تتمتع أرياف جنوب اليمن بعادات وتقاليد رمضانية متنوعة، بما يعكس هذا التنوع خصوصية ما يزخر به التراث اليمني، غير أنّ بعضًا منها تعرّض للاندثار، وبعضها لا يزال يقاوم هذا الاندثار رغم تعاقب السنين.
من المظاهر التي كانت سائدة في بعض الأرياف اليمنية، عادةُ "ذبح المواشي"؛ حيث تقوم من خلالها كلُّ أسرة في المناطق الريفية، التي يعمل سكانها في الزراعة، في شبوة، وسقطرى، وقبائل يافع (في لحج وأبين)، بتخصيص إحدى المواشي لإقامة مأدبة إفطار جماعي في رمضان، وكانت النساء يقمن بطحن القمح في المطاحن اليدوية بعد "توقيرها" (تجهيزها للطحن)، مع ترديد الأهازيج الخاصة بشهر رمضان، ويطبخن الأكلات الشعبية الرمضانية .
يقول عيظة حسن، من أبناء مديرية الطلح (شرقي عتق)، في محافظة شبوة، لـ"خيوط": "يتم ذبح خروف ويسمى "صدقة رمضان"، وتقام المآدب الرمضانية للحاضرين من الضيوف أو المسافرين وعابري السبيل، ويجتمعون في مأدبة إفطار جماعية، وتتبادل كافة الأسر إقامة العزائم طوال أيام الشهر، علاوة على الإفطار الجماعي الذي يمتد إلى المدن".
غير أنّ هذه العادة اندثرت في بعض أرياف قبائل يافع (سرو حمير)، إذ يقول الباحث الاجتماعي الدكتور علي الخلاقي: "قديمًا كان هناك ما يسمى" كرامة"، أو "مدخل" رمضان، وهو تجهيز خروف أو كبش ونحره في اليوم الأول من رمضان، وكان ينظر لهذا التقليد كواجب ديني مُلزم حتى وقت قريب، ويتم توزيع اللحم على ذوي القربى مع إبقاء شيء منه للأسرة، إلى جانب توفير (شِركة رمضان)؛ وهي اللحوم التي يتشارك فيها مع الآخرين، وتقسيمها حسب حصة كلٍّ منهم".
في سقطرى يتولى "المسحراتي" مهمة إيقاظ الناس للسحور، وينادي بالسقطرية: "فلاح، فلاح، فلاح"؛ أي سحور، ثلاث مرات، بينما يسمى (الشاحذ) في يافع. وعند توزيع زكاة الفطر، يمر عند كل بيت ومعه (المَرْوَس) أو (الطَّاسة)، وعلى أنغام إيقاعاتها يردّد المواويل، طالبًا من خلالها حصته من زكاة الفطر.
ويستطرد الخلاقي: "أما (عشاء رمضان) أو(قُرص رمضان) فهي وجبة عشاء توصلها الأسرة إلى ابنتهم المتزوجة أو (العَذَل)، يؤتى بها مع النساء الأقارب، ويكون ذلك في ليلة يُتفق عليها، وتكون من أقراص الخبز، وهذه العادة تأتي في إطار ما يُسمى بـ(الهَديّة والقديّة) التي تلتزم بها الأسرة كواجب تجاه عذلها المتزوجات في مختلف المناسبات".
من جانبه، يفيد الدكتور سعد عامر الدعرهي، عميد كلية التربية سقطرى، أنّ من ضمن العادات الرمضانية في بادية جنوب أرخبيل سقطرى -في حديثه لـ"خيوط"- إخراج ذبيحة زكاةً وتوزيعها على الجيران، بشرط ألا يأكل منها صاحبها، وعند العصر يأتي الأطفال حاملين الأواني للحصول على اللحم والتنافس على الشحم، ويتم طبخ الشوربة بما يحضرونه من لحم وشحم في تلك الأواني".
