جهزت ورتبت أماني الشرفي قائمةَ المتطلبات والأدوات التي سوف تحتاجها لمشروعها المنزلي الخاص، قبل أيام من حلول شهر رمضان، الذي تُعدّ فيه أصناف المأكولات الرمضانية وغيرها، من وسط منزلها في مدينة صنعاء.
تجيد العشرينية أماني، الطبخَ، لا سيما ورق العنب، حيث بدأت بدعم من الأهل والأصدقاء، وفق حديثها لـ"خيوط"، ببيع كميات محدودة، وعندما تذوق الناس منتجها لاقت إعجابًا من خلال ردود الأفعال التي تلقتها وأصبح لها رواج، ويومًا بعد يوم زادت الطلبات، وأصبح مشروعها المنزلي "لافيدا"، مشروعًا قائمًا ينافس بقية المشاريع المنزلية.
دفعت الأوضاعُ المعيشية المتردية بسبب الحرب والصراع في اليمن، الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم كما صنّفتها الأمم المتحدة؛ العديدَ من الأُسَر إلى العمل لحسابها الخاص في المشاريع الأسرية كاستراتيجية للتكيف، حيث تستخدم كثيرٌ من الأسر هذه المشاريع وسيلةً لتنويع الدخل أو للتعويض عن دخل عمل مفقود.
وهو ما تؤكّده الشرفي، التي تقول إنّ مشروعها المنزلي ساهم في تحسين وضعها، ووضع عائلتها الاقتصادي، فضلًا عن كونه أصبح مصدر رزقٍ رئيس لأسرتها، لافتة إلى أنّ عملها في رمضان يكون في ذروته؛ نتيجة الطلب على "السنبوسة" ورقائقها، والدبا، والبيتزا، والحلويات الرمضانية.
كما يمثّل شهر رمضان فرصةً سانحة لرواج الكثير من منتجات المشاريع الأسرية التي تشمل العديد من المأكولات والحلويات والمشروبات، إلى جانب الملبوسات الخاصة بمشاريع الخياطة، وغيرها من المشاريع التي تجد منتجاتها انتشارًا نسبيًّا خلال الشهر في معظم المدن اليمنية.
تشير أمّ مها (35 عامًا)، التي تعمل في مجال الخياطة في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّها تبذل جهدًا كبيرًا في عملها، وتساعدها جارتها في التطريز، في حين يقوم أبناؤها بعمليات الترويج وبيع البضاعة في السوق.
تقول: "يمثّل رمضان موسمًا مهمًّا لنا، العاملات في الخياطة، حيث نبدأ الاستعداد له من قبل حلوله بأكثر من شهر، من خلال القيام بشراء الأقمشة المختلفة التي أحتاجها، ومِن ثَمّ العمل على تجهيز وخياطة فساتين وملبوسات خاصة بالأطفال.
تقتضي الضرورة تشجيع ودعم هذه الأعمال لتصبح نوعية وأكثر فائدة للنساء، كونها المصدر الوحيد للدخل لدى الكثير من الأسر، بالتزامن مع انتشار الموائد والأعمال الخيرية، وتوسيع عمليات الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، إذ يمثّل هذا الموسم فرصة مهمة لتوفير الدخل للأسر.
في حين تقوم جارتها بتطريز هذه الملبوسات، بهدف إضافة لمسات جذابة ولافتة، وفق حديث أمّ مها، مضيفة: "بعد القيام بتسويق وبيع البضاعة في السوق، نتقاسم المردود المالي بيننا".
تتابع هذه المرأة حديثها بالقول: "نحاول بما أمكن، استغلالَ موسم رمضان؛ لأنّ العمل يكون خفيفًا في الأيام الأخرى، وهذا المشروع صحيح أنه صغير، لكنه يغطي مصاريف رمضان والعيد، خصوصًا أنّ زوجي مدرس بدون راتب، والوضع المادي متدنٍّ، لذا فإنّ الأمر يتطلب تكاتفنا جميعًا للحصول على مصدر رزق".
القدرة الشرائية والتسويق
تنشط خلال رمضان العديدُ من المشاريع الصغيرة التي تدار أغلبها من قبل النساء، من خلف جدران منازلهن، يستغلن فترة الموسم الرمضاني لعمل مشاريع يمكن أن تعود عليهن بمردود ماليّ جيد، يكون رافدًا اقتصاديًّا للأسرة بالرغم من كونها موسمية ومرتبطة بفترة زمنية محددة، في حين يُبدي كثيرون استغرابهم من انخفاض مستوى هذه الأعمال والمشاريع، وعدم نشاطها طوال العام.
