جاء موعد حصاد محصول السمسم منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بعد خمسة أشهر من العمل التعاقدي بين مزارعين في منطقة برداد ووادي الضباب بمديرية صبر الموادم (وسط محافظة تعز)، ومنظمة جودن للتنمية والسلام؛ الأمر الذي يفتح أمام السلطات والجهات العاملة في التنمية الزراعية أفق مشاريع الزراعة التعاقدية.
يقول أحمد غالب، أحد مزارعي المنطقة، لـ"خيوط": "محصول السمسم (الجلجل)، محصول نقدي ومردوده المادي جيد على المزارعين، حيث يحظى السمسم وزيته بقبول واسع لدى اليمنيين، إلى جانب أنه سهل في زراعته".
ويضيف غالب: "يحتاج المزارعون للدعم من خلال توفير البذور والأسمدة واختيار المحاصيل المناسبة وتقديم الاستشارات، هذا الدعم سوف يمثل فارقًا مهمًّا بالنسبة للمزارعين، إذ يشجّعهم على الاستمرار ويوفر فرصًا لزراعة محاصيل نقدية جديدة ومتنوعة، تناسب التربة والموسم الزراعي وذات مردود مالي جيد، مثل السمسم".
دعم الاقتصاد الريفي
يشير مصطلح الزراعة التعاقدية إلى اتفاق مسبق بين المزارعين والمشترين حول شروط وأحكام محددة لإنتاج وتسويق المنتجات الزراعية والغذائية، وقد اكتسب هذا النظام أهمية متزايدة في المناطق النامية؛ لأنّه يضمن حصول الأعمال الزراعية على تمويلات تلبي معايير جودة المحاصيل مع إمكانية وصول المزارعين إلى الأسواق ورفع مستويات دخلهم؛ بحسب منظمة الأغذية والزراعة "الفاو".
تقول زينب المخلافي، رئيسة منظمة جودن للتنمية ومنفذة المشروع، في حديث لـ"خيوط"، إن تنفيذ المشاريع الزراعية التعاقدية وتنويع الإنتاج الزراعي، عبر إدخال محاصيل جديدة، مثل السمسم، من شأنه أن يُسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة للمزارعين، خاصة النساء، إلى جانب تحسين مستوى دخل المزارعين المادي ومستواهم المعيشي، كما أنّ من شأنه تشجعهم على الاستمرار، خصوصًا مع التحديات التي تواجه المزارعين بفعل مضاعفات الحرب والأزمة.
دُشّن مشروع الزراعة التعاقدية لمحصول السمسم في منطقة برداد ووادي الضباب بمديرية صبر الموادم، في وقت متأخر قليلًا عن موعد الموسم الزراعي، وفي وقت كان المزارعون قد زرعوا فيه محصول القمح والذرة، قبل أن يضطروا إلى إزالته تمامًا واستبداله بالسمسم.
وتشير المخلافي إلى أنّ المشروع الذي تم تدشينه في منطقة برداد ووادي الضباب بمديرية صبر الموادم، وبدأ بورشة عمل ناقشت أهمية مشاريع الزراعة التعاقدية في تعز والتحديات التي تواجهها، ثم التنسيق مع المزارعين والمهندسين الزراعيين مع الموردين والمستثمرين، الذي رافقه فحص التربة واختيار المحصول وتوزيع البذور، واستمرار متابعة نمو المحصول ثم الحصاد.
وتلفت المخلافي إلى أهمية توسيع نطاق المشروع في مديريات أخرى، وتوفير المزيد من الدعم للمزارعين من التدريب والإرشاد واستخدام التكنولوجيا، إلى جانب ربط المزارعين بالسوق المحلية لتسويق المحاصيل التي يتم إنتاجها.
وتشدّد المخلافي، أنّ على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمستثمرين تنفيذ ودعم مشاريع الزراعة التعاقدية، من خلال تقديم الدعم الفني والمالي للمزارعين وتحسين المحاصيل والممارسات الزراعية، مؤكدةً أهمية دعم البحوث الزراعية وإدخال التقنيات الحديثة ضمانًا لزيادة إنتاج المزارعين وجودة المحصول.
من جهته، يقول المهندس الزراعي، أنور الصبري، إنّ توفير الدعم للمزارعين وإيجاد شراكة بينهم ومدّهم بالاستشاريين الزراعيين، من شأنه أن يسهّل عملهم، ويضمن نجاح المحصول وجودته؛ الأمر الذي يحقّق الفائدة للمزارع، ويدفعه للاستمرار والتوسع في استصلاح أراضي وجلب عاملين جدد.
صعوبات أمكن تجاوزُها
"يُظهر المزارعون تردّدًا قبل الانخراط في مشاريع الزراعة التعاقدية بداية الأمر، ومع التسهيلات والإمكانات التي توفرها تلك المشاريع، والعائد الذي يحقّقه المزارع خلال مرحلة تنفيذ المشروع، يتحول ذلك التردد إلى رغبة ملحة في العمل ضمن مشاريع أخرى"؛ يضيف الصبري.
