يُنظَّم اليوم العالمي للمعلمين سنويًّا بتاريخ 5 أكتوبر/ تشرين الأول منذ عام 1994، لإحياء ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966، بشأن أوضاع المدرسين، حيث تضع هذه التوصية مؤشرات مرجعية تتعلق بحقوق ومسؤوليات المعلمين ومعايير إعدادهم الأولي وتدريبهم اللاحق، وحشدهم وتوظيفهم.
وقد أصبح اليوم العالمي للمعلمين فرصة للاحتفال بالإنجازات والنظر في طرق كفيلة بمواجهة التحديات المتبقيّة، وذلك من أجل تعزيز مهنة التدريس.
وتعدّ شريحة المعلمين من أهم الشرائح في كافة دول العالم، خاصة التي تسعى إلى بناء بلدها بناءً حقيقيًّا، يسوده الأمن والاستقرار والتنمية، إذ يأتي تقدير المعلم في مقدمة اهتمامات الدول التي تعمل على تحسين معيشته بشكل كبير.
لكن الأمر يختلف في اليمن الذي يكابد فيه المعلمون ظروفًا معيشية قاسية بسبب انقطاع رواتبهم ومتنفسهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة في ظل الحرب والحصار المفروض على البلاد منذ نحو سبع سنوات.
في ظل الحرب والحصار المفروضين على البلاد منذ انقلاب الميليشيا الحوثية على الشرعية الدستورية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، انقطاعًا لرواتب المعلمين والتي تعد الرمق الأخير ومتنفسهم الوحيد للحياة.
في السياق، يؤكد علي العباب مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب وسط اليمن في تصريح لـ"خيوط"، أن المعلمين يتعرضون لاعتداءات كثيرة من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي ترغمهم على التدريس رغم عدم صرف رواتبهم، بالإضافة إلى اعتقال عدد كبير منهم في السجون، وهناك من يتم منعه من الذهاب للمحافظات الأخرى لأداء مهامه التربوية.
ويناشد العباب جميع الجهات المعنية في اليمن، النظر إلى معاناة الكوادر التعليمية والتربوية وتوفير حقوق المعلمين في جميع محافظات البلاد.
ويقول إن جميع المعلمين يؤدّون رسالة سامية، ويجب الوقوف معهم لاستمرار العملية التعلمية بعيدًا عن المهاترات الدائرة في البلاد لكي ينعم الطلاب بأبسط حقوقهم.
يؤكد عبدالواسع شداد، مدير مكتب التربية بمحافظة تعز، أن المحافظة استقبلت سبع دفع من المعلمين النازحين من المحافظات الأخرى بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد، حيث لم تقُم الحكومة المعترف بها دوليًّا سوى بصرف رواتب ثلاث دفعات فقط.
ويشير العباب إلى أن رواتب المعلمين في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا متدنية ولا تكفي لكفل أسرة كاملة بشكل يليق بها، ناهيك عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وكل هذه العوامل تؤثر في نفسية المعلم، وبالتالي يؤثر ذلك على مخرجاتهم وعلى الطلاب.
عقبات وحرمان
العملية التعليمية عبارة عن عملية تشترك من خلالها مجموعة عناصر تتمثل بالمعلم والأدوات التعليمية، والمناهج الدراسية، والأساليب والطرق المتبعة خلال العملية التعليمية، ويعتمد نجاح العملية التعليمية على مستوى تفاعل جميع هذه العناصر مع بعضها.
تقية أمين، معلمة، تقول لـ"خيوط"، إن المعلم اليمني يعاني من صعوبات عدة؛ أهمها افتقاده لأبسط حق من حقوقه، المتمثلة بحق المعيشة الكريمة التي تجعل منه معلمًا يعطي بكل طاقته، وذلك بإعطائه راتبًا يكفي حاجته وسبل معيشته، ويكفل له عدم البحث عن وسيلة أخرى لطلب الرزق، فكيف يتوقع من معلم يعطي وراتبه لا يكفي قوت أولاده.
إضافة إلى صعوبات في المنهج الدراسي المكثف والذي لم يتم تحديثه، وطول المقرر الدراسي وصعوبة المادة العلمية وعدم ملاءمتها لمستوى الطلاب، ونفور الطلاب من المادة وعدم تقبلهم لها. إضافة إلى عدم تجديد هذه المناهج.
