تعد محافظة الضالع، إحدى المحافظات اليمنية التي تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة، وتُشكّل زراعة القات المورد الأكبر في مجال الزراعة بالمحافظة، ومنذ مطلع الألفية الثالثة اكتسح القات الحقول الزراعية في مختلف مناطق الضالع، على حساب تراجع المحاصيل الزراعية الأخرى، ويعود السبب في ذلك إلى كونه يُمثّل محصولًا نقديًّا سريع الإنتاج، ومردوده المادي أكبر، مقارنة بالمحاصيل الأخرى التي تتقيد بمواسم زراعية خاصة، وبمردود مادي أقل، وتصدّر محافظة الضالع القات إلى الأسواق القريبة.
وممّا يُعرف عن شجرة القات استهلاكها الكبير للمياه، حيث يتطلب ريّها مرة في الأسبوع، وهذا يشكل تحدّيًا كبيرًا أمام المزارعين، لا سيما في ظل استمرار الحرب وما يصاحبها من انعدام مادة الديزل وارتفاع سعرها إلى مستوى خيالي من الصعب احتماله.
بداية المعاناة
في منتصف شهر مارس/ آذار 2015، اندلع الصراع المسلح في محافظة الضالع، وعلى إثر ذلك دخلت عجلة الزراعة منعطفًا خطيرًا في المحافظة، كان له أثره السلبي على حياة الناس، حيث انحسرت ظروف الأهالي إلى مستوى ملحوظ، وكان السبب الأبرز يتمثل في أزمة المشتقات النفطية الخانقة التي بدأت تتشكّل منذ الأيام الأولى للحرب، علمًا أنّ المزارعين يعتمدون بدرجة رئيسية على مادة الديزل التي تُستهلك بكميات كبيرة يوميًّا، ويُعتمد عليها في تشغيل مضخات المياه لساعات طويلة لرّي حقول القات.
وقد وصل سعر الدبة الديزل سعة 20 لترًا في الأشهر الأولى من عمر الحرب، إلى 30 ألف ريال، وهذا سعر خيالي فاق قدرات المزارعين، وتسبّب في إلحاق خسائر كبيرة بالمزارعين الذين وجدوا أنفسهم أمام تحدٍّ لتوفير بدائل الطاقة.
بدائل مُناسبة
بعد مواجهة مزارعي الضالع تحديات زراعية أثقلت كاهلهم، أخذوا على عاتقهم ضرورة الاستمرار في دف عجلة العملية الزراعية بأي ثمن، وابتكار وسائل بديلة تساعدهم في التغلب على كافة التحديات، ومن أجل ذلك سلك المزارعون طريقًا آخر، لعله يخفّف عنهم متاعب أزمة مادة الديزل وأسعارها المرتفعة، حيث قاموا بشراء منظومة الطاقة الشمسية، التي بلا شك أسهمت في تخفيف العبء عن كاهل المزارعين في مجال الزراعة.
ومع مرور الأيام، تزايد أعداد منظومة الطاقة الشمسية في أكثر من منطقة في محافظة الضالع، حتى صار الوادي الزراعي الواحد يُشاهد فيه خمس منظومات للطاقة الشمسية، وكان المزارعون مع مرور الوقت يلتمسون فوائد الطاقة الشمسية، تمثّلت أبرز هذه الفوائد في تقليص نسبة الاعتماد على مضخات الديزل، كما وفّرت للمزارعين نصف الأموال التي كانوا ينفقونها في شراء مادة الديزل، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف التشغيل وعملية الصيانة لنظام الطاقة.
ويرى المزارع عبدالله أحمد عباد، أن توجه المزارعين في محافظة الضالع نحو الاعتماد على الطاقة البديلة المتمثلة بمنظومة الطاقة الشمسية في مجال الزراعة، جاء انعكاسًا للظروف الناتجة عن اندلاع الحرب في مارس 2015، حيث انعدمت المشتقات النفطية وفي مقدمتها مادة الديزل، وارتفاع سعرها بشكل جنوني، حتى صارت عمليةُ ريّ واحدة فقط، تكلف بعض المزارعين مبلغ 100 ألف ريال قيمة 80 لتر ديزل، في الوقت الذي يحتاج المزارع لأربع مرات ريّ في الشهر.
