تعيش سقطرى (أقصى شرقي اليمن) على وقع تغيرات مناخية واسعة، حيث تضربها الأعاصير والمنخفضات الجوية بشكل متواصل، إلى جانب تعرضها لموجات رياح عاتية موسمية تبدأ خلال شهر يونيو/ حزيران، إذ تخلف كل هذه الزوابع والكوارث الطبيعية أضرارًا بالغة على الممتلكات العامة والخاصة.
كان الإعصار "تشابالا" في عام 2015، ثاني أقوى إعصار مسجل في بحر العرب، إذ اجتاح بقوة جزيرةَ سقطرى الساحلية أقصى شرق اليمن، والتي ضربها إعصار "ميغ" بعد أقل من أسبوع، مخلفًا دمارًا هائلًا امتد لمناطق واسعة في السواحل الشرقية لليمن، في أسوأ كارثة طبيعية تشهدها البلاد منذ عاصفة عام1996 .
قدّرت السلطات المحلية التابعة للحكومة المعترف بها، الخسائرَ الشديدة والأضرار التي تركها "تشابالا" و"ميغ"، وفيما بعد "فونو" في المناطق الشرقية من اليمن، خصوصًا في أرخبيل سقطرى ومحافظتَي المهرة وحضرموت، بنحو 1.5 مليار دولار، إلى جانب الخسائر البشرية الذين جرفتهم الفيضانات، الذين قُدر عددهم بما يزيد على 300 حالة وفاة.
في السياق، تسبّبت الأمطار الغزيرة التي شهدتها مناطق جنوب سقطرى مطلع يونيو/ حزيران 2023، بأضرار بالغة في الأحياء السكنية وانقطاع التيار الكهربائي، وقطع الطرق في أماكن عدة، وتحطم العشرات من قوارب الصيد، وأضرار في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية.
بحسب مسؤولين في لجنة إنقاذ محلية، فقد تم القيام بالتدخلات العاجلة لفك الحصار عن المناطق المتأثرة، كفتح الطرقات لتسهيل عملية التنقل، والذي سيتم البدء فيه بعد انتهاء المنخفض الجوي بشكل عاجل.
ويسـود الجـزيـرة التي يقدر عدد سكانها بحوالي (44120 نسمة) مـنـاخ بحري حار، حيث درجة الحرارة العظمى تتراوح بين (26-29) درجة مئوية، ودرجات الحرارة الصغرى بين (19-23) درجة مئوية، والمتوسط الحراري السنوي ما بين (27-29) درجة مئوية، حيث يكون معدل درجات الحرارة لشهر يناير/ كانون الثاني (24) درجة مئوية، ولشهر يوليو/ تموز (30) درجة مئوية.
تتمتع جزيرة سقطرى بالتنوع النباتي الفريد، حيث تصل عدد الأنواع النباتية إلى حوالي 900 نوع، منها 300 نوع مستوطن، كما توجد بينها مجموعة من النباتات الطبية، إضافة إلى أكثر من 300 نوع من الأحياء الفطرية التي تتخذ من سقطرى المكان الوحيد للعيش في العالم.
ويعتبر مناخُ جزيرة سقطرى مداريًّا، ذو صيف طويل حار، بينما الشتاء دافئ وقصير وممطر في نفس الوقت، في حين يعتبر شهرا يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز، أكثر ارتفاعًا لدرجة الحرارة، وأقل الشهور حرارة هما شهرا ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني، كما تقل معدلات درجة الحرارة كثيرًا في المناطق الجبلية، بالمقابل تتراوح كمية تساقط الأمطار من (33) إلى (290) ملم، خلال العام.
المناخ والرياح الموسمية
تضاعف الرياح الموسمية في أرخبيل سقطرى معاناةَ السكان، جراء توقف حركة ملاحة السفن الصغيرة، الشريان الوحيد الذي يمدها بالخدمات والسلع الأساسية، حيث يشهد أرخبيل سقطرى موسم رياح سنوية شديدة، تبدأ في يونيو/ حزيران وتنتهي في أغسطس/ آب، وتصل سرعتها إلى 50 عقدة.
وترافق هذه الرياح أمواج عاتية، واضطراب في مياه البحر، تعطل حركة الملاحة البحرية من وإلى سقطرى، سواء للركاب أو البضائع، بشكل تام.
ويذكر موقع "قشن" المتخصص بمحافظتَي المهرة وسقطرى، أنه بمجرد حلول موسم الرياح الشديدة تبدأ معاناة السكان في الحصول على المواد الاستهلاكية، وفي حال توفرت ترتفع أسعارها بشكل كبير مقارنة بباقي الأشهر، بسبب توقف حركة التجارة عبر البحر.
بحسب ما تم رصده، تتعرض الجزيرة لرياح شديدة جنوبية غربية تصل ذروتها في مطلع شهر يونيو/ حزيران حتى أواخر شهر أغسطس/ آب، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي لتصل في بداية أكتوبر/ تشرين الأول إلى سرعة عادية عندما تتحول إلى رياح شمالية شرقية، وتقل سرعتها إلى (10 عقد).
أمَّا الرياح الجنوبية الغربية في شهري يونيو/ حزيران، يوليو/ تموز، أغسطس/ آب، فتكون سرعتها قوية تصل إلى (40-50) عقدة، وقد تصل في بعض الأجزاء من الجزيرة إلى أكثر من 55 عقدة، ويرافقها حالة اضطراب شديد للبحر.
