في محافظة حضرموت (شرقي اليمن)، تزايد أعداد الأطفال غير المطعّمين بعد حملة شرسة شنّها البعض ضد طواقم التحصين التي تتنقل من منزل لمنزل؛ تارة بحجج دينية كالتحريم، وتارة أخرى بذرائع صحية كإصابتهم بالعقم والضعف وغيرها من الأمراض.
يأتي ذلك في إطار المعلومات المُضلِّلة التي يتم تداولها بشكل كبير ومكثف، إذ يكشف مدير إدارة التحصين بمكتب الصحة بوادي وصحراء حضرموت، جعفر بن عبيدالله، لـ"خيوط"، أنّ عدد الأطفال المستهدفين بحملة التطعيم من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار بهذا العام، بلغ (9357) طفلًا، بينما بلغ مَن تم تطعيمهم فعليًّا بالجرعة الأولى نحو (6742) بنسبة 72% من المستهدفين؛ أي ما نسبته 29% بعدد (2615).
يرجح "بن عبيدالله"، في حال الاستمرار على هذا المنوال، أن يصل عدد الأطفال غير المطعمين نهاية العام إلى نحو (6277) طفلًا للمرحلة العمرية أقل من عام، وهذا ما سيشكّل بؤرة مناسبة لدوران العدوى، خاصة إذا تم إضافة الأطفال غير المطعمين لسنتين ماضيتين، والمقدر عددهم بحوالي (18830) طفلًا أقل من ثلاثة أعوام.
حسب إدارة الترصد بمكتب الصحة والسكان بمحافظة حضرموت، بلغت إجمالي حالات الحصبة المبلغ عنها إلى نهاية شهر يونيو/ حزيران 2023، ما يقارب (1052)، منها (933) حالة لم تتلقَّ لقاحًا ضد الحصبة بنسبة 98%، و(119) حالة تم تطعيمها جرعة واحدة، مع العلم أنّ لقاح الحصبة يؤخذ جرعتين.
لمواجهة حملات التضليل تجاه عملية التحصين، تم إطلاق وتدشين عدد من المبادرات التوعوية، من منابر المساجد إلى استهداف المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي مرورًا بعامة الناس، والمبادرات الفنية التي استهدفت الرسم على الجداريات في الأماكن العامة للمدن والمناطق.
من أعداد غير المطعمين، تشير بيانات مكتب الصحة والسكان بالمحافظة، إلى أن هناك حوالي (833) طفلًا، لم يطعّموا بسبب رفض الأهل، أي بنسبة 89%، في حين تتوزع إجمالي الإصابات، كما يلي: (490) حالة إصابة بمديرية سيئون، ومديرية شبام (178) حالة، ومديرية القطن (47) حالة، و(69) حالة بمديرية تريم، و(61) حالة بمديرية ساه، وتوزعت بقية الحالات على باقي المديريات.
تقول منظمة الصحة العامة، إنّ تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات في اليمن هو نتيجة مباشرة لمستويات المناعة المنخفضة بشكل متزايد لدى الأطفال. ومع الانخفاض السريع في نسب التغطية للتحصين، من المتوقع تزايد معدلات الوفيات بشكل خطير، خاصة إذا استمرت معدلات سوء التغذية في الارتفاع.
وتؤكّد المنظمة أنه منذ عام 2021، أصيب 228 طفلًا بالشلل في اليمن، بسبب تفشي شلل الأطفال الدائر. ومن المتوقع أن يرتفع عدد حالات الإصابة بفيروس شلل الأطفال في اليمن، الذي تم القضاء عليه في جميع أنحاء العالم تقريبًا، وأصبح القضاء عليه عالميًّا في متناول اليد.
وجهة نظر دينية
من المبررات التي يتخذها بعض رافضي التطعيم، أن اللقاحات تُنتَج من بعض المحرمات عن المسلمين، منها مشتقات من لحم الخنزير أو دم الميتة وغيرها، إلّا أنّ العلماء بيّنوا هذا فيها، حسب المختص بالدراسات الإسلامية هاني باوزير، الذي يرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ حكم التطعيم يرجع إلى حكم المواد المستعملة فيها والآثار المترتبة عليها، وهي بهذا عدة أقسام، الأول منها ما كان منها مواد مباحة الاستعمال في الأصل ولها آثار نافعة، وهذه كما يقول، جائزة.
في حين هناك مواد عولجت كيميائيًّا أو أضيفت إليها مواد أخرى غيّرت من اسمها ووصفها، لتحولها من مواد غير (جائزة) إلى مواد مباحة، وهو ما يسمى بـ"الاستحالة"، بحسب باوزير، ويكون لها آثار نافعة، وهذه اللقاحات كما يؤكد يجوز تناولها؛ لأنّ الاستحالة التي غيّرت اسم موادّها ومواصفاتها قد غيّرت حكمها فصارت مباحة الاستعمال.
مبادرات للتوعية
لمواجهة حملات التضليل تجاه عملية التحصين، تم إطلاق وتدشين عدد من المبادرات التوعوية، بدءًا من منابر المساجد إلى استهداف المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، مرورًا بعامة الناس، والمبادرات الفنية التي استهدفت الرسم على الجداريات في الأماكن العامة للمدن والمناطق.
كما قام فريق (آرت مكس) الفني بحضرموت بتنفيذ مبادرة "فن واعي"، وذلك للتوعية بأهمية التطعيم لصحة وحياة الأطفال، وحماية المجتمع، وفق حديث عضوة الفريق، نسرين ربيع، لـ"خيوط"، وذلك عن طريق استثمار قدرات منتسبي/ات الفريق، ورسم عدد من الجداريات في الأماكن العامة بمدينتي سيئون وتريم، بهدف إيصال عدد من الرسائل التوعوية حول أهمية التحصين.
يأتي ذلك بعد أن تلقى الرسامون/ـات محاضرات توعوية حول التحصين وأهميته والمشكلات التي تواجه العاملين بسبب المعلومات المضللة التي تستهدف حملات التطعيم، والتي أدّت إلى عزوف الكثير عن تطعيم أبنائهم، حيث تأمل أن تكون هذه البادرة جزءًا من تكوين الوعي العام للمجتمع حول أهمية التطعيم.
على مدى عقود، كانت معدلات التغطية العالية لتحصين الأطفال في اليمن، بحسب منظمة الصحة العالمية، من بين الأفضل في المنطقة، وظلت مرتفعة بفضل الدعم المستمر لأنشطة رفع الوعي المجتمعي ونظام الصحة العامة القوي. لكن للأسف، فقد قضى الصراع على هذه الجهود.