الاتفاق السعودي-الإيراني

هل السلام في متناول اليمنيين ودول الإقليم؟
د. محمد أحمد المخلافي
April 13, 2023

الاتفاق السعودي-الإيراني

هل السلام في متناول اليمنيين ودول الإقليم؟
د. محمد أحمد المخلافي
April 13, 2023
Photo Credit ©: The Cradle

رحّبت الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية- التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، بالاتفاق السعودي الإيراني، لكن الترحيب كان مشوبًا بالتحفظ، ومردّ ذلك أمران:

الأول- عدم معرفة المضمون الكامل للاتفاق بين الدولتين.

الثاني- التصريحات المواربة لوزارة الخارجية الإيرانية بالحديث عن أنّ السلام في اليمن شأنٌ داخلي، وهو موقف لا يبعث الاطمئنان لدى اليمنيين؛ لأنّ ذلك يُعدّ استمرارًا لإنكار إيران دعمها العسكري واللوجستي والمالي والسياسي لحرب "أنصارالله" الحوثية، وهي حركة تم صناعتها منذ الحرب العراقية-الإيرانية، بسبب تدخل اليمن الشمالي في الحرب إلى جانب أشقائهم العراقيين، ومن ثَمّ يكون استمرار إيران في الإنكار وعدم تحمّل مسؤوليتها عن الحرب في اليمن، مؤشرًا سلبيًّا، ويعني لليمنيّين استعدادَ إيران للاستمرار في الحرب وعدم تحمّل مسؤوليتها من أجل إزالة آثارها ونتائجها. 

من هنا، هل يمكن تحديد انعكاسات الاتفاق على الإقليم وعلى السلام في اليمن؟ ودون معرفة مضمون الاتفاق على وجه اليقين، الإجابة المنطقية هي: لا. غير أنّ بيان بكين الثلاثي الصادر عن المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية وجمهورية الصين الشعبية، واجتماع بكين الثاني لوزيرَي خارجية السعودية وإيران، وبيانهما الصحفي، وتصريحات الخارجية الصينية، توفر لنا ملامح أساسية للاتفاق، وهي ملامح تعطينا مؤشرات للتوصل إلى افتراضات قد تكون قريبة من المضمون الفعلي للاتفاق، ونوجزها فيما يلي:

1- استئناف العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين الدولتين عام 2001م:

يتضافر هذا المؤشر مع الإجابة على سؤالين: ما الذي أدّى إلى قطع العلاقة بين السعودية وإيران؟ وهل يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحقّق أمنها بعيدًا عن أمن الإقليم وعن التحديات الأمنية في الإقليم؟ السبب -برأيي- لقطع العلاقة بين الدولتين؛ تبني إيران لمشروع منافس للصهيونية العالمية لتمزيق العالم العربي والسيطرة عليه، انطلاقًا من الهُوية الفارسية العقائدية، ولتحقيق هذه الغاية صنعت أدوات محلية- ميليشيات مُسلّحة من خلالها يتم تحقيق المشروع بإشعال الحروب وتمزيق الهُوية العربية واستبدالها بالهُوية الدينية المذهبية في ظاهرها، وفي باطنها الهُوية الفارسية، باستجلاب الطقوس للمذهب الاثنَي عشري، التي اصطنعها إسماعيل شاه صفي الدين (تركي القومية ومن عائلة سنية-صوفية)، وهو مذهب وُجِد لدوافع وأهداف سياسية بحتة تمكّن الأقلية الأذرية من حكم إيران متعدّدة القوميات، ومع الزمن أُدمج بالهُوية الفارسية العقائدية، ليتسنى لإيران من خلاله سيطرة الأقليات المذهبية في العالم العربي، وإشعال الحروب والصراعات لإضعاف الأمم الثلاث في العالم العربي: العرب، والكرد والأمازيغ، بَدءًا من صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت. هذا المشروع استدعى هُوية عقائدية أخرى، هي الهُوية العثمانية العقائدية باستخدام مذهب آخر في العالم العربي، لمزيد من إشعال الحروب، ويأتي إلى جانب المشروعين مشروعُ الهُوية الساميّة العقائدية-الإبراهيمية، وتضافرت هذه المشاريع لتهديم مشروع الدول القُطرية في العالم العربي، بالتنافس حينًا والتعاون حينًا آخر، وأبرز نموذج لتعاون المشاريع الثلاثة، تقسيمُ فلسطين بين غزة والضفة، وهذا بدوره أنعش آمال السيطرة لدى الصهيونية العالمية على الشرق الأوسط، وفي القلب منه العالم العربي، ممّا جعل الكيان الصهيوني يرفض السلام في فلسطين، والسعي لتسييد مشروعها الجديد- الإبراهيمي، وإبرام اتفاقيات إبراهيم مع دول عربية.

