استطلاع / صلاح الواسعي & هبة التبعي
"نقطع مسافات طويلة من منازلنا للوصول إلى خزانات المياه المدعومة من الجمعيات الخيرية والمنظمات، للحصول على لترات من المياه الصالحة للشرب." هكذا يصف هشام السمان معاناة أسرته، التي تعيش في مدينة تعز، في الحصول على المياه النظيفة.
يقول السمان لخيوط: "لا يمكنك تخيل المعاناة. عندما تنفذ المياه في الخزان، الأطفال والأسرة بأكملها يعانون من نقص المياه حتى في دورات المياه لقضاء الحاجة، لأيام. نضطر لشراء مياه الكوثر الصالحة للشرب من البقالات أو محطات تحلية المياه بأسعار مرتفعة مقارنة بالسابق لتخفيف معاناة الأسرة وتلبية احتياجاتهم الصحية."
يضيف: "نقاسي أيضا من الحصار الجائر على مدينة تعز. فقد أصبحنا ننتظر، بعد محاولات عديدة مع أصحاب وايتات المياه، أسابيع لتوفير الماء لخزانات المنازل بمبالغ مرتفعة عن السابق."
تعاني مدينة تعز، الواقعة في جنوب غربي اليمن، من أزمة مزمنة في المياه، تفاقمت بشكل حاد منذ بداية الحرب في عام 2015، ووصلت إلى ذروتها خلال الفترة الماضية نتيجة التدمير الذي طال البنية التحتية للمياه في المدينة.
كما تبرز مشكلة كبيرة غير مرئية ترصدها خيوط، تتمثل في وضعية ومواقع الأحواض التي تغذي تعز بالمياه، والحصار الذي تعرضت له المدينة، والذي لا يزال يشمل الأحواض المائية الرئيسة التي تقع في مناطق الحيمة والحوبان شرقي المحافظة والواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين.
تلوث المياه يمكن أن يكون وسيطا ناقلا للأمراض الوبائية الخطيرة مثل الكوليرا، الملاريا، الضنك، البلهارسيا، والتيفويد. الأمر الذي يقتضي ضرورة دراسة مصادر المياه في المدينة بعناية، وإجراء مسح ميكروبي للمياه والمواد الغذائية لتحديد أماكن تواجد البكتيريا وقطع سلسلة العدوى، إضافة إلى مشكلة نقص المياه، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالميكروبات نتيجة قلة النظافة.
يصنف البنك الدولي مدينة تعز (جنوبي غربي اليمن) أكثر المناطق اليمنية معاناة. كانت المياه تصل إلى المنازل كل 40 يوما، لكن الصراع فاقم المعاناة وتوقفت مؤسسة المياه الحكومية عن ضخ المياه إلى المنازل منذ بداية الحرب. وحولت أزمة المياه في تعز الأطفال الصغار للعمل في جلب المياه إلى منازلهم، فقد دفعت الأزمة بمئات الأطفال إلى شوارع المدينة لجلب المياه من المساجد القريبة، أو من براميل وضعها فاعلو خير ومنظمات مدنية في الحارات، في ما يعرف بـ(مياه السبيل،) وقد سقط أطفال قتلى وجرحى وهم في طريقهم لجلب المياه.
وكان البنك الدولي قد حذر في تقرير صادر بعد ثلاثة سنوات من بدء الحرب في اليمن العام 2015 من أزمة مياه مقلقة تهدد السكان بالعطش، وتضع خطر الأمن المائي إلى جانب المخاطر الرئيسة الأخرى التي تهدد البلد الغارق في الصراعات والأزمات. كما كانت اليمن إلى ما قبل الحرب تصنف واحدةً من أكثر الدول التي تواجه أزمة في المياه، وكان الخبراء يحذرون من نضوب المياه الجوفية في اليمن بحلول عام 2017. لكن الحرب فاقمت المشكلة إلى حد كبير، ففي ظل الاضطرابات، وغياب الدولة، وانتشار النزاعات المسلحة، زاد الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، وانهارت مؤسسات المياه الحكومية.
