كفاح من أجل العدالة في حرب اليمن

"مواطنة " و" سيزفاير" و سُبل مساءلة المنتهكين
خيوط
June 20, 2023

كفاح من أجل العدالة في حرب اليمن

"مواطنة " و" سيزفاير" و سُبل مساءلة المنتهكين
خيوط
June 20, 2023
.

يواجه المدنيون في اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم والتي تسببت بها أطراف النزاع في اليمن منذ بداية الحرب في سبتمبر/ أيلول من العام 2014، عقب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء والتدخل العسكري لقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات في 26مارس/ آذار 2015.

ومنذ ذلك الحين أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من ربع مليون إنسان حسب احصائيات الأمم المتحدة  وانتهاكات وجرائم أخرى كثيرة ضد المدنيين ترتقي بعضها إلى جرائم حرب وفقًا للقانون الدولي، ومع ذلك لايزال مرتكبي تلك الجرائم بعيدين عن المساءلة القانونية وإنصاف الضحايا. 

في السياق نشرت مواطنة لحقوق الإنسان ومركز سيزفاير لحقوق المدنيين، تقرير (الكفاح من أجل العدالة) والذي يركز على سُبل المساءلة الجنائية، والإجراءات القانونية الرامية إلى اثبات المسؤولية الجنائية الفردية للجناة عن تورطهم في ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية وإبادة جماعية وغيرها من الجرائم الخطيرة المتعلقة بالتعذيب والاختفاء القسري.

ويشمل الجناة المحتملون المسؤولين السياسيين والعسكريين في الدول، وقادة وأعضاء الجماعات المسلحة من غير الدول أو القوات المدعومة أو المجنَّدة من الدولة، وكذلك مسؤولي الدول، والمديرين التنفيذيين للشركات، وفي بعض الولايات القضائية، الشركات كأشخاص اعتباريين مشاركين في نقل الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.

ويهدف التقرير إلى دراسة سُبل إنصاف الضحايا والتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في اليمن على المستوى المحلي والدولي وإيجاد آلية تحقيق دولية مستقلة ذات تركيز جنائي من أجل التحقيق في جرائم الحرب بشكل عادل وإنصاف الضحايا وإيقاف الانتهاكات ضد المواطنون، كما يستعرض دور مواطنة لحقوق الإنسان في دورها المستمر من أجل تحقيق العدالة وتقديم ملفات الحرب في اليمن إلى محاكم دولية متخصصة.

ورغم اتفاقات الهُدن بين ابريل / نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول 2022، بين الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة أنصار الله(الحوثيين)، وتالياً تثبيت (حالة اللا هدنة  واللا حرب) القائمة   إلا أن الانتهاكات ضد المدنيين لم تتوقف إذ وثقت مواطنة لحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات التي قامت بها أطراف النزاع ضد المدنيين بما فيها الحريات الشخصية والهجمات البرية والانتهاكات التى طالت القطاع الصحي والعاملين فيه.

منذ بداية النزاع في اليمن، وثقت مواطنة لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة بحق المدنيين، والتي ترقى بعضها إلى جرائم حرب، بالإضافة إلى توثيق بقايا أسلحة أمريكية وبريطانية وإيطالية الصنع استخدمت في هجمات عديدة تنتهك القانون الإنساني الدولي.

انتهاكات عديدة وعدالة غائبة 

في الـ8 من أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قُتل حوالي 100 شخصًا وجرح حوالي 500 شخص آخرين إثر هجمات جوية على الصالة الكبرى في صنعاء أثناء تجمع عزاء، وكانت تلك الواقعة من أكثر الجرائم التي أرعبت المدينة المكتظة بالسكان، وعقب ذلك منع مسلحون تابعون لجماعة أنصار الله (الحوثيين) الناس وموظفي المنظمات الحقوقية من الوصول إلى المكان، فيما نفى التحالف مسؤوليته عن الهجمات. في وقتٍ لاحق قالت هيومن رايتس ووتش إن التحالف هو من ارتكب تلك الواقعة واعتبرتها جريمة حرب لا يجب السكوت عنها. 

منذ بداية النزاع في اليمن، وثقت مواطنة لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة بحق المدنيين، والتي ترقى بعضها إلى جرائم حرب، بالإضافة إلى توثيق بقايا أسلحة أمريكية وبريطانية وإيطالية الصنع استخدمت في هجمات عديدة تنتهك القانون الإنساني الدولي.

وقدمت هيئات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة تقارير مكثفة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن، ترقى العديد منها إلى جرائم دولية مثل جرائم الحرب، وربما تنطوي على مسؤولية جنائية لأفراد مرتبطين بأطراف النزاع ومن يدعمونهم. 

ويشير التقرير إلى أن مواطنة أصدرت 30 تقريرًا عن حقوق الإنسان منذ العام 2014، توثق العديد من الجرائم منها الهجمات على الرعاية الصحية والهجمات على المدارس وغيرها من الانتهاكات، ووفقا لتقارير الأمم المتحدة فقد جندت أطراف الصراع الأطفال وزجت بهم إلى جبهات القتال، وثقت الأمم المتحدة ارتفاع تجنيد الأطفال في العام 2016 بأكثر من خمسة أضعاف ممن جندتهم في العام 2015، وارتفع عدد قتلى الأطفال بأكثر من ستة أضعاف في تلك الفترة عن الفترة السابقة، وكانت النصيب الأكبر لجماعة أنصارالله (الحوثيين) في تجنيد للأطفال والزج بهم إلى الموت من بين الأطراف الأخرى.