يعزو باحث اقتصادي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"خيوط"، السببَ إلى القدرة الشرائية للفرد، إذ تتسم الغالبية في اليمن بتدني مستوى الدخل؛ لذا تكون الفائدة بسيطة، لا تضمن الاستمرارية، بدليل أننا نرى مشاريع كثيرة تنشط في رمضان وتنتهي بنهايته.
كما يؤكّد الباحث الاقتصادي أنّ مثل هذه المشاريع هي في أصلها ناجحة، خصوصًا أنّ اليمن أرضٌ خصبة، يوجد فيها مشاريع فريدة من نوعها ومتميزة، لكن عوامل نجاح المشروع غير متوافرة، مع الأخذ في الاعتبار نوعية المنتج ومدى الترويج والتسويق له، فهذه أمور تصنع فارقًا في مدى اتساع المشروع ونجاحه؛ لذا -وفق الباحث الاقتصادي - لا تمثّل المشاريع المنزلية مصدر دخل رئيس للأسر المنتجة.
يتابع: "في مصر مثلًا، هناك مشاريع صغيرة تُديرها نساء من المنزل، يعملن على مدار السنة، ويشكّل المشروع مصدر دخل رئيس للأسر، لكن في اليمن يختلف الأمر"، مشيرًا إلى وجود بعض التحديات، مثل: مشكلة النقل، وعدم وجود تطبيقات تسهل البيع، وذلك نتيجة لضعف أو انقطاع وتردي خدمة الإنترنت، وعدم وجوده في عدد من الأحياء، مما يجعل النطاق الجغرافي لهذه المشاريع محدودًا. مشيرا إلى أن كذلك إلى تكلفة البنزين العالية وتكلفة التوصيل التي ربما تفوق تكلفة الخدمة نفسها، كل هذه العوامل تقلل من مدى استفادة هذه الأسر المنتجة لمشاريعها، وتضيق مكانها واستمراريتها على مدى العام.
لذا فإنّ الأمر يتطلب دراسة جدوى، وعدم تكرار المشاريع المتوافرة مسبقًا، وكذا تحديد رأس المال، والتسويق والترويج الجيد للمشروع، إضافة الى العمل المتقن، وتطبيق المشروع على برامج التوصيل التي بدأت تنتشر مؤخرًا في اليمن، مع توفير خدمة التوصيل إلى المنازل؛ كل ذلك بحسب الباحث الاقتصادي، عوامل يمكن أن تحقق استمرارية للمشاريع المنزلية.
فرصة للدخل
يساهم شهر رمضان في إنعاش الكثير من المهن والأعمال الموسمية، التي غالبًا ما تشكّل مصدر دخل مهمّ ورافد اقتصادي لعشرات الآلاف من الأسر.
الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، يرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ أعمال النساء في هذا الشهر، سواء على صعيد الوجبات المنزلية أو الأعمال الأخرى المدِرّة لدخل الأسرة هي جزء أساسي من إسهام المرأة اليمنية في النشاط الاقتصادي والتنمية.
تقتضي الضرورة تشجيع ودعم هذه الأعمال لتصبح نوعية وأكثر فائدة للنساء، كونها المصدر الوحيد للدخل لدى كثير من الأسر، بالتزامن مع انتشار الموائد والأعمال الخيرية، وتوسيع عمليات الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، إذ يمثّل هذا الموسم فرصة مهمة لتوفير الدخل للأسر، إضافة إلى كونها جزءًا من الاقتصاد غير المنظم، بحسب حديث نصر، لكنها وفق تقديره، أساسية ومهمة لحياة الأسر ودخلها المادي.
وبالرغم من الاحتياج الشديد لمثل هذه الأعمال الموسمية التي تقودها النساء، فإنّها للأسف تتم بصورة عفوية تفرضها حاجة السوق والعرض والطلب، حيث تفتقد الرعاية والاهتمام الرسمي من قبل السلطات الحاكمة على المستوى المحلي، إذ يفترض أن يتم التحضير لها بصورة مبكرة، وأن تتوافر الأماكن المناسبة للأُسَر، لعرض منتجاتها وتلبية احتياجاتها من المواد الخام.
يدعو نصر في ختام حديثه، الجهات الفاعلة إلى دعم مشاريع التمويل الأصغر وبرامج الإرشاد التجاري للنساء، وتعزيز قطاع العمالة الرسمية النظامية، إضافة إلى توفير الحماية والدعم للعاملات غير النظاميات، وإقرار نُظُم الادخار ومجموعات الإقراض، مطالِبًا الجهات المعنية بدعم ريادة الأعمال للنساء ومشاريعهن.