"كلام عن المُكَلاّ وأهلها"

"الخيصة" التي صارت بندرًا ومدينة
خيوط
May 13, 2023

"كلام عن المُكَلاّ وأهلها"

"الخيصة" التي صارت بندرًا ومدينة
خيوط
May 13, 2023
خيوط

بعد ثلاثة أعوام من إصداره لكتاب "تريم بوابة الفكر القومي العربي: علي عقيل ابن يحيى رائدًا"، عاد الدكتور صالح أبوبكر ابن الشيخ أبوبكر وأصدر كتابًا جديدًا عن المُكَلّا، أسماه "كلام عن المُكَلّا وأهلها"(*)، مشتملًا على تسعة وثلاثين فصلًا متنوّعًا، قارب فيها المؤلف تاريخ المدينة وجملة المتغيرات، أو بمعنى أشمل تتبّع بدقة تاريخها منذ نشوء أول حاراتها (حافة البلاد) على اللسان البحري الذي يمتد في عمق البحر جنوبًا، وصولًا إلى الحال الذي وصلت إليه اليوم "حين كبرت وتضخمت عمرانيًّا، ولكنها صارت تفقد السمات المدينية، وفي الوقت الذي تتسع فيه حَضَريًّا، تجدبُ ثقافيًّا وتتخلف حضاريًّا، وهي بذلك تعيش حالة من حالات "تخلف نمو العقل الجمعي" حينما يكون الكيان المعني بحجم واتساع ومظهر مدينة، ولكنه يتسم بعقلية جمعية أدنى من سلم التطور الحضري هي أقرب إلى القرية والريف"، كما جاء في فصل الاستهلال.

في الفصل الثاني المعنون بـ"من الخيصة إلى بندر يعقوب"، يذهب المؤلف إلى أنّ المكلا مدينة حديثة، وليست بعراقة مدن مثل الشحر أو تريم أو شبام في ساحل ووادي حضرموت، وبالكاد تجد بين الرحالة والمؤرّخين القدامى من يذكرها، وأنّ أول شيخ للصيادين الذي كانوا يرتادونها في أشهر معينة من السنة كان اسمه "المنصوري" من بلاد المهرة؛ وقبل أن تُعرف باسمها اليوم، كان يطلق عليها اسم "الخيصة" التي تعني فيما تعني، المياهَ الراكدة أو الجزء الوعر من الساحل الذي لا تغطيه الأمواج، كما تعني أيضًا موقع أكواخ الصيادين.

ويُؤرخ لبداية الاستيطان بها بحوالي سنة 1158م، حين حلّ بالمكلا شيخ جليل مع أبنائه وأحفاده، هو الشيخ (يعقوب بن يوسف بن علي بن طِراد) من أهالي العراق، ولعله كان من أسرة مستوزرين هناك، ومن هنا لصقت باسمه صفة (الوزير)، وقد أصبحت ذرية الشيخ يعقوب لاحقًا يُعرفون بآل الوزير أو (آل با وزير) المنتشرين في جميع أنحاء حضرموت.

أما كيف صار اسمها المكلا، فذلك من العلاقة الجدلية بين الإنسان والمكان، الذي يحاول فيه الأول أن يبتكر علاقة سببية في الدور الوظيفي للثاني حتى يعطيه اسمًا للتداول المشاع، فجاء الاسم (العجيب) ليحمل دلالة (الحفظ والصون والرعاية والعناية) للسفن من كونه خليج بحري لحفظ ورُسُو السفن اشتقاقًا من ألفاظ مترادفة، مثل: (الكَلْء، والكِلاء، والكِلاءَة) كما ذكر ابن عبيد الله السقاف في كتابه (إدام القوت في تاريخ حضرموت).

حتى بداية القرن الثامن عشر (1705م)، كانت المكلا بعيدة عن معارك الصراع القبلي والعشائري، وكانت مستقلة عن أيٍّ من السلطات التي كانت قائمة في حضرموت الساحل أو الوادي، أمّا قبل ذلك فتذكر بعض المصادر أنّها ربما خضعت لنوع من (سلطة الأمر الواقع) التي مارستها بعض القبائل المسلحة التي تسكن المناطق المجاورة لها خاصة بموجب العُرف القبَلي أو بسط اليد، وذلك بفرض إتاوات ورسوم على الصيادين وأصحاب السفن التي تلجأ إلى بحر المكلا مقابل حماية شكلية، فيدفعونها لهم صاغرين.

أول سلطة فعلية في المكلا، كانت لأبي بكر الجدجاني، الذي وصلها مع بعض أفراد قبيلته اليافعية في العام 1572م، وهم في طريقهم إلى الهند طلبًا للرزق، وحين استقرّت بهم السفينة في الموضع نزلوا إلى البر ووجدوا أنّ [أهل] البادية المحيطة بالمكلا يتناوشون فيما بينهم، فما كان من (كبير آل جدجاني) إلَّا أن عرض عليهم وساطته، فحكّموه، فتمكن من الصلح بينهم، فعرضوا عليه بدورهم أن يمكث في بلدتهم ويكون حكَمًا في المنازعات بينهم، فرحّب بالعرض بدون تردد.

وبذاك فقد أصبح أبوبكر الجدجاني أول شيخ أو (كبير المكلا) أو قل (حاكمها غير المتوج) بعد مرور 414 عامًا على وفاة الشيخ يعقوب بن يوسف، وقبل حوالي 130 عامًا على قيام الإمارة الكسادية.

بعد محتويات الفصول الأربعة الأولى من الكتاب، والتي حاولنا تكثيفها في العرض القصير هذا، هناك غوص شديد العمق في التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لمدينة المكلا على مدى 450 سنة.

يقول الدكتور عبدالله سعيد بن جسار الجعيدي، عن الكتاب في تقديمه:

"لا يعرف السكوت، مثله في ذلك مثل مدينة المُكَلّا التي لا تكاد تكف عن الكلام حتى بعد أن ينام أهلها، فتتسامر مع أمواج البحر في سيمفونية خالدة تنبض بالحياة، والأمل المظلل بالغمام، وبرذاذ البحر المنعش للبيوت، ومنها بيت المؤلف الذي يقع في القلب منه (حافة البلاد)، هناك حيث رمزية البدايات". 

(*) دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، الطبعة الأولى 2023، (622) صفحة من القطع الكبير.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English