يشكو المزارع محمد عبده (47 عامًا)، من زحف الكثبان الرملية إلى أراضيه الزراعية في منطقة الحرور التابعة لمديرية خنفر بمحافظة أبين (جنوبي اليمن)، لتتسبّب هذه الرمال بإعاقة حرثها واستخدامها الزراعي.
محمد واحد من عشرات المزارعين، ممّن يعانون من آثار زحف الرمال التي تهدّد بتصحر مزارعهم، حيث يقول خلال حديثه لـ"خيوط"، أنه يقوم بتوفير معدات غرافة لإخراج الرمال من أراضيه الزراعية مرتين كل عام كحد أدنى، مضيفًا أنه يتم إخراجها ليتمكن من الاستمرار في زراعتها والاستفادة منها على الرغم من تكلفة ذلك.
فيما يعاني من انتشار الرمال بشكل واسع حول أراضيه والأراضي الزراعية الأخرى المجاورة له في المنطقة، إذ إنّه وعند جرف الرمال يشير إلى أنّ الأرض لم تعد خصبة كما السابق.
تهديد المناطق الزراعية
تهدد زحف الكثبان الرملية في محافظة أبين (جنوب اليمن)، مناطق زراعية واسعة، لا سيما في ظلّ التغيرات المناخية التي يشهدها العالم.
من أبرز المناطق التي اجتاحتها الرمال، مناطق مديريتي خنفر وزنجبار (جنوبي المحافظة)، وصاحبت هذه الرمال شجرة السيسبان، التي تنمو على حساب الأراضي الزراعية، وهي شجرة صحراوية لديها قدرة سريعة على الانتشار والتوّسع، والاستهلاك الهائل للمياه.
شجرة السيسبان الصحراوية تنتشر بكثافة في مناطق مديريات زنجبار، وخنفر، وأحور بأبين، حيث اكتسحت مئات الأفدنة من الأرضي الزراعية الخصبة.
يؤكّد رئيس جمعية الحرور لمستخدمي مياه الري، عبدالملك الحروي، أنّ الرمال تزحف بشكل مستمر، وقد اجتاحت العديد من المناطق الزراعية في منطقة الحرور والمناطق المجاورة لها، مضيفًا في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هذه الأراضي كان يتم فيها الزراعة الموسميّة، كالبامية، والحبحب، والشمّام، والموز، إضافة إلى القمح والذرة بأنواعها، وتعتمد جميعها على مياه الأمطار.
اتساع التصحر
مع مرور الوقت يزداد زحف الكثبان الرملية عامًا بعد آخر، ويجتاح الأراضي الزراعية ويغطي على التربة الطينية الصالحة للزراعة، لتتوسع رقعة التصحر في المحافظة التي تشتهر بزراعة الفواكه والذرة والقطن والقمح الذي بدأت بزراعته خلال الأعوام الأخيرة.
هذا ما يؤكّده عبدالملك، قائلًا: "الرمال تزحف باتجاه الأراضي الزراعية بشكل مستمر، وهناك فرق شاسع نلاحظه في أماكن انتشار الرمال عمّا كانت عليه في السنوات الماضية"، مشيرًا إلى أنّ هذا الزحف الرملي يهدّد مصدر دخل مئات الأسَر في المنطقة، والتي تعتمد اعتمادًا كليًّا على الإنتاج الزراعي لتغطية معيشتها اليومية.
المهندس والباحث الزراعي عبدالقادر السميطي، يقول إنّ زحف الرمال في محافظة أبين مستمر منذ زمن طويل، وفي السنوات الأخيرة زادت هذه الرمال بالزحف تجاه المناطق الزراعية، وتسبّبت بإغلاق مزارع بعض المواطنين في أبين.
يضيف السميطي خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّ محافظة أبين تجمع كل أنواع التصحر؛ بسبب موقعها الجغرافي، ونمو نباتات ضارة مثل السيسبان، وتصحر ناتج عن انجراف التربة وضياع بعض الأراضي الزراعية وانصهارها في إطار الوديان.