طرق غير آمنة لتوفير المياه
تتفاقم أزمة المياه الخانقة في تعز نتيجة لجفاف معظم الآبار وتذبذب نزول الأمطار خلال الفترة الراهنة، بسبب التغيرات المناخية. يأتي ذلك في الوقت الذي تعتمد فيه نسبه كبيرة من الأسر في مدينة تعز على مياه الآبار في عملية الطبخ والغسيل.
يضاف إلى ذلك مشكلة أخرى، هي تفاقم معاناة سكان تعز مع أزمة المياه كلما ابتعدوا عن السكن من مركز المدينة.
مصطفى الباشا، رب أسرة يعيش في حي الدائري بمدينة تعز، يروي لموقع خيوط تفاصيل معاناته اليومية، قائلا: "خصصت أحد أبنائي، طاهرا، وهو الأصغر سنا في العائلة، لجلب المياه من خزان السبيل في الحارة،" مضيفا: "نعاني من نقص المياه النظيفة والصالحة للشرب، ما يجبرنا على استخدام مياه غير آمنة من مصادر بديلة."
يقطن مصطفى في هذا الحي القريب من قلعة القاهرة. ويصعد أبنه الصغير طاهر الجبل يوميا محملا "بالدبات" عُلب ممتلئة بالمياه، ما أثر سلبا على نموه وتحصيله الدراسي. يتزاحم الأهالي بالقرب من خزان السبيل في الحارة فور امتلائه، وتقف النساء والأطفال والفتيات في طوابير طويلة أمامه، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلافات ومشاجرات بين أهالي الحارة.
يقول مواطن آخر، من سكان مدينة تعز: "يستخدم الكثير من الأهالي مياه الأمطار التي يتم حصرها في خزانات مكشوفة طيلة فصل الصيف، ما يجعلها عرضة لسقوط الحيوانات أحيانا. كثيرا ما تسقط القطط في داخل الخزانات المفتوحة، فتتلوث المياه."
طارق أحمد، أحد سكان المدينة، يتحدث لخيوط عن ارتفاع سعر خزان المياه، ويشكو بحسرة من قرب نفاده. إذ يستخدم سكان الحي الذي يسكنه مياه الأمطار التي تتجمع فوق سطوح المنازل وتصب بداخل خزانات حديدية وبلاستيكية، جوار المنازل، غالبا ما تصبح ملوثة بالحشرات والديدان الصغيرة من جراء بقائها مفتوحة على الدوام لاستقبال قطرات المياه التي تجود بها السماء من حين لآخر، ومع ذلك، لا يكف الأهالي عن استخدامها في الاغتسال وغسل الأواني المنزلية، باستثناء الشرب.
مياه ملوثة ومشاكل صحية
الدكتور أشرف الكمالي، طبيب عام وجراحة، يسلط الضوء على أزمة تلوث المياه في تعز وتأثيرها الكبير على الصحة العامة. فيؤكد لخيوط أهمية نقاء المياه وصلاحيتها للاستهلاك البشري، سواء للشرب أو للاستخدامات الأخرى مثل الطهي والغسل.
يشير الدكتور الكمالي إلى أن تلوث المياه يمكن أن يكون وسيطا ناقلا للأمراض الوبائية الخطيرة مثل الكوليرا، الملاريا، الضنك، البلهارسيا، والتيفويد. ويضيف أن مدينة تعز تواجه كارثة مائية حقيقية تهدد حياة الآلاف بسبب انتشار حالات الكوليرا.
كما يشدد على ضرورة دراسة مصادر المياه في المدينة بعناية، وإجراء مسح ميكروبي للمياه والمواد الغذائية لتحديد أماكن تواجد البكتيريا وقطع سلسلة العدوى. كما يلفت الانتباه إلى مشكلة نقص المياه، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالميكروبات نتيجة قلة النظافة.
وساطات محلية ومبادرات إنسانية
في السياق نفسه تتحدث ولاء عبيد، مسؤولة التواصل في منظمة شباب سبأ، لخيوط عن جهود المنظمة في مواجهة أزمة المياه في تعز، قائلة: إن المنظمة نفذت مشاريع سند واحد وسند اثنين، وتعمل حاليا على مشروع سند ثلاثة والجزء الثاني من مشروع سند اثنين.