إذن، هذا هو ما يهدّد أمن المملكة العربية السعودية ومصر والجزائر والمغرب والإمارات وكل العالم العربي بعربه وأمازيغه وكرده؛ وبالتالي، فإنّ الأثر الإيجابي للاتفاق السعودي الإيراني لن يتحقّق على السعودية وإيران نفسيهما، ما لم يتم إنهاء تدخل إيران وتغذيةِ الصراعات والحروب في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. ولتحقيق السلام العادل والشامل في كل هذه البلدان، فإنّ ذلك يتطلب مساهمة إيران في عملية السلام وفي تحمّل مسؤولية إزالة نتائج الحرب وآثارها ومتطلبات إعادة الإعمار، وتحقيق المصالحة الوطنية في كل بلد بإعمال آلية العدالة الانتقالية، وذلك جنبًا إلى جنب مع السعودية والإمارات ودول الخليج العربي ومصر والجزائر، وغيرها من البلدان العربية وأصدقاء كلٍّ من اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

من نافلة القول، أنّه إذا استطاعت أمم العالم العربي وإيران، بَدءًا بالاتفاق السعودي الإيراني من التوصل إلى سلام وتعاون وتنمية مشتركة، فإنّ هذا الأمر سينعكس إيجابًا على الإقليم، إذ إنّ المشروع التركي سيفقد مبرر استدعائه، وبإنهاء المشروعين الإيراني والتركي، سيمثّل إنهاء للحروب القائمة؛ وبالتالي، يعم السلام وتكون الخطة التالية التقارب والتعاون بين الأمم الخمس بإقامة مشروعات اقتصادية إقليمية توحد مصالح هذه الأمم: العرب والأمازيغ والكرد والأمم التركية والأمم الإيرانية، وهذا سيجعل شعار الصين- المستقبل المشترك للجميع متحققًا بالفعل في منطقة الشرق الأوسط، وتعتبر الصين أنّ الاتفاق السعودي-الإيراني خطوة أولى لتمكين دول الإقليم من اتخاذ قراراتها باستقلالية، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. وفي رأيي، أنّ تفعيل الاتفاق الأمني بين السعودية وإيران يمثّل مقدمة لبناء إطار أمني إقليمي جديد بدعم من الصين وروسيا التي تعمل على تحقيق السلام وإعادة إعمار سوريا، وهو ما سيؤدّي إلى إنهاء الصراع بين أمم العالم العربي وإيران، وفي الأمد القريب صراع العالم العربي مع الترك، هذا سيُحدِث، بدون شك، تغييرًا كبيرًا في الشرق الأوسط، والقَبول بالتعدد والاختلاف، وهو ما سيوفر نواة صلبة لتحقيق التعدد والديمقراطية في العلاقات الدولية، وسيُسهم في تحقيق مبادرة الأمن العالمي المطروحة من الصين، وسيوفر أرضية مشتركة لدول الإقليم، تنتفي معها ضرورة عقد ما سُمِّيت باتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، وتظافر جهودها لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

2- احترام سيادة دول الإقليم، وعدم التدخل في شؤونها:

