دفعت الظروف الصعبة وتردي الأوضاع المعيشية وتوقف رواتب المواطنين المدنيين، المواطنَ الخمسينيّ محمد ياسر (اسم مستعار)، إلى اتخاذ خيارات صعبة وشاقة لم يكن يتخيل في يومٍ ما اللجوء إليها في توفير ما أمكن من متطلبات الحياة المعيشية.
محمد من سكان العاصمة صنعاء، والذي يعيل أسرة مكونة من 8 أفراد، اضطر إلى انتزاع ابنه الأكبر من الجامعة للعمل في ورشة صيانة لتنجيد السيارات؛ بينما ثلاثة من أبنائه تقل أعمار أثنان منهم عن 10 سنوات مع والدتهم يجوبون الشوارع لجمع مخلفات البلاستيك وجمع ما أمكن من المال، والذي لا يزيد في اليوم عن 2000 ريال.
ينتشر في العاصمة اليمنية صنعاء عشرات من الأطفال والرجال والنساء، منهم كبار في السن، لجمع مخلفات البلاستيك والمواد المعدنية والذهاب بها إلى مراكز خاصة بشرائها وتجميعها لحساب مشاغل تعمل على إعادة تدويرها، إذ لا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من هذه المخلفات التي يتم جمعها عن 80 ريالًا، بحسب عدد من العاملين في هذا المجال تحدثوا لـ"خيوط".
في هذا الخصوص، وضعت منظمات دولية اليمن كثاني أكبر أزمة غذاء في العالم بفعل الحرب والصراع الدائر والحصار وتبعاتهما في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد عن 100٪ منذ العام 2016، فيما يواجه أكثر من 16 مليون شخص في اليمن أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي هذا العام.
وأدّت حالات الحصار والنزاع وأزمة الوقود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى أكثر من الضعف منذ نحو خمس سنوات مع انخفاض المساعدات الإنسانية إلى النصف، ما أدّى إلى تقليص استجابة الوكالات الإنسانية وخفض المساعدات الغذائية المقدمة إلى 5 ملايين شخص. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف شبيهة بالمجاعة ثلاث مرّات تقريبًا ليصل إلى 47 ألف شخص خلال الشهر الحالي يوليو/ تموز، ناهيك عن حاجة 70% من السكان حوالي 21 مليون نسمة، بحسب تقرير حديث صادر عن منظمة أوكسفام، حصلت "خيوط" على نسخة منه- إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
التجويع كسلاح حرب
بحسب التقرير، "تواصل الأطراف المتحاربة استخدام التجويع كسلاح حرب، من خلال حرمان المدنيين من الغذاء والماء وإعاقة المساعدات الإنسانية. ولا يمكن أن يعيش الناس بأمان أو أن يجدوا حاجتهم من الغذاء حين تُقصَف أسواقهم أو تضرم النيران في محاصيلهم أو تقتل مواشيهم."
تستمر الحرب في الإضرار بالفئات الضعيفة في اليمن كالنساء والأطفال الأكثر تأثرًا بها، إذ سجّل سوء التغذية رقمًا قياسيًّا في البلاد؛ حيث يعاني أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة و2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحادّ
أشار التقرير إلى بهجة؛ سيدة يمنية من محافظة حجّة، وهي أم لثمانية أطفال، وزوجها طاعن في السن ولا يستطيع العمل، اضطرت إلى النزوح عدّة مرّات بسبب الحرب؛ إذ لم يكن أمام هذه الأسرة من خيار سوى إرسال أطفالهم ليتسوّلوا بعض الطعام أو ليجمعوا بقايا الأكل من المطاعم؛ وحتى الطعام الذي استطاعوا جمعه لم يكن كافيًا.
في السياق، تحدث الباحث الاقتصادي ياسين القاضي لـ"خيوط"، أن العام الحالي هو الأصعب على اليمنيين بعد تردٍّ مريع للأوضاع المعيشية والاقتصادية، وفقدان ثلثي السكان لمصدر دخلهم الوحيد وتخلي جميع الأطراف عن القيام بمسؤوليتهم في التخفيف من معاناة المواطنين مع استمرار الحرب والصراع الدائر ومراوحة الملف السياسي مكانه دون حدوث أي تقدم ملموس في إيقاف الحرب والصراع وإحلال السلام في البلاد.
