ما أن بدأ التحالف بقيادة السعودية والإمارات في قصف الصيادين الحرفيين في البحر قبالة سواحل الحديدة، حتى قالت امرأة إن ابنها "لم يعد قادرًا على الذهاب للصيد"؛ لذلك قرروا الفرار خوفًا من الموت جوعًا أو على يد المقاتلات الحربية. لم يكن أمام بعض الصيادين أي خيار سوى العودة إلى الصيد؛ "لأنهم لا يملكون مصدرًا آخر يحصلون منه على الغذاء أو الدخل".
وبالمثل، تحدث رجل في مديرية ذو باب بمحافظة تعز، عن كيفية قيام الحوثيين بزرع ألغام أرضية في كل مكان، دون "وضع لافتات أو خرائط توضح أماكن تواجد هذه الألغام"، لتصبح "تهديدًا لجميع السكان، الذين لم يكونوا يعانون من الجوع أو ندرة المياه قبل زرع الألغام، وكانت معيشتهم على ما يرام"، ولكن بسبب الألغام الأرضية، "توقفوا عن الخروج لرعي ماشيتهم وجمع الحطب والزراعة، وانقطعت المياه عنهم".
هكذا عبثت الحرب باليمنيين كما رصدته منظمة مواطنة اليمنية لحقوق الإنسان (المرشحة مع حملة مناهضة تجارة الأسلحة، لجائزة نوبل للسلام 2021) والامتثال العالمي للحقوق (GRC)، وتسببت في دمار واسع النطاق للبنية التحتية للغذاء والماء، بما في ذلك مرافق الإنتاج الصناعي والمشاريع الزراعية والمزارع ومصادر أخرى للغذاء والماء. لم يكن التدمير من قبيل الصدفة؛ فقد دمرت الأطراف المتحاربة هذه البنية التحتية بهجمات جوية، وهجمات برية وألغام أرضية، مما لم يؤدِّ إلى تفاقم المجاعة المتفشية في البلاد فحسب، بل ساهم أيضًا في سقوط شرائح كبيرة من السكان المدنيين في براثن الفقر. وبالإضافة إلى الدمار الذي أحدثوه، قام أطراف النزاع أيضًا بتقييد وصول الإمدادات الإنسانية اللازمة لإطعام السكان. على الرغم من أن ضحايا التجويع غالبًا ما يكونون لا مرئيين، إلا أن الأثر الواسع لهذا السلوك أكبر من أن تتم الإحاطة به أو قياسه.
يعتبر استخدام التجويع، كأسلوب من أساليب الحرب، جريمةَ حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي. وعلاوة على ذلك، يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان حقًّا غير قابل للانتقاص في الحصول على الغذاء والماء، والذي يتضمن التزامًا بالامتناع عن القيام بأنشطة يمكن أن يكون لها تأثير مباشر يصل إلى حد حرمان السكان من الطعام والماء.
وخلص تقرير مشترك أعدته منظمة مواطنة والامتثال العالمي للحقوق (GRC)، إلى أن التحالف بقيادة السعودية والإمارات وأنصار الله (الحوثيين) استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ أعاق سلوكهم بشكل كبير وصولَ المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك بالرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، حيث كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.
وفق التقرير الذي سيتم إطلاقه في الأول من سبتمبر/ أيلول، فقد كان أعضاء التحالف بقيادة السعودية والإمارات وأنصار الله (الحوثيين) مدركين يقينًا، عند ممارستهم لتلك السلوكيات، بأن التجويع سيحدث في المسار العادي للأحداث -أي دون تدخل إنساني- أو أنهم تعمّدوا استخدام التجويع كأسلوب حرب.
ويرى علي جميل، مدير المساءلة والإنصاف في منظمة مواطنة، أن هناك أهمية لتحديد المسؤولين عن استخدام التجويع كأسلوب حرب، فضلًا عن الجرائم الأخرى المرتكبة في سياق النزاع في اليمن.