يستعرض الصبري، وهو المهندس الزراعي الذي رافق المشروع، في حديث لـ"خيوط"، الصعوبات التي واجهت التجربة، بالقول: "دُشّن مشروع الزراعة التعاقدية لمحصول السمسم في منطقة برداد ووادي الضباب بمديرية صبر الموادم، في وقت متأخر قليلًا عن موعد الموسم الزراعي، وفي وقت كان المزارعون قد زرعوا فيه محصول القمح والذرة، قبل أن يضطروا إلى إزالته تمامًا واستبداله بالسمسم، إلى جانب أننا واجهنا قلة في عدد المزارعين ومحدودية في المساحة المزروعة باعتبار أنّها تجربة فقط".
ويستدرك الصبري: "ليست زراعة السمسم جديدة على المزارعين في تعز، لكنهم اعتادوا أن يزرعوه بكميات قليلة إلى جانب محصول القمح والذرة".
هناك إمكانية لتوسع تجربة زراعة السمسم في مساحات مفتوحة من محافظة تعز؛ مثل منطقة موزع والكدحة، ومناطق من الشمايتين والمخا؛ لأنّ السمسم لا يحتاج لكميات كبيرة من المياه، ويتميز بإنتاجه الجيد وإمكانية خزنه فترات طويلة، وقلة الأمراض التي تصيبه مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
ويشير الصبري إلى أهم التحديات التي تواجه المزارعين، وتتمثل بارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية من بذور ومخصبات ومبيدات وتكاليف نقل المياه، إلى جانب ظهور الآفات والأمراض النباتية، مع ضعف الوعي الزراعي لدى المزارعين والمشرفين من غير المتخصصين، إضافة إلى غياب الرقابة والإرشاد الزراعي الحكومي أو جمعيات تنويع المحاصيل الزراعية وتنظيم القطاع الزراعي.
مؤكِّدًا أنّ مشاريع الزراعة التعاقدية ستساهم إلى حدّ كبير في مواجهة تلك التحديات، إذا ما جرى اختيار التربة والمحصول والموسم المحدد بدقة.
في هذا الصدد، خلص تقرير لمرصد (CEOBS) للصراع والبيئة، إلى أنّ القطاع الزراعي في اليمن يعاني من أزمة واسعة النطاق؛ بسبب الصراع المسلح الدائر في البلاد، وما ترتب عنه من قصف مباشر للمزارع وتدمير البنية التحتية الزراعية، وانخفاض إمكانية الوصول إلى المياه، وانهيار المؤسسات الحكومية المسؤولة عن دعم القطاع الزراعي، بالإضافة إلى الأحداث المناخية المتطرفة التي فاقمت من معاناة المزارعين، ممّا أدّى إلى انخفاض الإنتاجية وتلف المحاصيل.
ينوه الصبري إلى إمكانية توسع تجربة زراعة السمسم في مساحات واسعة من محافظة تعز؛ مثل منطقة موزع والكدحة، ومناطق من الشمايتين والمخا، وغيرها، معللًا ذلك بأنّ السمسم لا يحتاج لكميات كبيرة من المياه ويتميز بإنتاجه الجيد وإمكانية خزنه فترات طويلة، وقلة الأمراض التي تصيبه مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
ويمكن زراعة محصول السمسم في تعز في موسمين خلال الصيف؛ في منتصف شهر أبريل/ نيسان، وفي الشتاء بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، ومدة المحصول من أربعة إلى خمسة أشهر، ويُزرَع في التُّرَب الخفيفة والمتوسطة، ولا يُنصح بزراعته في التربة الطينية الثقيلة، وحاجته للأسمدة بسيطة، ويكون أكثر نموًّا وإنتاجًا في الجو الدافئ؛ بحسب توضيح الصبري.
خارطة زراعة السمسم
يحتل السمسم المرتبة الثانية في ترتيب مساحة زراعة المحاصيل النقدية في اليمن، بنسبة 28%، بعد محصول البن الذي يشغل 43.3%، ويليهما التبغ والقطن والفول السوداني...، من إجمالي المساحة المحصولية للمحاصيل النقدية 75.671 هكتارًا، حيث تجاوز حجم إنتاج محصول السمسم 19 ألف طن في مساحة تزيد على 21 ألف هكتار في العام 2021؛ بحسب كتاب الإحصاء الزراعي السنوي للعام ذاته.
وتأتي محافظة الحديدة في مقدمة المحافظات اليمنية الأكثر إنتاجًا لمحصول السمسم، حيث أنتجت سنة 2021، ما يزيد على ستة آلاف طن، تلتها محافظة أبين بما يقارب أربعة آلاف طن، ومأرب بأكثر من ثلاثة آلاف طن ثم شبوة والجوف، فيما أنتجت محافظة تعز 299 طنًّا في مساحة 313 هكتارًا. في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط إجمالي الإنتاج في اليمن أكثر من 20 ألف طنّ سنويًّا.