على الرغم من تميّز المطبخ اليمنيّ بالعديد من الأكلات التي تشتهر بها المحافظات والمناطق الريفية، وانتقلت إلى العديد من البلدان العربية والأجنبيّة، إلَّا أنّ الآونة الأخيرة، شهدت تحوّلًا في قائمة الوجبات والأطعمة التي تُقدَّم في المطاعم والكافتيريا في المدن المختلفة، ومنها بعض الأكلات الشاميّة التي بدأت بالانتشار بشكل واسع، وتلقى إقبالًا كبيرًا من المواطنين، وخاصة تلك المناطق التي تشهد كثافة سكانية، وموجات نزوح؛ نتيجة الحرب الدائرة في اليمن منذ ثماني سنوات.
تجوال في شوارع مزدحمة
وأنت تتجوَّل في شوارع مدينة مأرب المزدحمة، وأرصفتها الضيّقة، يلفت انتباهك الانتشار الكبير لكافتريات ومطاعم الأكلات الشاميّة، المحاذية للأرصفة الأمامية الجانبيّة، وأقسام المطاعم التي تقدم هذه الوجبات.
هناك، مثلًا، في مطعم "أبو عرب" الواقع بحيّ الجامعة (وسط مدينة مأرب)، تبدأ رائحة الشاورما والفلافل، تتصاعد قُبيل الغروب من كل يوم، معلنةً عن قدوم مساء شاميّ بامتياز، كما يصفه مرتادو ذلك المطعم، وإنباءً ببَدءِ الازدحام الكبير للزبائن، الذين سيملؤون المكان بعد وقت قصير.
بين طاولات الأكل يتنقل محمد الحارثي، وهو أحد العاملين في المطعم، ملبّيًا طلبات الزبائن الكثيرة والمتتالية، استوقفناه للحظة ليتحدّث لـ"خيُوط"، فقال: "الأكلات الشاميّة انتشرت خلال السنوات الأخيرة في مدينة مأرب، وزاد الإقبال على المطاعم التي تقدّم هذه الوجبات بشكل كبير".
ويواصل حديثه: "شوفة عينك -إشارة إلى النظر للمحيط أثناء الحديث- لا نتوقف عن تقديم أطباق الوجبات للزبائن، لأنّ مرتادي المطعم أصبحوا كثيرين، نظرًا لازدياد أعداد سكان مدينة مأرب؛ نتيجة موجات النزوح المتتالية إلى المدينة فرارًا من الاقتتال".
ماكينة الشاورما الملاذ الأخير
"لم يكن الأمر مجرد عمل عادي، إنّه آخِر ملاذ اهتديت إليه، بعد كل الصعوبات التي واجهتها، منذ بداية الحرب في اليمن، مرورًا بالنزوح القسري المتكرر، وتوقف عملي ووظيفتي الخاصة"، هكذا يصف لنا مُرسل السامعي، وهو منهمكٌ بتجهيز طلبات الزبائن، في أحد أرصفة شوارع المدينة، حيث نصب ماكينة الشاورما، وبسط بجوارها طاولاته المتواضعة.
ووفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2022، بحسب بيان صادر في 30 نيسان/ أبريل من هذا العام، فـ"إنّ 23.4 مليون يمني، هم بحاجة للمساعدات الإنسانية، بينما يواجه 17.4 مليون نسمة مستويات متفاوتة في أزمة انعدام الأمن الغذائي"، وهو ما دفع الكثيرون من مُتضرّري الحرب إلى فتح المشاريع الصغيرة؛ لخلق فرص العمل، والحدّ من الفقر والحاجة.
وتابع السامعي حديثه لـ"خيُوط"، بنبرةٍ حزينة: "الحرب تسبّبت بكثير من الألم بداخلنا، وأفقدتنا الكثير، لكن طبيعة الإنسان الكفاح، وعندما بدأت بهذا المشروع المتواضع كنتُ خائفًا جدًّا من الفشل، ومع تواجد الكثير من النازحين في مدينة مأرب، وإقبال الناس على الشراء، أصبحت المشاريع الصغيرة هي ما تبقّى لنا من ملاذ نلجأ إليه".
الفلافل بديل تعويضي
إلى جانب الكثير من الأسباب، يجد الكثير من طلاب الجامعات في مأرب والقادمين من المحافظات الأخرى، أنّ وجبة الفلافل أكلة مميّزة، وسعرها مناسب، مقارنةً بأسعار بقيّة الوجبات، وتتماشى مع وضع الطلاب النازحين، بحسب حديث صلاح سعيد، وهو طالب في إحدى كليات جامعة إقليم سبأ.
أمّا الشاب محمد عادل، وهو أحد مرتادي المطاعم التي تقدم الوجبات الشاميّة بشكل مستمر، فأثناء حديثه لـ"خيُوط"، يرى أنّ الفلافل تحتوي على البروتينات التي يحتاجها جسم الإنسان في غذائه؛ كون مكوناتها عبارة منتجات نباتيّة تلعب دورًا تعويضيًّا عن اللحوم والدجاج التي لم تعُد في متناول إلَّا من استطاع إليها سبيلًا، في ظل الوضع العام الذي تعيشه البلاد، بسبب الحرب والنزوح، وغلاء كلفة المعيشة.
البقاء على قيد الحياة
وعن دور المشاريع الصغيرة في خلق فرص عمل للنازحين في محافظ مأرب، تحدّثت الناشطة الإعلاميّة ومدير إذاعة خيمة النازحين، الأستاذة ولاء دينيش، بقولها: "كما نلاحظ؛ المشاريع هي مصدر الدخل ربما الوحيد للنازحين، في ظل الوضع الراهن، وأصبح الرجل والمرأة معًا في إعالتهما المشتركة للأسرة يفكران في مشاريع خاصّة، وإن كانت بسيطة؛ من أجل العيش والبقاء على قيد الحياة".
وواصلت دينيش حديثها لـ"خيُوط": "ساهمت مثل هذه المشاريع في التخفيف من معاناة النازحين، وأيضًا خفّفت من البطالة في أوساط الشباب؛ فالمشروع الواحد قد يضمّ أكثر من 6 عمّال، وبذلك يكون قد ساهم في إيجاد فرص عمل لبعض العاطلين".
وترى الإعلاميّة "دينيش"، أنّ من أسباب الانتشار الواسع للوجبات الشاميّة، مثل الشاورما والفلافل، في مطاعم وكافتيريا مدينة مأرب، "رغبة الكثيرين، من المواطنين، في شرائها؛ كونها وجبات خفيفة، والوجبات الشاميّة يحبّها الناس، وطعمها يروق للغالبية"، وتضيف لـ"خيُوط": "كثرة الإقبال عليها زاد من قوّة انتشارها، وأصبحت مصدر رزق مضمون".
مدينة النازحين الأولى
وتعتبر محافظة مأرب من أكثر المدن اليمنيّة استقبالًا للنازحين، الفارّين من المواجهات المسلحة ومناطق النزاع، خلال الأعوام الماضيّة، إذ تؤوي أكثر من 2.2 مليون نازح، يمثّلون 60% من النازحين داخليًّا، يتوزّعون في أكثر من 197 مخيّمًا بمدينة مأرب، وَفق الوحدة التنفيذية لمخيّمات النازحين، التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
ويسعى الكثير من النازحين في مدينة مأرب إلى الخلاص من الصعوبات العديدة التي حلّت بهم، والتي تصل إلى حدّ المآسي، أحيانًا بطرقٍ شتّى، أهمها المشاريع الصغيرة؛ للتأقلم مع الوضع المعيشي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، ومواجهة ظروف الحياة وقساوتها.