أبرز عوائق الطاقة البديلة يتمثل في ارتفاع سعرها، بالإضافة إلى عدم قدرة الطاقة الشمسية على العمل تحت الأجواء الغائمة بالسُّحب، كما تقل قدرتها التشغيلية خلال ساعات النهار الأخيرة؛ بسبب ضعف أشعة الشمس، ممّا يجعل المزارعين يستعينون مجددًا بتشغيل مضخات الديزل.
وأشار عبدالله، إلى أنه لم يكن أمام المزارعين سوى البحث عن بدائل أخرى مناسبة، فكانت الطاقة الشمسية هي البديل للمزارعين في محافظة الضالع، وربما في مختلف مناطق اليمن، على الرغم من تكلفتها الباهظة. إلا أنّ منظومة الطاقة الشمسية حققت فوائد للمزارعين، تمثّلت هذه الفوائد في تقليل اعتماد المزارعين على مادة الديزل بنسبة كبيرة، وهذا بحد ذاته وفر كثيرًا من المال للمزارعين، في الوقت الذي كانوا قبل ذلك ينفقون المردود المالي الذي يحصلون عليه في شراء وتوفير الديزل.
تحديات مستمرة
وعلى الرغم من الفوائد التي حققتها منظومة الطاقة الشمسية للمزارعين في محافظة الضالع، وذللّت تحديات العمل الزراعي، فإنّها هي الأخرى لا تخلو من العيوب، حيث ظلّت هناك تحديات أخرى يشكو منها المزارعون، تمثلت في أنّ عملية شراء منظومة الطاقة الشمسية باهظة التكلفة إذ يبلغ سعرها ما بين 30-40 ألف دولار، كما يتعلق التحدي الآخر بعمل الطاقة الشمسية، الذي يقتصر تشغيلها على ساعات النهار فقط، فيما تتوقف عن العمل خلال ساعات الليل، بالإضافة إلى تقلب الأحوال الجوية، لا سيما خلال فصلي الصيف والخريف، حيث تكون الأجواء، معظم ساعات النهار، غائمة بالسُّحب التي تحجب أشعة الشمس، ممّا يجعل أداء الطاقة الشمسية منخفضًا للغاية ولا جدوى منه.
الأمر الذي ينتج عن هذه العيوب، أزمة ريّ بين المزارعين، لعدم قدرة الطاقة البديلة على تلبية حاجتهم من المياه بالقدر الكافي، وفي الوقت الذي يشاهدون حقولهم الزراعية يهددها العطش، ليس بوسعهم سوى انتظار سماء صافية وأشعة شمس قوية.
ويقول المزارع عبده موسى، إن تجربته مع منظومة الطاقة الشمسية في مجال الزراعة كانت مفيدة فعلًا، لكن لا شيء يخلو من العيوب من وجهة نظره، حيث تظل هناك عوائق أمام العمل بالطاقة الشمسية في الجانب الزراعي، يتمثل أبرزها في ارتفاع سعرها، حيث تتطلب عملية شرائها في الغالب تعاون عدد من المزارعين، بالإضافة إلى عدم قدرة الطاقة الشمسية على العمل تحت الأجواء الغائمة بالسُّحب، كما تقل قدرتها التشغيلية خلال ساعات النهار الأخيرة بسبب ضعف أشعة الشمس، مما يجعلنا كمزارعين نستعين مجددًا بتشغيل مضخات الديزل ولا نستطيع الاستغناء عنها.
أخيرًا، لا شك أنّ إطالة أمد الحرب في محافظة الضالع واليمن بشكل عام، سيكلّف المزارعين العمل في البحث باستمرار عن بدائل مناسبة، تُسهم في تخفيف معاناتهم في الجانب الزراعي، وتذليل الصعوبات والتحديات، إلا أنّ هذه التحديات في حقيقة الأمر لا سبيل لتجاوزها إلا من خلال إيقاف الحرب؛ وذلك لأنّ الحرب نفسها تعد التحدي الأكبر على مختلف الجوانب والأصعدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تعاون نشر مع مواطنة.