رئة صنعاء تختنق

تردي متنفسات العاصمة، وأريافها بدائل للزائرين
نجيب الكمالي
June 1, 2022

رئة صنعاء تختنق

تردي متنفسات العاصمة، وأريافها بدائل للزائرين
نجيب الكمالي
June 1, 2022
Photo by: Mohammed Alselwy - © Khuyut

يجد كثير من الناس في مدينة صنعاء المكتظة بالسكان، صعوبةً بالغة في التنزه وقضاء بعض الوقت بعيدًا عن منازلهم وضجيج ومتاعب الحياة، خصوصًا في العطل الأسبوعية والإجازات الرسمية، في ظل تردي وضعية متنفساتها وتقلصها، بسبب البسط المتواصل الذي تتعرض له مع بروز مناطق ريفية جاذبة للزوار.

خلال سنوات الحرب، تزايدت موجات النزوح نحو أمانة العاصمة، بشكل ملحوظ ومكثف من عدة محافظات هربًا من شبح الحرب الدائرة هناك، الأمر الذي أحدث انفجارًا سكانيًّا مهولًا في العاصمة اليمنية.

بحسب منصور الجرادي، وهو صحفي ورئيس مؤسسة "وجوه" للإعلام والتنمية، والذي تحدث لـ"خيوط"، فإن المشكلة كبيرة في واقع الأمر، إذ يشبّه العاصمة اليمنية بصندوق، مزدحم بالسكان، وبالتالي أصبح من الصعب الآن أن تتنفس رئة صنعاء بالطريقة الصحيحة. 

كما تواجه صنعاء مشكلات كبيرة في الجوانب البيئية، في حين تم تضييق الخناق على الأطفال حتى في المدارس التي تحولت كل مساحاتها إلى مبانٍ خرسانية. 

للعاصمة صنعاء موقعٌ جغرافي خاص بين جبال محيطة بها من عدة جهات، فيما كانت تتمتع وفق مخططها الحضري، الذي أعد قبل نحو أربعة عقود، بتخطيط حضري مناسب للتوسع السكاني المستقبلي، قبل أن يتعرض لعملية سطو مبكرة، ومن ثَمّ القضاء على المساحات الخضراء والمتنفسات.

يؤكد الجرادي أنّ عملية البسط على متنفسات صنعاء تتم بطرق رسمية، وأوراق "عقود" مزورة، وضغوطات كبيرة، بينما يقف الجميع متفرجًا لمشاهدة ما يجري لعاصمة اليمن، سواء من قبل السلطات العامة الرسمية أو من قبل النخب المثقفة السياسية والصحفية والإعلامية وعامة الناس.

متنفسات ريفية بديلة

يصل عدد الحدائق والمتنزهات العامة في أمانة العاصمة صنعاء، بحسب بيانات، اطلعت عليها "خيوط"، نحو 69 حديقة ومتنزهًا، منها ثلاث حدائق كبرى (السبعين، الثورة، حديقة الحيوان)، وخمس حدائق متوسطة (الوحدة، الحوار، برلين، 26 سبتمبر، "22 مايو"- التسمية بعد قرار تحويل معسكر الفرقة الأولى مدرع شمال صنعاء عام 2014 إلى حديقة عامة").

فيما بلغ عدد زوار العاملة منها، وفق البيانات التي حملها تقرير صادر عن الإدارة العامة للحدائق والمتنزهات بأمانة العاصمة صنعاء، إلى ما يناهز ستة ملايين زائر خلال أيام عيد الفطر الفائت بمعدل مليون و200 ألف زائر في اليوم الواحد.

ويشكك الصحفي منصور الجرادي، بالرقم الصادر عن الإدارة العامة للحدائق، فالمتنفسات الموجودة حاليًّا في صنعاء، من وجهة نظره، لا تكفي لنحو ستة ملايين نسمة هم قوام الكثافة السكانية المقدرة في العاصمة اليمنية، في صنعاء، خاصة في ظل وجود النازحين إليها والذين يُقدّرون بمئات الآلاف.

