح الأخصائية في علم النفس والاجتماع، تهاني سيف الدعيس، لـ"خيوط": "إن الأب الذي يكره بناته لا يعتبر إنسانًا طبيعيًّا أو سويًّا، وترجع أسباب هذه الكراهية إلى التفكير الذكوري تحت مسمى الرجولة، وأيضًا لنقص في تأكيد وتقدير الذات للشخص، أو الأب الذي يفكر بهذه الطريقة".
وتواصل حديثها بأن ذلك الكره للبنت من قبل الأب يعود عليها بآثار نفسية خطيرة؛ أهمها أنّ البنت تشعر بنقص في تأكيد وتقدير ذاتها، وهذا طبعًا يؤثر على حياتها مما قد يصيبها باضطرابات نفسية عميقة، ويجعلها لا تعرف ما هي حقوقها وواجباتها؛ مما يؤدي في كثير من الأحوال إلى انتقاص حقوقها بشكل خاص، وحقوق النساء في الأسرة بشكل عام، بحيث يعتدي الذكور أو الأولاد على البنات، وتؤخذ حقوقهن في التعليم والميراث، وقد يمتد إلى حقهن في الزواج.
وتسهم غالبًا العادات والتقاليد أيضًا في تعميق هذه الظاهرة ومصادرة حقوق الإناث، ويستغل هذا الأمرَ الكثيرُ من الرجال الذين يلقون باللوم على المرأة في إنجاب الإناث، بالزواج من أخريات فوق زوجاتهم، بالرغم أنّ الطب قد حسم هذا الجدل.
يقف القانون في صف الإناث في حالة إذا ما تمادى الأب في قسوته وتهديده لها أو حتى تجاه زوجته، حيث يحمي القانون جميع فئات المجتمع ضد أي معتدٍ على هذه الحقوق، سواء كان المعتدي أبًا أو أخًا أو غير ذلك من صلة القرابة.
وتؤكّد الدعيس أنّ هناك ممارسات يمكن أن تحد من هذه المشكلة والتي تعتمد على تقبل الفرد لتغيير المعتقدات الفكرية الخاطئة، كما أنّ على الفرد والمجتمع ككل، التوعية بدور الإناث المهم في المجتمع، وأيضًا رفض العادات والمعتقدات الخاطئة المجحفة بحق البنات.
حقوق كفلها القانون
تكفل كل القوانين والتشريعات -باعتبارها وسيلة لضبط وتنظيم السلوك الاجتماعي- حقوق النساء، بل ونظمت الحياة العامة في المجتمع من مختلف النواحي والتي لا يدركها البعض أو يضرب بها عرض الحائط.
المحامي والمستشار القانوني عمر تارة، يقول في هذا الخصوص لـ"خيوط"، إن التهديد بالقتل أو الاعتداء على سلامة الجسم يعتبر جريمة، وذلك بنص قانون العقوبات اليمني، فلا يحق للأب أن يستخدم التهديد، سواء بالقتل أو الاعتداء كوسيلة للتعامل العقابي مع الزوجة أو الأولاد، وفي حالة ما حصل ذلك يحق للمتضرر، سواء الزوجة أو الأولاد تقديم شكوى أمام النيابة ضدّ الأب أو المهدِّد بشكل عام.
كذلك عملية إجبار المرأة الحامل على الإجهاض؛ لأنها حامل بأنثى لا يجوز بشكل عام، سواء كان الجنين ذكرًا أم أنثى، وهذا ما نص عليه قانون العقوبات في المادتين (239، 240).
وينص القانون اليمني على أنه: كل من أجهض عمدًا امرأة دون رضاها يعاقب بدية الجنين غرة، هي نصف عشر الدية إذا سقط جنينها متخلقًا أو مات في بطنها. فإذا انفصل الجنين حيًّا نتيجة الإسقاط ومات، عوقب الجاني دية كاملة، وفي أي من الحالتين المذكورتين يعزر الجاني، فضلًا عما سبق، بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، فإذا أفضت مباشرة الإجهاض إلى موت المجني عليها أو كان من باشر الإجهاض طبيبًا أو قابلة كانت عقوبة التعزير الحبس الذي لا يزيد على عشر سنوات.
وفق تارة؛ يجب على الجميع معرفة أنّ للمرأة حقوقًا مكفولة في القانون، سواء كان ورثًا أو وصية أو حتى حقها في الزواج بمن تحب، كل هذا كفله قانون الأحوال الشخصية في الباب الأول منه، فلا يحق لأحد سلب أيٍّ من حقوقها تلك.
يقف القانون في صف الإناث في حالة إذا ما تمادى الأب في قسوته وتهديده لها أو حتى تجاه زوجته، حيث يحمي القانون جميع فئات المجتمع ضدّ أي معتدٍ على هذه الحقوق، سواء كان المعتدي أبًا أو أخًا أو غير ذلك من صلة القرابة.
لماذا يكرهون البنات؟
لا تختلف نظرة البعض للبنات في عصرنا الحالي عن نظرة الجاهلية في عصر ما قبل ظهور الإسلام، في أنّها عار ويجب التخلص منه، وهذا طبعًا ما نبذه الدين الإسلامي، كما يؤكّد لـ"خيوط"، يوسف الرخمي، وهو رجل دين ومُفتٍ، بقوله: "إن كره البنات لا يجوز، فهو من العادات المذمومة، كما جاء في القرآن: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}، فهذه الآية تدل على ذم فعلهم وسوء حكمهم باستحقار البنات والتهوين من شأنهن، فمثل هذا الفعل لا يفعله إنسان، بغض النظر عن ديانته".
بحسب الرخمي، فإن الأولاد عمومًا ذكورًا وإناثًا مسؤولية كبيرة على الإنسان -يقصد الأب- فيأتي تقصيره في بعض الواجبات التي تلزمه من باب الخوف عليهم، وهذا يشمل البنات والأولاد، فلا فرق بين هذا وذاك، وأما بالنسبة لمن يعتبر أن وجود البنات مصيبة تتطلب منه الصبر على هذا الابتلاء، فذلك من العادات المرفوضة التي لا يقبلها أي شرع.
وتعليقًا على من يقوم بإجهاض الجنين، يرى الرخمي أنه فعل خاطئ وغير جائز عمومًا، سواء كان بنتًا أو ولدًا، ومن يقوم بإجهاض البنت له عقوبة أعظم؛ فالعقوبة الأولى على الإجهاض، والثانية لاستحقار البنات، وكما سبق ذكره بأنها صفة جاهلية، فهو بذلك يجمع بين ذنبين. مشيرًا إلى الرجل الذي يتزوج على زوجته بحجة أنها تنجب البنات ولا تنجب الأولاد، فهذا لا يجوز لأنه لا ذنب ولا دخل للزوجة في هذا الأمر؛ لذا يجب احترام المرأة وإعلاء قدرها ومكانتها كشريك للرجل في كل المهام والمسؤوليات والحقوق والواجبات، ويجب ألّا يقتصر التعامل معها فقط من ناحية الإنجاب، فلا يحق للزوج بأن يعامل زوجته بقسوة ويكرهها أو يتزوج عليها، فذلك من الأفعال الشنيعة التي يجب التوقف عنها ونبذ كل العادات والتقاليد التي دأب عليها البعض والتي تسيء التعامل مع المرأة.