ويبين جميل، أن التقرير وثّق تحقيقات ميدانية استمرت لمدة عام، وعمليات بحث وتوثيق استمرت طيلة ثماني سنوات في جميع أنحاء اليمن، توصل إلى نتائج مهمة عن تعرض اليمنيين لسياسة تجويع ممنهجة بواسطة الحرب، وكيف حرمت أطراف النزاع في اليمن المدنيين من الأعيان والمواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، مما أدّى إلى تجويعهم، في بعض الحالات، حتى الموت.
ويضيف أن وصف الناس في جميع أنحاء اليمن، عند سؤالهم عن الآثار التي تسببت بها هجمات الأطراف المتحاربة وسلوكياتهم الأخرى على حياتهم، بأنها آثار وخيمة على مصادر الغذاء والماء والبنية التحتية المدنية الحيوية.
ووثّق التقرير العديد من الحالات لأسر تضررت من الحرب وفقدت مصادر رزقها نتيجة قصف طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات، كما هو حال أسرة العاقل، التي كانت تعمل في مزرعة وسط سهل تهامة في الساحل الغربي لليمن، حيث وقعت ضحية لهجوم شنه التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والذي أصاب ثلاثة أفراد من العائلة؛ ودمر مضخة المياه الخاصة بالمزرعة، بالإضافة إلى أجزاء من شبكة الري (وهي من ضروريات الإنتاج في المزرعة)، وكمية كبيرة من المحاصيل. وأصبحت المزرعة غير صالحة للعمل بعد تعرضها لهذه الهجمة.
كما أدّت الهجمة إلى فقدان الأسرة، وأسر العاملين الذين كانوا يعتاشون من المزرعة، وعددهم 21 عاملًا، لمصدر الرزق والغذاء الأساسي لهم. وقال مالك المزرعة، أحمد العاقل (48 سنة): "لقد فقدنا المصدر الذي كان يؤمِّن لنا الغذاء والدخل. لكن أجزاء من المزرعة لا تزال غير صالحة للزراعة".
تسببت التكاليف الباهظة التي يجب على العائلة دفعها لشراء مضخة مياه جديدة وترميم شبكة الري ومحاولة إصلاح الأرض، في إثقال كاهل العائلة بمزيد من العبء؛ نتيجة للتدهور السريع في قيمة العملة المحلية في جميع أنحاء البلاد.
هناك العديد من الطرق التي يهدف من خلالها القانون الدولي إلى حماية حق الأشخاص في الحصول على الغذاء، بما في ذلك أثناء النزاعات.
ويعتبر استخدام التجويع، كأسلوب من أساليب الحرب، جريمةَ حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي. وعلاوة على ذلك، يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان حقًّا غير قابل للانتقاص في الحصول على الغذاء والماء، والذي يتضمن التزامًا بالامتناع عن القيام بأنشطة يمكن أن يكون لها تأثير مباشر يصل إلى حد حرمان السكان من الطعام والماء.
أرزاق مفقودة
ضحايا بالعشرات في أوساط الصيادين اليمنيين نتيجة الحرب والقصف الجوي، ما بين قتيل وجريح وفاقد لعملة يعيلون أسر عددهم بالآلاف أصبحوا بدون عائل ويعتمدون على المساعدات الإغاثية الشحيحة.
وتذكر بيانات إحصائية، أن هناك 100 ألف صياد وعامل في مهنة صيد الأسماك تأثروا أو فقدوا مصادر دخلهم، يعيلون أُسرًا يُقدر عددها بنحو 2.6 ملايين فرد، منهم 30 ألف صياد و102 موظفًا و21 ألفًا من الأيدي العاملة المساعدة تأثروا بشكل مباشر، إضافة إلى تأثر أكثر من 50 ألف صياد وعامل بشكل غير مباشر.