ويعد إعصار "شابالا" الذي اشتق اسمه من اللغة البنغالية، ويعني بالعربية: "لا يهدأ"، ثاني أسوأ كارثة طبيعية في اليمن منذ كارثة السيول التي اجتاحت مناطق واسعة في اليمن بالعام 2008، تتكرر بنسب متفاوتة على شكل فيضانات منذ ما يزيد على خمسة أعوام في عدة مناطق، مثل: عدن (جنوبي اليمن)، والحُديدة (غرب البلاد)، وتعز (جنوب غرب البلاد)، ومأرب (في الشرق)، وحضرموت (في الجنوب الشرقي)، والعاصمة صنعاء (شمال البلاد).
إعصار "تشابالا" هو واحد من أقوى الأعاصير في منطقة المحيط الهندي وبحر العرب، وقد تشكل هذا الإعصار قبل انفجاره بحوالي 11 شهرًا في المنطقة الدافئة من بحر العرب، حيث تحول إلى عاصفة إعصارية شديدة من المستوى الرابع، بعد أن وصلت سرعته إلى 110 كيلومترات في الساعة.
موقع استراتيجي
تعرضت جزيرة سقطرى لسنوات طويلة من العزلة والإهمال، ولكن بعد تحقيق الوحدة اليمنية في 1990، استعادت مجدها التاريخي وتواصلها الحضاري، لما تمثله من أهمية لليمن، سواءً من ناحية موقعها الاستراتيجي في نهاية خليج عدن وإشرافها على الطريق الملاحي باتجاه القرن الأفريقي وغرب المحيط الهندي، أو لما تكتنزه من ثروات طبيعية كبيرة، بالإضافة إلى اعتبارها من أهم مناطق التنوع البيولوجي.
وتقع جزيرة سقطرى في الجهة الجنوبية للجمهورية اليمنية، قبالة مدينة المكلا شرق خليج عدن، بين خطي عرض (12.18° – 12.24°) شمال خط الاستواء، وخطي طول (53.19° – 54.33°) شرق جرينتش، وتبعد (380 كيلو مترًا) من رأس فرتك بمحافظة المهرة كأقرب نقطة في الساحل اليمني، بما يقدر بـ(300 ميل). كما تبـعـد عـن محافـظـة عدن بحـوالـي (553 ميلًا). وبذلك، فإنّ الموقع يشير إلى اقترابها من خط الاستواء، الأمر الذي يجعل من مناخها يتسم بالمدارية عمومًا. وقد أتاح هذا الموقع خصوصية السمات المناخية للجزيرة، مما جعلها تتمتع بتنوع في الغطاء النباتي.
الغطاء النباتي
تتمتع جزيرة سقطرى بالتنوع النباتي الفريد، حيث يصل عدد الأنواع النباتية إلى حوالي 900 نوع، منها 300 نوع مستوطن، كما توجد بينها مجموعة من النباتات الطبية، إضافة إلى أكثر من 300 نوع من الأحياء الفطرية التي تتخذ من سقطرى المكان الوحيد للعيش في العالم.
ويشكّل أرخبيل سقطرى نظامًا إيكولوجيًّا بحريًّا مستقلًا، حيث إنّ بيئته الفريدة والتنوع البيولوجي الهائل والفريد ذات أهمية عالمية لا تقل أهمية عن جزر غالاباغوس. وقد وصفه الاتحاد الدولي لصون الطبيعة بأنه (غالاباغوس المحيط الهندي).
كما أنّ الجزيرة من أهم أربع جزر في العالم من ناحية التنوع الحيوي النباتي، وتعتبر موطنًا لآلاف النباتات والحيوانات والطيور المستوطنة، وهي بذلك تعتبر أهم موطن لأشجار اللبان المشهورة في العصور القديمة، حيث يوجد في العالم بأكمله 25 نوعًا من اللبان، منها (9) أنواع مستوطنة في جزيرة سقطرى.
سُجل في الجزيرة حوالي (850) نوعًا من النباتات، منها حوالي (270) نوعًا مستوطنة في الجزيرة، ولا توجد في أي مكان آخر من العالم. من بين الأنواع الهامة والقيمة شجرة دم الأخوين. وتجدر الإشارة إلى أنّ (10) من الأنواع الـ18 من النباتات النادرة والمهددة في اليمن موجودة في سقطرى، مما يستوجب ضرورة الاهتمام والمحافظة عليها، حيث إنّ (7) أنواع منها مدرجة في الكتاب الأحمر للاتحاد الدولي لصون الطبيعةIUCN ، كنباتات نادرة ومهددة .
كما يوجد في الجزيرة نباتات يستفاد منها في الطب الشعبي. ومن هذه النباتات أشجار الصبر السقطري وأشجار اللبان والمر ودم الأخوين، بالإضافة إلى نباتات طبية أخرى شائعة الاستعمال في الجزيرة، مثل: الجراز والأيفوربيا وغيرها، ومما يلفت نظر الزائر انتشار شجرة "الأمتة".
كما تكثر فيها غابات أشجار النخيل الكثيفة المنتشرة في أماكن عديدة، أهمها ضفاف الوديان الجارية فيها المياه على مدار العام، حيث تشكل بساطًا سندسيًّا أخضر مع زرقة البحر المحيط بالجزيرة، مكونةً لوحةً فنية رائعة.