من جانبه يقول المحلل الاقتصادي عدنان الحريبي، في محافظة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، إن تدهور العملة الوطنية وانخفاضها لمستويات تاريخية منذ الأسبوع الماضي يفاقم معاناة المواطنين ويضيق الخيارات أكثر لإيجاد الحلول الاقتصادية المناسبة لإيقاف هذا التدهور بما ينعكس في تخفيف المعاناة الإنسانية المتفاقمة؛ إذ يؤدي -كما يؤكد لـ"خيوط"- انهيار العملة إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وتقليص قدرات المواطنين في الحصول على احتياجاتهم الغذائية.
وتستمر الحرب في الإضرار بالفئات الضعيفة في اليمن كالنساء والأطفال الأكثر تأثرًا بها، إذ سجل سوء التغذية رقمًا قياسيًا في اليمن؛ حيث يعاني أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة و2.3 مليون طفل دون سن الخامسة، من سوء التغذية الحادّ؛ منهم 400 ألف طفل معرضون لخطر الوفاة بسبب سوء التغذية، بينما يعاني أكثر من 86% منهم من فقر الدم.
كما ضاعفت أزمة المناخ من الأزمات الغذائية في اليمن بسبب تأخر هطول الأمطار وندرتها، والذي تسبب في صعوبات بالغة للمزارعين الذين يعانون أصلًا من ندرة الوقود وارتفاع أسعاره، فيما أثرت الفيضانات على أكثر من 300 ألف شخص، معظمهم من النازحين الذين لا دخل لهم ولا مأوى، في حين تسبب الجراد الصحراوي في أضرار تعرضت لها المحاصيل تقدر قيمتها بنحو 222 مليون دولار.
تبعات استمرار النزاعات
يقول تقرير منظمة أوكسفام، إنّ حوالي 11 شخصًا يموتون كل دقيقة بسبب الجوع وسوء التغذية على الأرجح، وهو عدد يتجاوز العدد الحالي للوفيات بسبب كورونا، وهو ما يقرب من سبعة أشخاص في الدقيقة الواحدة.
فيما لا يزال النزاع هو السبب الرئيس للجوع منذ تفشي الجائحة، ما دفع بأكثر من نصف مليون شخص إلى ظروف شبيهة بالمجاعة، وبزيادة أكثر من ستة أضعاف منذ عام 2020. حيث دفعت آثار فيروس كورونا 45 مليون شخص إلى الفقر، بينما تستمر عدة صراعات في الاشتعال، تعد سوريا واليمن من أسوأ الدول بمعدلات الجوع في العالم.
وعلى الرغم من تفشي الجائحة، ارتفع الإنفاق العسكري العالمي بمقدار 51 مليار دولار؛ وهو ما يكفي لتغطية ستة أضعاف ونصف ما تقول الأمم المتحدة إنها بحاجة إليه لوقف الجوع. وفي الوقت نفسه، أدّى النزاع والعنف إلى أكبر نزوح داخلي على الإطلاق، ما أرغم 48 مليون شخص على الفرار من ديارهم في نهاية عام 2020.
بحسب غابرييلا بوشيه المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام، فإنّ العمال غير النظاميين والنساء والنازحين وغيرهم من الفئات المهمّشة هم الأكثر تضررًا من النزاع والجوع. وتتأثر النساء والفتيات بشكل خاص، وغالبًا ما يكنّ آخر من يتناولن الطعام وبأقلّ كميات متاحة، كما يواجهن خيارات مستحيلة، مثل اضطرارهن إلى الاختيار بين الذهاب إلى السوق والمخاطرة بالتعرّض للاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو مشاهدة أسرهن وهي تتضوّر جوعًا"
بشكل عام، يعيش الآن 155 مليون شخص حول العالم في حالة انعدام الأمن الغذائي عند مستوى الأزمة أو أشدّ؛ أي بزيادة نحو 20 مليون شخص عن العام الماضي. ويعاني حوالي ثلثي هؤلاء الأشخاص من الجوع في المقام الأوّل جراء الحروب والنزاعات الدائرة في بلدانهم.
كما يصف التقرير الأثر الهائل للصدمات الاقتصادية، التي تفاقمت بشكل خاص جراء جائحة كورونا وأزمة المناخ، ما دفع عشرات الملايين من الناس إلى الوقوع في براثن الجوع. وقد أدّت البطالة الجماعية والاضطرابات الشديدة في إنتاج الأغذية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 40%، وهو أعلى ارتفاع لها منذ أكثر من عقد من الزمان.