يؤكد وكيل محافظة صنعاء، حميد عاصم، أنّ مناطق محافظة صنعاء هي المتنفس الرئيسي لأمانة العاصمة بسدودها وغيولها ومنتزهاتها وشلالاتها وجبالها، وهي الوجهة التي يهواها أغلب سكان العاصمة اليمنية

ونظرًا لغياب دور الدولة وأجهزتها المختصة، وكذا غياب الاستثمار الخاص في إنشاء منتجعات ومزارات سياحية داخل صنعاء ومحيطها، فقد ذهب الناس إلى اكتشاف أماكن ومتنفسات خارج العاصمة ومحيطها في نطاق محافظة صنعاء، وبرزت في السنوات الأخيرة عدد من الأماكن التي بات يقصدها الزوار من ساكني صنعاء لقضاء أوقات الأعياد والمناسبات الخاصة والإجازات الرسمية والأسبوعية.

من أشهرها منطقة "حراز" التابعة لمديرية مناخة الواقعة على المدخل الغربي لصنعاء، والتي تتميز بموقعها الجغرافي الفريد ومنازلها المعلقة التي تعانق السحاب، وتعد قرية "الحطيب" أشهر تلك الأماكن التي غدت معالم سياحية بارزة يقصدها أكثر الزوار من داخل العاصمة.

Photo by: Mohamed Al-Selwi - © Khuyut

كما تتميز بخصوصيتها الفريدة عن بقية المناطق المتاخمة للعاصمة صنعاء، حيث تبرز بصفتها موطنًا للطائفة المعروفة "البهرة" التي تميزت بالعمل على زراعة البن، بدلًا عن نبتة "القات" الذي تم اقتلاعه من مناطق كثيرة في حراز ومناخة بشكل عام.

كما برزت مؤخرًا منطقة امتازت بجمال طبيعتها الريفية وخصوبة أراضيها ومزارعها الممتدة على نطاق زراعي فسيح، إذ تعتبر "لؤلؤة همدان" اكتشافًا سياحيًّا مدهشًا، استطاع أن يجذب إليها الكثير من الزوار من ساكني صنعاء، لتصبح مزارًا ريفيًّا يقضي فيه الناس أوقاتًا جميلة مستمتعين بجمال مناظرها ونقاء جوها الريفي.

مناطق سياحية تفتقد للخدمات

مثل هكذا وجهات ريفية، وجد فيها العديد من سكان صنعاء أفضل الأماكن المتاحة أمامهم في الوقت الحالي، رغم ما يعتريها من جوانب قصور تحول دون تحولها إلى متنفسات ومتنزهات فعلية، مثل عدم توفر الخدمات المرافقة وصعوبة الوصول إليها.

وكيل محافظة صنعاء، حميد عاصم، يؤكّد في حديث لـ"خيوط"، أنّ مناطق محافظة صنعاء هي المتنفس الرئيسي لأمانة العاصمة بسدودها وغيولها ومنتزهاتها وشلالاتها وجبالها، وهي الوجهة التي يهواها أغلب سكان العاصمة اليمنية.

يشير عاصم إلى أن المحافظة بحاجة إلى اهتمام كبير في جانب تقديم الخدمات الضرورية اللازمة للمتنزهين والزائرين، مثل: الحمامات البخارية الساخنة، والمساجد، والمطاعم، والكافتيريات والبوافي، والسياجات الحديدية التي تمنع نزول الناس إلى السدود بدون تنظيم، وكذا حاجتها إلى شق الطرق وردمها وسفلتتها ليسهل للجميع الوصول إليها بيسر وسهولة.

يضيف وكيل محافظة صنعاء، أنّ السلطة المحلية بدأت منذ سنوات قليلة، في توفير بعض الخدمات، وخاصة خدمات الدفاع المدني، وسمحت بإدخال بعض "اللنشات" الترفيهية للسدود، إضافة إلى قيامها هذا العام بتكليف كل المكاتب المعنية بالعمل على تهيئة تلك الأماكن للزائرين، داعيًا رجال الأعمال إلى الاستثمار في تلك الأماكن والمواقع السياحية التي تزخر بها مناطق محافظة صنعاء.