ويوضح أنّ المناطق التي شهدت تصحرًا بسبب زحف الرمال، هي: جبل لحبوش، والجبلين، ومناطق خبت لسلوم، وجعولة، والدرجاج، والطرية، ويرامس، والحرور، بمديرية خنفر (جنوب غرب محافظة أبين).
أسباب التصحر
يعد الغطاء النباتي المتواجد على سطح التربة من أشجار مختلفة، ونباتات متنوعة؛ من أهم العوامل التي تحافظ على البيئة من التصحر، وتعمل على تثبيت التربة من الانجراف والتدهور.
لكن في المناطق الساحلية والصحراوية تشكّل الرياح تهديدًا بيئيًّا، إذ تعد أبرز الأسباب التي تساعد الكثبان الرملية على الزحف واجتياح الأراضي الزراعية، وتجعل منها أراضيَ صحراوية جديدة.
وبحسب الحروي، فإنّ تهديد الكثبان الرملية الزاحفة ليس فقط على الأراضي الزراعية، بل إنّه خلال الفترة الأخيرة أصبحت المنازل السكنية في منطقة الحرور والمناطق المجاورة لها، مهدّدة أيضًا باجتياح الرمال لها.
الجدير ذكره أنّ شجرة السيسبان الصحراوية تنتشر بكثافة في مناطق مديريات زنجبار، وخنفر، وأحور بأبين، حيث اكتسحت مئات الأفدنة من الأرضي الزراعية الخصبة.
فيما يشير الباحث السميطي إلى أنّه يمكن السيطرة على زحف الرمال والحد من انتشارها، لكنها مُكلِّفة. ومن طرق مكافحة زحفها -يوضح السميطي- أن يتم زراعة وعمل مصدّات رياح، لصدّها ومنعها والتخفيف من حدتها، ومكافحة شجرة السيسبان، وتفعيل القوانين القديمة بمنع قطع الأشجار النافعة.
ومن أسباب اتساع رقعة التصحر أيضًا، بحسب السميطي، زحفُ الرمال وتكوين كثبان رملية في المناطق الزراعية.
من جهته، يقول مدير عام مكتب الزراعة والري في محافظة أبين، الدكتور حسين الهيثمي، إنّ التصحر الناتج عن زحف الكثبان الرملية، يتواجد في مناطق الحرور وجبل لحبوش في خنفر، وشقرة في زنجبار، والخط الساحلي جنوبي المحافظة.
يضيف الهيثمي خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّ المناطق القريبة من البحر هي التي يتواجد فيها التصحر بشكل كبير، وتزحف الكثبان الرملية منها باتجاه الأراضي الزراعية، لافتًا إلى أنّ من أسباب التصحر في المحافظة -إضافة إلى زحف الرمال- قطع الأشجار النافعة عبر الاحتطاب الجائر، وسيول الأمطار.
يؤثر زحف الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية الخصبة، وتتسبب بتصحرها وتدفع المزارعين لعدم الاهتمام بها؛ نظرًا للاحتياجات التي تفوق قدراتهم، إذ ينتج عن ذلك تعرض الأرض لعوامل التعرية، وقيامهم بالبحث عن عمل آخر غير مهنة الزراعة، والتي تضعف الإنتاج المحلي، وتهدد الإنتاج الزراعي.
منسق الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر في اليمن، الدكتور محسن بازرعة، يقول إنّ التغير في أنماط الحياة في العقود الأخيرة، وإهمال الأعراف التقليدية التي كانت فعّالة في إدارة وحماية الموارد الطبيعية والغطاء النباتي والمياه المحدودة، نتج عنها العديد من النزاعات الاجتماعية، وإهمال هذه الموارد؛ مما سمح بظهور ظاهرة التصحر.
يضيف بازرعة خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّ ظاهرة التصحر تتفاقم عامًا بعد آخر، وأنّ تزايد العجز في توفير الاحتياجات المائية والطاقة، إضافة إلى تضاعف ظاهرة الاحتطاب وقطع الأشجار نظرًا لعدم توفر الغاز المنزلي في الأسواق المحلية، وارتفاع أسعارها، وعدم قدرة المواطن على شرائها- تعد من العوامل التي تؤدّي إلى التصحر.