وطوال فترة الحرب استخدمت أطراف النزاع أنماطًا وطرق عديدة لانتهاكات حقوق الإنسان بما فيها سياسة التجويع التي تقوم بها ضد المدنيين وإعاقة وصول المساعدات وفرض التحالف حصارًا اقتصاديًا كبيرًا على البلاد، ويفرض الحوثيين حصارًا كبيرًا وخانقاً على المدن بما فيها مدينة تعز، وهذه الممارسات قد ترقى إلى جرائم حرب وفقا للتقرير.

ورغم تلك الجرائم وغيرها فإن العدالة لاتزال مغيبة ولا يزال المنتهكون بعيدا عن العقاب، ويشير التقرير إلى أن منح الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونظامه حصانة وعفوا عن جرائمه عقب الاطاحة به من السلطة في العام 2011 كرس مفهوم الإفلات من العقاب بشكل كبير في البلاد وشرعن للعديد من الجرائم التي تحدث حتى اليوم. 

ويشير نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي ككل ويجب ألا تمر دون عقاب، كما يجب الملاحقة القضائية الفعالة عن إدانة المجتمع الدولي لمثل هذه الجرائم، من خلال ضمان تقديم الأفراد المسؤولين عنها إلى العدالة على ما فعلوه، وعدم الإفلات من العقاب، والاعتراف بالضرر الذي لحق بالضحايا. 

وفي السياق يعتبر التقرير أن اليمن بعيدة عن تحقيق تلك الأهداف وذلك لعدم وجود مساءلة جنائية وضعف سيادة القانون على المستوى المحلي إلى جانب تعثر استجابة العدالة الجنائية الدولية، ويرى التقرير أن أنظمة القضاء المحلية لأطراف الصراع بما في ذلك اليمن والسعودية والإمارات وإيران ليست خيارات صالحة لتحقيق العدالة فيما يتعلق بالجرائم الدولية المرتكبة في اليمن، وغير قادرة على ضمان إجراء تحقيقات ومحاكمات ذات مصداقية وفقًا لمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان المعترف بها.

 ورغم ذلك فإن التقرير يشير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم المحلية الأجنبية هي السبيل المتاح والتي يمكن من خلالها تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، كما يمكن للمجتمع الدولي وضع وإنشاء آلية دولية مستقلة ذات تركيز جنائي في اليمن وهي خطوة حاسمة يمكن اتخاذها على الفور إذا استجمعت الدول ما يكفي من الشجاعة السياسية. 

ومن جهة أخرى فإن تعدد الجناة في ارتكاب جرائم الحرب في اليمن، سواء الأفراد والجماعات الداخلية التي تدعمها دول خارجية فاعلة أو الدول الخارجية المشاركة في الحرب يؤثر في مسار تحقيق العدالة إذ لم تكن هناك آلية خاصة بالمساءلة القانونية في اليمن.

مغالطة أطراف النزاع تحت ذريعة الإنصاف  

في العام 2012 تم إنشاء اللجنة الوطنية للحكومة اليمنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، لكنها ظلت مفرغة من مهامها حتى 2015، وهوالعام الذي بدأت العمل فيه برصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها، وتحديد الجناة، وإحالة القضايا إلى مكتب النائب العام لمزيد من التحقيق والمقاضاة المحتملة، بعد ضغط أممي، لكن الأمر المقلق  هوعدم استقلالية تلك اللجنة وانحيازها وتحكم الحكومة المعترف بها دوليا بها ونوعية القضايا التي تعمل عليها وهو ما يؤثر على عملها.

في الجهة المقابلة وضعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة آليات مخصصة تدعي التحقيق في الأضرار المدنية التي تسببها قواتها في اليمن والاستجابة لها، لا سيما لجنة الإنصاف وهيئة رفع المظالم، ومع ذلك فقد أظهرت دراسة مفصلة أجرتها مواطنة لحقوق الإنسان وكلية الحقوق بجامعة ييل التابعة لعيادة لوينشتاين الدولية لحقوق الإنسان أن تحقيقات الحوثيين في الانتهاكات التي يرتكبها أعضاؤها بعيدة كل البعد عن تلبية المعايير الدولية، وهي لا تعمل بشكل مستقل ومحايد، وتفتقر للمصداقية بشكل كبير، في حين أنها غير فعاله تمامًا وغير شفافة، وقد فشلت في التحقيق في الانتهاكات المحتملة التي ارتكبها الحوثيون وتجاهلوا معظم ضحاياهم، وعرضت تلك الهيئات المدنيين لمزيد من المخاطر على سلامتهم.