وتعد قرية "حَمل" من القرى الريفية الجميلة الواقعة في محيط العاصمة صنعاء من الجهة الشمالية الشرقية، إذ تقع على امتداد منطقة "أرتل" الشهيرة بوصفها واجهة صنعاء الجديدة، حيث النهضة العمرانية وفخامة مبانيها وروعة تصاميمها الحضرية. 

و"حمل" قرية ريفية بديعة تعد بحق مزارًا ومتنفسًا طبيعيًّا يجهله الكثير من سكان العاصمة صنعاء، والذين يتجشمون في الغالب عناء السفر لقضاء أيام العطل الأسبوعية والإجازات الرسمية في أماكن بعيدة عن صنعاء، فيما "حمل" منسية هناك بين أحضان جبال شاهقة تطوقها من جهات عدة ومن بين ظهرانيها تخرج ينابيع الطبيعة لتضفي جمالًا خلّابًا على أودية هذه المنطقة تسر الناظرين، فتغدو أحضانها الفسيحة غابة تكسوها الخضرة والجمال الرباني وعلى امتداد أوديتها المنبسطة تتناثر أشجار العنبرود، والبرقوق، وأشجار الجوز واللوز.

بحسب أهالي قرية حمل، فإن مخلاف دايان من بني مطر، هو مصدر السيول التي تصب في قرية حمل، فقد تعرضت القرية لموجة سيول كبيرة خلال السنوات الماضية، أدّت إلى حدوث أضرار بالغة بالأراضي الزراعية وعملت على جرف التربة؛ وبالتالي إحجام الناس عن زيارتها، خاصة في موسم الأمطار. 

تقول شيماء أكرم لـ"خيوط"، إنها عرفت لأول مرة عن قرية "حمل" من صديقاتها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الأمرَ الذي شجّعها على اتخاذ قرار زيارة تلك القرية المجهولة، ولأجل ذلك فقد قامت بالتنسيق مع عدد من صديقاتها واللاتي كُنّ في الغالب، تربطهن صداقة افتراضية، وكانت زيارة "حمل" ترجمة حقيقية لتحول صداقتهن الافتراضية إلى أرض الواقع.

صبيحة الثاني والعشرين من مايو/ أيار 2022، عيد الوحدة اليمنية، وبينما كان قلة من اليمنيين ما يزالون يتذكرون عظمة هذه المناسبة ويصرّون على الاحتفاء بذكراه الثانية والثلاثين، حينها كانت شيماء ورفيقاتها يحتفلن بطريقتهن الخاصة بالتوجه لزيارة "حمل".

تؤكد شيماء أنه تم قضاء يومٍ جميلٍ واستكشاف هذا المكان الرائع والتعرف على مكان جديد في ربوع هذا الوطن الذي يجب استكشاف ما يتميز به من طبيعة خلابة في كل مكان.

وتعبر عن مدى إعجابها بطبيعة القرية الخلابة وهوائها الريفي النقي وأشجارها وارفة الظلال، حيث يقضي الزائرون وقتًا بهيجًا وممتعًا، وترى شيماء أنّ قرية حمل مهيَّأة لتكون مزارًا ومتنفسًا طبيعيًّا مفتوحًا للزائرين، ومما يزيد من جمال طبيعتها تعامل سكان القرية اللطيف مع الزائرين.

في رحاب مزارع "حمل"، يقضي الزائرون أوقاتًا بهيجة وهم يتناولون طعامهم تحت ظلال الأشجار الوارفة بالخضرة ثم يقضون ما يتيسر لهم من ساعات مقيل وسط فرحة الأطفال ودفء العائلة.

بدورها، تقول سهير عبدالجبار، صحفية في المركز الإعلامي "للمعاقين"، في حديث لـ"خيوط"، إنها ذهبت إلى قرية حمل رفقة صديقاتها وعدد من النسوة لقضاء عطلة رسمية مؤخرًا، فقد حالت وعورة الطريق دون بلوغهن الوجهة المحددة، حيث الغابة الخضراء في أعالي القرية ما اضطرهن للمكوث وسط الوادي وقضاء يوم جميل وتناول وجبة الغداء المعدة مسبقًا في المنازل.

* تحرير خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English