تكوين طبقة من الرمال
الأرض التي تصل إليها المياه، يتكلف المزارع إخراج الرمال منها والاستمرار بزراعتها، عكس التي لا تصل إليها المياه وتُترك وجبة سهلة لتدفنها الرياح بالكثبان الرملية، في حين لا يُستخدم العمّال لرفع الرمال، لأنها بكميات كبيرة، وبعضها قد ارتفعت على سطح التربة الزراعية بمقدار 40سم، لذا يتم استخدام الجرافات، كما يؤكد باحثون ومزارعون.
في حين تتعرض المراعي الطبيعية لضغوط، يصفها بازرعة بالهائلة، بسبب زيادة أعداد حيوانات التربية، وغياب أنظمة إنتاج الأعلاف من أراضي المراعي الطبيعية، بالإضافة إلى تدهور مصادر المياه ونوعيتها وزيادة ملوحتها، وانخفاض مستمر لمستوى المياه الجوفية.
وبحسب بازرعة، فقد "نتج عن ذلك زحف الرمال من السواحل البحرية إلى السهول الزراعية وأراضي المراعي، حيث وصل طول الكثيب الواحد إلى أكثر من 60م، وارتفاع 30سم، في موسم الرياح"، مؤكدًا أنّ هذه الظاهرة تتكرر في المناطق الصحراوية، حيث تغمر سنويًّا عشرات الأفدنة من الأراضي الزراعية، مكونة طبقة رملية غير صالحة للزراعة.
تهديد الإنتاج الزراعي
يؤثر زحف الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية الخصبة، وتتسبّب بتصحرها، وتدفع المزارعين لإهمالها وعدم الاهتمام بها؛ نظرًا للاحتياجات التي تفوق قدراتهم، إذ ينتج عن ذلك تعرض الأرض لعوامل التعرية، وقيامهم بالبحث عن عمل آخر غير مهنة الزراعة، والتي تضعف الإنتاج المحلي، وتهدد الإنتاج الزراعي.
وهذا ما يؤكده عبدالملك الحروي، قائلًا: "إذا استمر زحف الرمال بهذا الشكل فستنتهي أراضينا الزراعية والتي نعتمد عليها في حياتنا المعيشية، فإخراج الرمال بكمياتها الكثيفة تفوق إمكانيات المزارعين وقدراتهم، لذا لا يتم الاهتمام بها".
ويضيف الحروي أنّ هناك مشروعًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، لعمل حواجز بالطرابيل الشبكية، لمنع زحف الرمال، وتعمل على توزيع مياه السيول للأراضي الزراعية ليهتم المواطنون بزراعة أراضيهم، وعدم تركها للتصحر.
جمعيات مستخدمي مياه الري، هي جمعيات في مديريتَي خنفر وزنجبار، شكّلتها منظمة الفاو، وعددها 12 جمعية؛ لدعم المزارعين في مواجهة التصحر، وعمل حواجز لتوزيع مياه سيول الأمطار بدل ضياعها في الأراضي الرملية، ومنع زحف الرمال، وتقطيع أشجار السيسبان وإزالتها، خاصة المتواجدة في أماكن الزراعة والآبار، والتي تعمل على اعتلال الأرض؛ يؤكد عبدالملك.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة في اليمن، حوالي 3% من إجمالي مساحة الأراضي البالغة نحو 52 مليون هكتار (الهكتار = 10000 متر مربع)، فيما مساحة الصحراء تصل إلى 52.4%، ونحو 40.8% أراضٍ رعوية، وما يقارب 3.7% مساحة الغابات والأحراش.
وتقدر بيانات حديثة حجم الأراضي المتدهورة الناتجة عن التغيرات المناخية، منها الانجرافات المائية والانجراف الريحي والتدهور الكيميائي بنحو 5.6 ملايين هكتار، في حين 97% من أراضي اليمن تعاني التصحر بدرجات متفاوتة.
وتعاني اليمن من مشكلة التصحر بدرجات متفاوتة تصل إلى نحو 97% من أراضي البلاد شديدة التصحر ومتوسطة وخفيفة، حيث تعد اليمن من البلدان الموقّعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إذ وقّعت وصادقت عليها عام 1996.