وأشار التقرير إلى أن النظام القضائي في اليمن أوليات للمساءلة عن الجرائم الدولية بالإضافة إلى أن هناك أوجه قصور كثيرة جعلته غير قادرًا على من الناحية العملية على تقديم المساءلة وفقًا لمعايير القانون الدولي، ولا يزال يلزم اليمن البلد الغارق بالحرب والفساد إلى سنوات طويلة من أجل إيجاد آلية قانونية وطنية أو إجراء أي إصلاحات قانونية.

الأنظمة القضائية في السعودية والإمارات وايران وهس الدول البارزة في الحرب تعتبر غير مؤهلة إقامة محاكمة عادلة فيها لرعاياها المشركين في الحرب أو النزاع أو المتهمين في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وذلك بسبب عدم ضمان إنشاء محاكمات عادلة بسبب الأنظمة الحكومية.

من جهة أخرى انشأت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات فريق تقييم الحوادث المشترك (JIAT) التابع للتحالف في العام 2016 بغرض التحقق من بعض القضايا ويتكون من 14 شخصا ويرفع تقاريره إلى وزارة الداخلية السعودية ومنذ إنشاء الفريق فقد أثار مخاوف خبراء الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني بشأن افتقار الفريق المشترك إلى الشفافية والاستقلالية وهي معايير دولية مهمة فشل في تلبيتها بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

وبحسب ما جاء في التقرير فقد اتسم دور الفريق المشترك في ضمان المساءلة الجنائية عن الجرائم الدولية بعدم الوضوح، ولم يبذل الفريق سوى القليل من الجهد في بياناته لتحديد القوات المسلحة التابعة للدولة المتورطة في أعمال محددة غير مشروعة والقادة الذين قد يكونون مسؤولين جنائياً، باستثناء القوات اليمنية وبعض المسؤولين ذوي الرتب المنخفضة، وركز الفريق المشترك بشكل حصري تقريبًا على الضربات الجوية؛ كان التحقيق في الانتهاكات المزعومة الأخرى، مثل الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز، غير مُرضٍ.

وبالنسبة للأنظمة القضائية في السعودية والإمارات وايران وهي الدول البارزة في الحرب تعتبر غير مؤهلة إقامة محاكمة عادلة فيها لرعاياها المشركين في الحرب أو النزاع أو المتهمين في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وذلك بسبب عدم ضمان إنشاء محاكمات عادلة بسبب الأنظمة الحكومية.

وبرغم عدم إبداء المحكمة الجنائية الدولية أي اهتمام في الحرب في اليمن إلا أن إنشاء آلية مساءلة دولية الجرائم في اليمن يمكن أن يحقق العدالة الغائبة في اليمن وينصف الضحايا ويضع حدا لسلسلة الانتهاكات التي تحدث في اليمن.

حفظ الأدلة ومحاكمة جنائية 

يشير التقرير إلى ضرورة إنشاء آلية تركز على الجرائم في اليمن بشكل سريع، وذلك من أجل حفظ الذاكرة الحقوقية وضمان حمايتها ومن أجل ألا يتمتع مجرمو الحرب بالعفو العملي بسبب فقدان أو إتلاف الأدلة الحاسمة، كما يمكن لوجود آلية تحقيق دولية في اليمن تركز على القضايا الجنائية أن تجمع الأدلة بشكل مباشر وتنخرط في تحقيق مفتوح المصدر، والذي قد يشمل أخذ شهادات الشهود وتوثيق مسارح الجريمة والحصول على أنواع أخرى من المواد المادية والسمعية والبصرية والرقمية والمتعلقة بالطب الشرعي. 

ويرى التقرير أن وجود تلك الآلية ستسمح أيضًا بقبول مجموعة واسعة من المواد من مجموعة متنوعة من المصادر، مثل أرشيف فريق الخبراء البارزين الذي تم حله (بما في ذلك قائمة سرية بالأفراد الذين يحتمل أن يكونوا مسؤولين عن جرائم دولية) وكيانات الأمم المتحدة الأخرى المشاركة في انشطة التوثيق، والمنظمات الإقليمية أو الدولية، والسلطات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، وأي مجموعات أو أفراد آخرين وقد يكون لديهم إمكانية الوصول إلى المواد ذات الصلة، بما في ذلك الضحايا أنفسهم، ويمكن أن تتعلق المواد بالجرائم نفسها أو بالأشخاص المسؤولين عن تلك الجرائم، بما في ذلك الأدلة حول الهياكل التنظيمية التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص. 

بالإضافة إلى ذلك ركز التقرير على أن إنشاء آلية تحقيق أممية مستقبلية تركز على القضايا الجنائية في اليمن سيعني أن الآلية قد تشارك فقط المواد مع السلطات التي يمكنها الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة، لذلك، من الواضح أن المحاكم في اليمن والسعودية والإمارات  ليست مختصة باستلام مثل هذه المواد. 

وبرغم عدم إبداء المحكمة الجنائية الدولية أي اهتمام في الحرب في اليمن إلا أن إنشاء آلية مساءلة دولية الجرائم في اليمن يمكن أن يحقق العدالة الغائبة في اليمن وينصف الضحايا ويضع حدا لسلسلة الانتهاكات التي تحدث في اليمن.


(تعاون نشر مع مواطنة )

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English