يمثّل الاتفاق علامة تحول في العلاقات الدولية في الإقليم، بالتزام الدولتين مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا أمرٌ يقتضي من كلا الدولتين احترامَ استقلال الدول وسيادتها واحترام وحدة أراضيها؛ ممّا يرتب عليهما مسؤولية إزالة آثار ونتائج الحروب في اليمن وسوريا على وجه التحديد، وإعادة إعمارهما بالتعاون مع دول الإقليم الأخرى والدول الصديقة. ونحن هنا نفترض أنّ الاتفاق سوف يؤدّي إلى تخلّي إيران عن مشروعها في الإقليم، بما في ذلك في اليمن، لأسباب تتعلق باحتياجاتها الخاصة ومواجهة التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تفضي إلى تقويض النظام، وبهذا يفقد المشروع التركي في المنطقة زخمه ومجانيته، إذ إنّ مجرد الإعلان عن الاتفاق قد حرّك المسعى التركي لحلّ خلافاتها مع العراق ومصر وسوريا، وهي ملامح تعبر عن استعداد تركيا للتخلي عن مشروعها لأسباب داخلية وخارجية.

وخلاصة القول؛ إنّنا نعتقد أنّه سوف يكون للاتفاق السعودي الإيراني شأنٌ عظيم في بناء المستقبل المشترك في الإقليم وتحقيق السلام الشامل والعادل.

وعلينا كقوى سياسية وحكومة في اليمن، أن نتعامل مع الاتفاق السعودي الإيراني بترَوٍّ وحذر، ويجب أن نطلق العنان للخيال السياسي والعلمي لافتراض سيناريوهات متعددة ومختلفة، ونستعد للسلام، وبالتوازي للحرب التي تجعل السلام ضرورة لمن فجّرها. كما تقع علينا مسؤولية التحرك الدبلوماسي مع الوسطاء: الصين وعُمان والعراق لبذل مساعي السلام ومصارحة عُمان بضرورة التخلي عن دعم استمرار الحرب بأية وسيلة من الوسائل، والسعي لدى روسيا والصين، اللتَين تتبنيان تحقيق السلام وإعادة الإعمار، إلى أن تتبنيا تحقيق السلام والإعمار في اليمن.

غير أنّ التخاطب مع دول كبرى، يجب أن يُرفَق بأن يكون لدى الحكومة والأحزاب والمكونات السياسية، استراتيجيةُ سلامٍ متفق عليها. وأنا في هذا المقام، أدعو بشخصي وصفتي، الرئاسةَ التنفيذية لهيئة التشاور والمصالحة، إلى سرعة إدخال التعديلات المطروحة على وثيقتي الإطار العام للسلام والمبادئ والأسس الخاصة بالمصالحة السياسية، وتشكيل لجان الهيئة، لكي تباشر الأحزاب والمكونات السياسية الحوارَ لتحقيق المصالحة وإيجاد إطار جامع تنتظم فيه كافة الأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية لاستعادة الدولة وتحقيق السلام، وأطالب مجلس الرئاسة بتحمل مسؤوليتها في إدارة الدولة كمؤسسة موحدة، والإسراع في دمج وهيكلة القوات المسلحة المتعددة، وتشكيل واتخاذ التدابير القانونية لإنهاء التشكيلات والجماعات المذهبية ومدارسهم المنتشرة في كافة المحافظات المحررة دون استثناء لكي يتحقق سلام مستدام، وتشكيل فريق تفاوض يبادر بإعداد استراتيجية شاملة للتفاوض، تقوم على المبادئ والأسس التي أقرّتها هيئة التشاور والمصالحة كإطار عام للسلام وفي وقت كافٍ لتقييم موازين القوى وقدرات السلطة الشرعية في مواجهة المتمرّدين، وأن تشمل مفاوضات تمهيدية مع دول التحالف العربي للحصول على دعمها للاستراتيجية، والحوار مع الدولة صاحبة القلم- إنجلترا، ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، اللتان تعملان على التحكم برقعة الحرب، لا إنهائها، والعمل لدى الصين وروسيا اللتَين تسعيان لإقامة عالم متعدد الأقطاب وإنهاء الانقلابات وتقسيم البلدان، وهما دولتان حريصتان على استقلال اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، فالصين تواجه مشكلة تحقيق الصين الواحدة، وروسيا تواجه مشكلة الانقلاب في أوكرانيا ودعمها لسوريا باعتبار ذلك دفاعًا عن السلطة الشرعية. 

