عنوان الرسالة- المبحث: "استقطاب التعليم الديني في حرب اليمن"، للباحثة ميساء شجاع الدين.
تربط الباحثة في "المقدمة" بين ازدهار التعليم الديني، وبين الحرب في اليمن، كوسيلة للتحشيد، وإن رأت أن التحشيد يعود إلى ما قبل سنوات الحرب، وإن كان له أيضًا جذور ممتدة إلى قرون عدة.
وترى أن التحشيد بلغ الذروة بعد الوحدة، وصولًا إلى حرب 1994. وترى -مُحقّةً- أن البعد المناطقي أساس في التقسيم المذهبي، وربما امتد هذا التقسيم الجغرافي إلى الحياة السياسية برمتها؛ فالمناطقية، والجهوية في اليمن حضورها جلي.
وتقرأ التداخل بين المناطقي والقبلي، معتبرةً ذلك جوهر الصراع، وهي رؤية مبكرة للعالم الجليل الأستاذ محمد أنعم غالب، والعقل السياسي الشهيد محمد أحمد نعمان. وتتناول المذهب الزيدي المتفرد بالخروج على الإمام الظالم، وقراءتها لانتشار المذهب في شمال اليمن ليست بعيدة عن رؤية أنعم، ونعمان.
المدارس الدينية
تتناول الباحثة المدارس الأربع الكبيرة: الشافعية، والزيدية، والصوفية، والشوكانية، وفي التقسيم بعض تعسف؛ لأن الصوفية تيار واسع ومنتشر في التيارات السنية جميعها، وفي الشيعية، وفي خارجهما أيضًا؛ في الديانات الأخرى، وليس معطى سنّيًا، ومن باب أولى ليس شافعيًّا. وفي اليمن ازدهر التصوف في مناطق معينة، وفي تاريخ معيّن، وله تأثير على بعض الرموز الإمامية. أما الشوكانية، فجذورها محمد بن إبراهيم الوزير، ولكن الأساس في الدولة الرسولية والصليحية والقاسمية، وفي التلاقح والتلاقي في صنعاء، وذمار، وضحيان، وإب، وتعز، وجبلة، وحضرموت، والبيضاء، وزبيد، والزيدية [منطقة في الحديدة]، وعدن، وضمد؛ فهذا التلاقي والتلاقح أثمر الانفتاح على السنة، وازدهار التيار الصوفي والحميني اليمني ما بين زبيد وكوكبان وعدن وحضرموت.
تقدم الباحثة قراءة دقيقة للمعاهد العلمية: نشأتها، وتطورها، ومناهجها، ومن ثم ارتباطها بالإخوان المسلمين، وبالصراع بين الشمال والجنوب، وارتباطها بالصراع في المنطقة كلها. ومع الاتفاق مع ما دونته الباحثة، فإن برنامج المعاهد لم يكن مختلفًا مع نظام الفتوة لدى الإمام حسن البنا، وقانون التعليم بعد 5 نوفمبر 1967 قدمته السعودية للقاضي عبدالرحمن الإرياني، وقد وضع في الدرج، ولم يطبق إلا أيام إبراهيم الحمدي.
قدم الأستاذ حسن شكري دراسة ضافية عن نشأة المعاهد، ونُشِرَ البحث في كتاب الدكتور أبو بكر السقاف "اليمن بين السلطنة والقبيلة"، وقد صدر أخيرًا في كتيب مستقل، ويبدو أن المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين، والتي رعتها السعودية، تضمنت اتفاقًا غير معلن على تسليم التربية والتعليم، والتوجيه والإرشاد، للإخوان المسلمين.
شُكِّلتْ بعد المصالحة هيئة علمية برئاسة الزنداني، وكانت المشرفة على إنشاء المعاهد، وسُلّمت المناهج التعليمية للإسلام السياسي، وتحولت عشرات ومئات المدارس إلى معاهد دينية، وحُظِّر النشاط الفني والأدبي في المدرسة والجامعة، وأُفسد التعليم، وصارت المعاهد صاحبة الأولوية في الامتيازات.
كما درست الباحثة عميقًا التعليم السلفي، مشيرة إلى أن أول معهد بناه الشيخ مقبل هادي الوادعي عام 1979. كان الوادعي من أهم تلاميذ عبدالعزيز بن باز، واشترك فعليًّا مع جهيمان العتبيي في حادثة الحرم الشهيرة، ثم أطلق من المعتقل، وبتنسيق بين الحكم في اليمن والسعودية، جرى غرسه في صعدة.
استقطب المعهد المئات من اليمن، ومن أقطار عربية شتى؛ لنشر الفكر السلفي، وكان التوظيف السياسي لصالح النظامين في صنعاء، والرياض، ونجم عن المعهد معاهد أخرى في ذمار ومأرب وحضرموت، حسب الباحثة. وأضيف: إب، والحديدة.
قراءة الباحثة لنقد الوادعي لمواقف السعودية إبان حرب الخليج الثانية، وحرب 1994، صائبٌ أيضًا، ولكنه يرتبط كذلك بموقف رموز الوهابية الذين دانوا الوجود الأمريكي، وبمواقف الإخوان المسلمين؛ وللأمر علاقة بالعداوات الدينية والمذهبية، وبالمستجدات السياسية.