وتشير تقية إلى أن هناك صعوبات تتعلق بالبيئة التعليمية، خاصة في المدارس الحكومية التي تعاني من كثافة هائلة تقف عائقًا أمام المعلم في إيصال المعلومة بشكل فعّال وجيد، ويضطر المعلم لاعتماد طريقة التلقين بدلًا من المشاركة؛ لكثرة الطلاب وضيق الوقت.
وتوضح أنه لا توجد بيئة تعليمية ملائمة، فهناك شحة في أدوات التدريس الأساسية كالسبورات والكراسي، ناهيك عن الوسائل التعليمية المسهلة لعملية الشرح، وعدم انضباط الطلاب والتسبب بالفوضى والإزعاج، وغيرها من الأسباب التي تعمل على تشتيت الانتباه والتركيز لدى كلٍّ من المعلم والطلاب، وتمثّل صعوبات أمام المعلم والعملية التربوية ككل.
عبد الرحمن المقطري، أمين عام نقابة المعلمين بمحافظة تعز، يؤكد معاناة المعلمين في المحافظة مقارنة ببقية المعلمين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، إذ لم يحصلوا على مرتبات ثمانية أشهر ونصف خلال الفترة 2016/2017.
وينوه إلى معاناة المعلمين في جميع المحافظات من عدم صرف مستحقاتهم من حقوقهم القانونية المشروعة، مثل العلاوات السنوية، والتي لم تصرف منذ عام 2014، والتسويات والترفيعات منذ عام 2012، وكذلك البدلات المختلفة (مثل بدل الريف وبدل طبيعة العمل)، وخاصة موظفي عام 2011، والذين تدهورت أوضاعهم كثيرًا بسبب ذلك، وتعد معاناتهم كبيرة جدًّا نتيجة هذا الانقطاع والحرمان.
ويشير إلى أن هناك عشرات الآلاف من المعلمين في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تحرمهم من رواتبهم رغم توفر الموارد المالية لديها بحجة مواجهة "العدوان".
اعتداءات وحقوق مهضومة
يتحدث أمين عام نقابة المعلمين بمحافظة تعز، عبدالرحمن المقطري لـ"خيوط"، عن تسبب أنصار الله (الحوثيين) بإصابة وقتل 240 معلمًا ومعلمة في محافظة تعز وحدها، إضافة إلى اختطاف وسجن المئات من المعلمين؛ بعضهم توفِّي تحت التعذيب، وبعضٌ منهم أصدر عليهم حكم الإعدام بتهمة التخابر مع دول "العدوان" (التحالف بقيادة السعودية والإمارات)، بينما لا يزال العشرات من المعلمين اليمنيين مخفيين قسريًّا منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد.
وفي الجانب الآخر، ارتُكِبت الكثير من الجرائم بحق المعلمين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، بحسب المقطري، فقد تم اغتيال نحو 30 معلمًا وتربويًّا في كلٍّ من محافظة عدن والضالع وغيرها من قبل عناصر عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، إضافة إلى عمليات مطاردة واختطاف وسجن وكل صنوف التعذيب مع عشرات المعلمين الحريصين على تزويد الجيل بالمعارف والقيم الدينية والوطنية والأخلاقية ومبادئ وأهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر ومضامين الوحدة اليمنية والتمسك بالسيادة الوطنية لكل موارد ومقدرات الوطن اليمني.
يؤكد عبدالواسع شدّاد، مدير مكتب التربية بمحافظة تعز لـ"خيوط"، أن المحافظة استقبلت سبع دفع من المعلمين النازحين من المحافظات الأخرى بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد، حيث لم تقُم الحكومة المعترف بها دوليًّا سوى بصرف رواتب ثلاث دفعات فقط، فيما لم يتم صرف بقية الدفعات للذين لا يزالون يعملون في الميدان، رغم عدم حصولهم على رواتبهم ومستحقاتهم.
يشير شدّاد إلى المعلمين المتطوعين، وهم غير الموظفين من الأساس، وعملوا في الميدان لأكثر من أربع سنوات دون مقابل، من حقهم أن تنزل لهم درجات وظيفية جديدة لإحلالهم محل المعلمين المتقاعدين أو الوفيات أو أي حالة أخرى من حالات التسرب الوظيفي.
ويختم شدّاد حديثه بالقول إن المعلم اليمني مثقل بالأعباء المعيشية، فليس لديه مجالات عمل أخرى بعكس غيره من العاملين في الوظائف الأخرى، لافتًا إلى ضرورة النظر إلى حال الكادر التربوي بشكل عام وتسوية مرتباتهم ورفع المعاناة عن كاهلهم.