وذلك بسبب القصف والحرب والصراع الدائر في اليمن وأزمات الوقود والاختطافات في عرض البحر والألغام البحرية والسفن الحربية المنتشرة على طول السواحل اليمنية، خصوصًا الغربية، والتي أدّت لحرمان هؤلاء الصيادين من ممارسة أعمالهم والوصول إلى أماكن الاصطياد التي أصبحت عملية الوصل إليها مخاطرة يتردد كثير منهم في القيام بها.
في اليمن، يصل قوام قوى العمل في القطاع السمكي نحو 100 ألف صياد في 30 ألف قارب صيد تقليدي، يمارسون عملهم على امتداد 2700 كيلومتر من السواحل والجزر اليمنية.
تتضمن التبعات كذلك، تدمير 249 قارب صيد في سواحل اليمن الغربية، وبلغ عدد القوارب التي أوقفت نشاطها 5 آلاف و86 قاربًا، فيما وصل فاقد إنتاجها نحو مليار دولار.
كما تسببت الحرب وفق تقارير صادرة عن الأمم المتحدة في تقلّص الإنتاج الزراعي وصيد الأسماك، التي يعمل فيها نحو 70% من القوة العاملة، وتقلّص نسبة العمل إلى الثلث، إضافة إلى أن "أكثر من 80% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، أي بزيادة الثلث منذ بَدء الصراع، والإخلال في مستويات الدخل لأكثر من ربع السكان.
فضلًا عن فقدان المواطن اليمني ثلثي دخله نتيجة ارتفاع التضخم وانهيار العملة وارتفاع نسبة الفقر إلى ما يقرب من 70%، ومعاناة نحو 80% من انعدام الأمن الغذائي، ونالت المناطق والمحافظات التي دارت فيها الحرب، خصوصًا تعز والحديدة وصعدة ومأرب والجوف (شمالًا) وعدن وشبوة ولحج والضالع (جنوبًا)، والمناطق التي استقبلت ملايين النازحين مثل صنعاء وإب وما تزال تعاني، النصيبَ الأكبر من المعاناة الإنسانية.
وفاقم الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن من معاناة السكان وتردي وضعهم المعيشي وصعّبَ من عملية تنقلاتهم للسفر والعمل بشكل كبير، كما كان للألغام الأرضية المزروعة في جميع أنحاء المحافظة تأثير كارثي على إمكانية وصول المدنيين إلى الغذاء، وكذلك على سبل عيشهم.
وفق تقرير "صناعة التجويع في اليمن بواسطة الحرب"، فقد تم زرع الألغام المضادة للأفراد في الحقول وعلى طول الطرق في كثير من الأحيان دون وجود علامات، مما يعيق الوصول إلى البنية التحتية الحضرية والمنازل والمراعي ومصادر المياه، إذ يعتمد الكثير من الناس في المحافظة، وخاصة في الجانب الغربي منها، على الزراعة والرعي وصيد الأسماك كمصدر للدخل وكمصدر للغذاء. لكن الألغام الأرضية أعاقت قدرة المجتمعات المحلية على مواصلة هذه الأنشطة، وتركت الكثيرين منهم بدون مصادر رئيسية لكسب الرزق والغذاء.
أساليب محظورة دوليًّا
شاع في اليمن المثل الشعبي "لا أحد يموت من الجوع". وفي مجتمع عرف عنه شمائل الطيبة والكرم، من إكرام الضيف إلى إغاثة وإطعام الملهوف والغريب وعابر السبيل- كان من الطبيعي ألّا يعاني اليمنيون في كثير من الأحيان من الجوع، بغض النظر عن تعرضهم لانعدام الأمن الغذائي وظروفهم الأخرى.
مع ذلك، فإن ثقافة اللطف والكرم هذه لم تمنع الجماعات من استخدام التجويع كسلاح في العديد من صراعات السلطة التي عصفت باليمن.
تسببت الحرب وعشرات الهجمات الجوية في إلحاق أضرار وتدمير لمزارع وثروة حيوانية وأراضٍ زراعية وأدوات ومعدات زراعية ومواد غذائية في مخازن وعلى شاحنات في اليمن منذ عام 2015، ويذكر التقرير وقوع ما يقرب من 30 هجمة جوية في محافظة حجة، منها 12 غارة استهدفت مزارع خاصة بالفاكهة.