قامت مجموعة من المبادرات بحفر آبار داخل الأحياء السكنية، ما غطى جزءا بسيطا من الاحتياج لا يتعدى 5% من الحارات والأحياء التي تصلها هذه الخدمة. فيما يرجع ناشطون سبب انقطاع المياه إلى الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز. فالأحواض المائية الكبيرة والآبار التابعة لمؤسسة المياه تقع في المناطق التي يسيطرون عليها، مثل الحيمة وكلابة والحوجلة.
وفقا لعبيد تعمل المنظمة حاليا على إعداد خارطة طريق تجمع لأول مرة بين مؤسسة المياه في الحوبان التابعة للحوثيين ومؤسسة المياه التابعة للحكومة المعترف بها دوليا.
تضيف: "خلال الفترة السابقة، اشتغلت المنظمة على مشروع الوساطات بين الجهات الحكومية وجماعة أنصار الله، وعملت على حل النزاعات بين المديريات في تعز وإصلاح شبكات خطوط المياه، انتهت بتسليم مبنى مؤسسة المياه وخزانات المجلية."
إهمال السلطات المحلية
ارتفعت أسعار المياه التي تحضرها الشاحنات حوالي 5 أضعاف سعرها قبل العام 2015، بينما تقدر منظمات محلية أن هناك نحو 1.6 مليون نسمة في تعز يحتاجون إلى إغاثة عاجلة في مياه الشرب. فكثير من سكان المدينة أصبحوا يعتمدون في مياه الشرب على المساعدات الإغاثية التي تقدمها منظمات محلية ودولية تقوم بتوزيع المياه في الأحياء عبر صهاريج.
صلاح أحمد غالب، ناشط شبابي في محافظة تعز قام بإعداد ورقة سياسات عامة حول أزمة المياه في المدينة، يوضح لخيوط أن معاناة السكان شديدة، فقد بلغ سعر وايت الماء سعة 6000 لتر نحو 30 ألف ريال، وسط أزمة الفقر التي يعيشها الناس.
يضيف: "أخيرا قامت مجموعة من المبادرات بحفر آبار داخل الأحياء السكنية، ما غطى جزءا بسيطا من الاحتياج لا يتعدى 5% من الحارات والأحياء التي تصلها هذه الخدمة،" مرجعا سبب انقطاع المياه إلى الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز، فإن "الأحواض المائية الكبيرة والآبار التابعة لمؤسسة المياه تقع في المناطق التي يسيطرون عليها: مثل الحيمة وكلابة والحوجلة."
ويرفض الحوثيون ضخ المياه رغم المبادرات المحلية العديدة التي تسعى لحل هذه المشكلة بالتفاوض معهم ومع السلطة المحلية ومؤسسة المياه في تعز، وفق حديث غالب الذي أشار إلى وجود إهمال في مؤسسة المياه في وضع الحلول، مثل حفر المزيد من الآبار والعمل على إنجاح المبادرة الأخيرة التي تنفذها "الخلية الإنسانية،" والتي من شأنها أن تخفف كثيرا من الأزمة الخانقة للسكان في حال تنفيذها.
وبحسب تقرير نشرته "هيومن رايتس واتش،" فإنه، قبل الحرب، كانت المدينة تحصل على حوالي 56,000 متر مكعب من المياه يوميا، وهو ما كان يغطي احتياجات السكان بشكل جيد. ولكن بعد الحرب، انخفضت كمية المياه المتاحة إلى حوالي 17,000 متر مكعب يوميا فقط. هذا يعني أن المياه المتاحة الآن تغطي حوالي 30% فقط من احتياجات السكان اليومية، ما يخلق أزمة كبيرة في توفير المياه النظيفة والصالحة للشرب.
وتصنف اليمن ضمن مؤشرات البلدان الأكثر فقرا عالميا في حصة الفرد من المياه، والمقدرة سنويا ب120 مترا مكعبا، مقارنة بـ 7500 متر مكعب في دول العالم و1250 متر مكعب لدول أفريقيا والشرق الأوسط.