ويجب أن تشمل الاستراتيجية عناصر أساسية، منها: أ- وقف إطلاق النار الشامل؛ لأنّ الهدنة تعني استمرار حالة الحرب. ب- تحديد التدابير اللازمة لإزالة معوقات السلام، مثل: الأيديولوجية العنصرية وممارسة التمييز العنصري واقتصاد الحرب. جـ- تنفيذ اتفاق ستوكهولم. 

ونرى أن تقسم مراحل التفاوض إلى ثلاث مراحل: مرحلة تمهيدية تُزال فيها معوقات السلام، ومرحلة بناء الثقة، ومرحلة الحل الشامل التي يجب أن تقوم على أساس الإطار العام لاتفاق السلام الذي يتم الاتفاق عليه في المرحلة الثانية، بحيث تشمل المبادئ والأسس التي يقوم عليها اتفاق السلام، وكذا قضايا التفاوض وإدارة ما تبقّى من الفترة الانتقالية ومراحلها. 

تقع مسؤولية الإعداد للسلام على الأحزاب والقوى السياسية الداعمة للشرعية، من خلال الحوار الثنائي والجماعي بينها، وإزالة الاختلافات، والاتفاق على المشتركات، وإيجاد إطار سياسي جامع يكون قادرًا على تشكيل كتلة تاريخية من الأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية.

نعتقد أنّ الاتفاق السعودي الإيرانيّ سيكون له انعكاسات إيجابية على اليمن والإقليم، ولكن ذلك سيخضع للامتحان في الواقع اليمني والإقليمي، وأهم اختبار له نجاح وقف إطلاق النار في اليمن، ووقف إمداد الحوثي بالسلاح، والعمل على توفير شروط مفاوضات الأطراف اليمنية للوصول إلى اتفاق سلام مستدام وشامل وعادل في اليمن، يبدأ بمفاوضات تمهيدية لبناء عوامل الثقة، وتشمل إزالة المعوقات الأيديولوجية، وذلك بإلغاء المدارس والمعاهد المذهبية، ووقف تغيير مناهج التعليم، وإزالة المعوقات الاقتصادية، والاتفاق على أسس حلّ القضية الجنوبية، والاتفاق على الإطار العام للمفاوضات واتفاق السلام. وعلى السلطة الشرعية أن تأخذ بعين الاعتبار تجربة الماضي، مثلما حدث لاتفاق السلم والشراكة، وذلك من خلال الفصل بين المسار العسكري والأمني، والمسار السياسي، وإعطاء أولوية التنفيذ للمسار العسكري والأمني.

إذا ما قُدّر للاتفاق السعودي الإيراني النجاح، فإنّه من المتوقع أن يُفضي إلى إطار أمني جديد في الشرق الأوسط كنظام إقليمي جديد يحقّق مرتكزًا أساسيًّا للنظام العالمي الجديد الذي تعمل دول عظمى وكبرى من أجل إقامته: روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند ومصر، لكن هذا الأمر يتطلب تحقيق أمرين:

الأول- تخلي إيران وتركيا عن استدعاء الماضي والاستخدام السياسي للدين، كما فعلت دول عربية: السعودية ومصر والجزائر.

الثاني- تعظيم المشتركات بين الأمم الخمس: العرب والكرد والأمازيغ والترك والفرس، والشعوب الأخرى في العالم العربي وتركيا وإيران.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English