لم يعد "لا أحد يموت من الجوع" مثلًا يمكن قوله بسهولة، حيث مات عدد لا يحصى من اليمنيين من الجوع طوال الحرب أو واجهوا تهديدًا مستمرًا بأن يواجهوا مثل هذا المصير.
ويعد الجوع من أكبر التهديدات للسلام والاستقرار في اليمن. مع ذلك، فإن الطرق المؤدية إلى المساءلة عن استخدام التجويع كأسلوب حرب من قبل الأطراف المتحاربة محدودة.
ووثّق التقرير الهجمات الجوية التي شنّها التحالف بقيادة السعودية والإمارات على مزارع في مديرية عبس بمحافظة حجة، وعلى مرافق المياه في مديريتي سحار وكتاف والبقع في محافظة صعدة، وعلى قوارب ومعدات الصيد الحرفي في مديرية اللحية بمحافظة الحديدة. فقد دمّرت الهجمات أو ألحقت أضرارًا وعطلت أعيانًا لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. وتحديدًا المناطق الزراعية وأعمال الري والثروة الحيوانية والمواد الغذائية والبنية التحتية للمياه وقوارب الصيد ومعدات الصيد.
يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وتحظر المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني "استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب" في النزاعات المسلحة غير الدولية، حيث إنها تنص على أنه "يُحظر لهذا السبب مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو تعطيل الأعيان أو المواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية المستخدمة لإنتاج المواد الغذائية والمحاصيل والثروة الحيوانية ومنشآت وإمدادات مياه الشرب وأعمال الري".
أجرت كلٌّ من منظمة مواطنة والامتثال العالمي للحقوق (GRC)، أبحاثًا مكتبية موسعة. أجرى فيها الامتثال العالمي للحقوق (GRC)، أبحاثًا قانونية، مع التركيز على التجويع، حول المعايير المعمول بها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان (IHRL) والقانون الإنساني الدولي (IHL)، وكذلك القانون الجنائي الدولي (ICL)، بالإضافة إلى البحث في المصادر المفتوحة عن معلومات عن الأنماط المحددة الموثقة في هذا التقرير. كما أجرت الامتثال العالمي للحقوق (GRC)أيضًا بحثًا في الخلفية حول القضايا السياقية، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي في اليمن والخطوات المتخذة حتى الآن لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
الحاجة للمحاسبة
تسببت الحرب وعشرات الهجمات الجوية في إلحاق أضرار وتدمير لمزارع وثروة حيوانية وأراضٍ زراعية وأدوات ومعدات زراعية ومواد غذائية في مخازن وعلى شاحنات في اليمن منذ عام 2015، ويذكر التقرير وقوع ما يقرب من 30 هجمة جوية في محافظة حجة، منها 12 غارة استهدفت مزارع خاصة بالفاكهة.
ويعاني اليمن من تبعات كارثية للصراع الدائر في البلاد، من فقر وبطالة وتوسع رقعة الجوع وفقدان مصادر الدخل وعدم قدرة معظم السكان على توفير الوجبات اليومية.
وترجح تقارير أممية معاناة ما يقارب من 20 مليون نسمة في اليمن من الجوع، منهم 17 مليون بحاجة عاجلة إلى شكل من أشكال المساعدة.
وفي الوقت الذي تقدر فيه بيانات اقتصادية رسمية أن نحو 47% من الأسر اليمنية فقدت مصدر دخلها، تشير تقارير أممية مماثلة أن معدل الجوع في اليمن حاليًّا لم يسبق له مثيل ويسبب معاناة شديدة لملايين اليمنيين.