تأتي الباحثة على استقبال السعودية للوادعي أثناء مرضه، والتقائه بالأمير نايف، ومعالجته في ألمانيا وأمريكا. وحقيقة الأمر هو اشتراك السلطتين في صنعاء والرياض على الاهتمام بعلاج الوادعي في أمريكا؛ لأنه مهمّ لهما معًا.
كما تتناول النشاط السلفي المتجسد في تأسيس "جمعية الحكمة" في تعز، و"جمعية الإحسان"، مشيرةً إلى رفض الوادعي العمل الخيري باعتباره شكلًا من أشكال العمل الحزبي، كما تتبعت الباحثة اتساع نشاط السلفية في أنحاء الجمهورية.
تدرس علاقة السلفية بالسعودية، مشيرةً إلى دعم علماء السلفية السعوديين لنشاط الوادعي، كربيع المدخلي، وعبدالعزيز بن باز، ومؤسسة الحرمين الخيرية. والواقع أن هؤلاء السلفيين غير بعيدين عن السلطة، ووجود بعض الخلافات بين الوادعي والسلطة السعودية محكومة بالإرادة السعودية في غرس الوهابية في بيئة زيدية، وخلق صراع مذهبي، وفتنة طائفية تعمّ اليمن كلها، كما أن إشارة الباحثة إلى موقف الوادعي من السعودية إبان طرد الآلاف من أهالي صعدة أثناء حرب الخليج، ودعمها للانفصال، مهمّ.
تأتي الباحثة على استقبال السعودية للوادعي أثناء مرضه، والتقائه بالأمير نايف، ومعالجته في ألمانيا وأمريكا. وحقيقة الأمر هو اشتراك السلطتين في صنعاء والرياض على الاهتمام بعلاج الوادعي في أمريكا؛ لأنه مهمّ لهما معًا؛ فمحاربة الزيدية في معقلها (صعدة) قضية مشتركة، كما أن غرس الفتنة الطائفية، والصراع المذهبي في اليمن كلها هو الهدف الأساس.
دفْن الوادعي في السعودية بين كبار علمائها له مغزى؛ فقد أصدر الرجل فتاوى بمثابة الوصية الأخيرة تكفّر الحكم في اليمن، وتبرئ السعودية، وهذه الفتاوى تتطابق مع فتاوى ابن باز في الزيدية، وإن تراجع عنها شكليًّا.
وتؤكد الباحثة -ومعها كل الحق- على عدم وجود انفصال بين السلفية والسعودية، وإن كان ذلك لا يعني -حسب تعبيرها- أن السلفيين لا يتأثرون بحساسيات وتعقيدات العلاقة بين الدولتين الجارتين.
وتدرس الباحثة غياب التنظيم في التيار السلفي، والتزامهم الصارم بطاعة ولي الأمر، مشيرةً إلى توظيف صالح لهم في حرب 1994 ضد الجنوب، وفي حروب صعدة الستة، وتشير أيضًا إلى تغير الوضع بعد انتفاضة 2011، وإلى الانقسامات في التيار السلفي، وترى أن الغالبية العظمى عارضوا الانتفاضة باستثناء "جمعية الإحسان"، وإلى حدٍّ ما "جمعية الحكمة" في تعز، ونجم عن ذلك "ائتلاف الإحسان الإسلامي"- 2012.
كما تقرأ التطورات في التيار السلفي بعد 2011؛ إذ طرأت انقسامات حول المشاركة السياسية، وتكوين أحزاب، وكان أول حزب سياسي هو "النهضة الإسلامي"، في مارس 2011، وكان يدعو لانفصال الجنوب، ثم تشكل حزب "الرشاد الإسلامي"، 2012، وأعضاؤه آتون من "جمعية الإحسان"، بينما انبثق "حزب السلم والتنمية" من "جمعية الحكمة"، بحسب توثيق الباحثة.
ثم تقرأ توزع السلفيين على جميع الأطراف؛ فقد استقطبت الإمارات سلفيين يقاتلون معها، كهاني بن بريك -تلميذ الوادعي والعضو القيادي في الانتقالي، واستقطبت السعودية أبا الحسن الماربي- وهو تلميذ للوادعي أيضًا، وأخذت قطر حصتها، وترك الحوثيون بعض المعاهد السلفية كدار الحديث بدماج مقتصرًا على أهالي المنطقة، ومعهد مَعبَر في ذمار، في حين أغلقوا بعض المعاهد الزيدية، ومنعوا تدريس المذهب الزيدي في المساجد.
وتستنتج الباحثة تفسير هذا السلوك ببراجماتية جماعة حاكمة في التعامل مع السنة الذين يمثلون جزءًا كبيرًا من السكان الواقعين تحت سيطرتهم، وكذلك استعراض لانفتاحهم على الآخرين، وعدم تعصبهم المذهبي، ولكن ما يجري في المدارس والجامعات والمناهج التربوية مغاير ومختلف تمامًا.