ويرى خبراء اقتصاد أن الحرب الحقيقية لم تكن في جبهات القتال، بل في معيشة اليمنيين وأرزاقهم ولقمة عيشهم، فقد دارت حرب ضروس شنتها جميع الأطراف من قصف التحالف وحصارهم وإغلاقهم للمنافذ البحرية والجوية والبرية، إلى نهب الحوثيين للموارد العامة وتكوين اقتصاد موازٍ اعتمد على السوق السوداء للوقود والعملة والكهرباء، وفرض الجبايات ونهب المساعدات، وعدم قيام الحكومة اليمنية بصرف رواتب الموظفين المدنيين في جميع المناطق اليمنية واقتصارها على مناطق نفوذهم.
كل هذه العوامل وغيرها، ساهمت في تفشي الجوع والبطالة وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وهو ما يستدعي قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع الضرر عن اليمنيين ومعاقبة المتسببين بتجويعهم، فقد وصل حال معظم السكان إلى مرحلة حرجة يصعب تحملهم لها.
ويهدد انعدام الأمن الغذائي المتسارع في اليمن حياة ما يقرب من 20 مليون شخص، إذ إن 7 من كل 10 يمنيين تقريبًا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وفق تقارير حكومية وأممية، وبهذا يرتفع عدد الأشخاص في مرحلة الكارثة الغذائية. فيما هناك نحو (360,000) طفل يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهذه أرقام عالية وحرجة تضع اليمن في المركز الأول على خارطة أزمات الغذاء في العالم، متأثرة بعدد من العوامل المحركة المرتبطة بتداعيات الحرب والصراع وأزمات الاقتصاد والتغيرات المناخية.
هناك ملايين الجوعى، سواء بسبب عدم قدرتهم على التنقل والوصول إلى الغذاء والماء وسبل العيش، أو بسبب فقدانهم لقمة العيش بسبب توقف دفع رواتبهم الحكومية، أو بسبب تدمير البنية التحتية. وخطوط الإنتاج أو بسبب العديد من الأسباب المعقدة الأخرى. ساهمت الأطراف المتحاربة بشكل مباشر في كل من هذه العوامل السببية، حتى عندما لا تكون أفعالهم مرتبطة بشكل واضح ومرئي بنتيجة المجاعة.
وأدّى عدم الحصول على الغذاء إلى ضعف صحة اليمنيين بشكل هائل. تصاعدت وفيات الأطفال، وكذلك الكبار، من سوء التغذية، أو من الأمراض التي تهاجم جهاز المناعة الضعيف. توفر الصور المؤلمة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في جميع أنحاء اليمن والتي تم تداولها في جميع أنحاء العالم، لمحة صغيرة للحالة المخيفة للأمن الغذائي في البلاد. كانت الحرب التي طال أمدها وسلوك أطراف النزاع السبب الرئيس لانعدام الأمن الغذائي.
وقد ناقش التقرير آليات المسألة المتاحة حاليًّا وجوانب ضعفها والتحديات التي تقف أمام تحقيق عدالة فعلية وشاملة، ويعد هذا التقرير الذي أعدته مواطنة لحقوق الإنسان والامتثال العالمي لحقوق الإنسان GRC، بمثابة مقدمة للنظر في الطرق التي تسبب بها سلوك أطراف هذه الحرب في التجويع، وآثار ذلك على السكان في اليمن.
وأوصى التقرير بضرورة وجود آلية تحقيق لها القدرة والولاية في النظر لمثل الانتهاكات المركبة ومسؤولية من جميع الأطراف المسلحة عنها، وضرورة إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يحاول هذا التقرير وضع وجوه للملايين غير المرئيين الذين يعانون من التجويع الذي تناولته تقارير الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على مدى السنوات الماضية، إذ إن هناك حاجة إلى مزيد من التحقيق والتحليل لأنماط انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي تسببت في انعدام الأمن الغذائي وأثرت عليه.
كما أن هناك حاجة أيضًا إلى مزيد من التحقيق من أجل تحديد مرتكبي هذه الانتهاكات، الذين ضحوا بحياة اليمنيين في سعيهم وراء السلطة، والذين يجب محاسبتهم على أفعالهم.