توقيت الإمساك
في السياق، يقول محسن كرد، مهتم بالتراث، من أبناء محافظة لحج، لـ"خيوط": "خلال فترة الخمسينيات إبان حكم السلطنة العبدلية في محافظة لحج، كان يطلق مدفع رمضان كتوقيت للإفطار أو الإمساك من قصر السلطان علي عبدالكريم العبدلي "قصر الروضة". وعند العصر كانت بيوت السلاطين والأمراء، تُخرِج وجبات الإفطار لإطعام الفقراء، وبعد انتهاء حكم السلطنة، كانت المساجد تهتف في لحج بالترحيب والتوديع لشهر رمضان وإيقاظ الناس للسحور، إلى جانب المسحراتي".
في حين يضيف الخلاقي: "في قبائل يافع، كانت (القارة) حاضرة السلطنة العفيفية هي الوحيدة التي تطلق المدفعية التي يُسمع دويها بوضوح في القرى المحيطة بها، بعد ثبوت رؤية هلال رمضان، أو ثبوت هلال شوال، وهذه المدفعية هي الوحيدة التي أهداها الإنجليز للسلطان عيدروس مطلع الخمسينيات من القرن الماضي تقريبًا".
أما الوسيلة الأكثر اتّباعًا، التي عرفتها يافع منذ زمن قديم، فكانت تتمثل بإضرام شعلة اللهب على قمم المرتفعات الجبلية وفوق أسطح المنازل المرتفعة، وتُسمى (الهُشَّلة) أو( الشعملة)، وفي الوقت الراهن يصاحب ذلك إطلاق الألعاب النارية، وبهذه الطريقة يكون الإعلان عن حلول أيام رمضان أو عيد الفطر، ومثلها في بقية أرياف مديرية المسيمير".
بينما يتطرق عيظة، إلى التطور التكنولوجي، حيث اختفت بسببه عادة إشعال النار على رؤوس الجبال في محافظة شبوة، وبات الناس يعتمدون على وسائل الإعلام. كما كان هناك قديمًا، وفق عيظة؛ عادة في الأعراف القبَلية بشبوة، تتمثل بإيقاف الحروب والاقتتال بين القبائل، وإطلاق الأسرى خلال شهر رمضان.
حكايات قديمة
من الحكايات القديمة المرتبطة بشهر رمضان في أرياف قبائل يافع، يسرد الخلاقي منها: "صيام الأطفال (جُمعة القضاء)، وهي الجمعة الأخيرة من رمضان، حيث يعادل صيامها، كما كان الاعتقاد السائد، صيامَ رمضان بكامله".
ومن القصص الشهيرة المرتبطة بليلة القدر، كما يسردها الخلاقي، أنّ أحدهم ترقب ليلة القدر من نافذة بيته وتمنى أن يكبر رأسه فكبر في الحال ولم يستطع إخراجه من النافذة، فطلب على الفور أن يعود رأسه كما كان، وقد تجسد هذا بالمثل الذي يقول: "يا الله برأسي يكبر، قال: يا الله يرجع ذي كان"، وصار هذا المثل يُضرب في خيبة الآمال وذم الطمع.
عادة المسحراتي
تعد عادة المسحراتي من العادات والتقاليد القديمة منذ سنوات طويلة في أرياف جنوب اليمن، وما زالت مستمرة إلى اليوم في بعض المحافظات، وهناك أُسَر خاصة تقوم بعادة المسحراتي، وتوارث أبناؤها هذه العادة.
يقول سعيد مدرك- باحث ومؤرخ، لـ"خيوط": "منذ سنوات وعادة "المسحراتي" لا تزال في حضرموت، وهناك أسر خاصة تتوارث هذه العادة، ويتولى "المسحراتي" عادة (الشامية)، في أواخر شهر رمضان المبارك، وخاصة في العصر، حيث يقوم بتجميع أطفال الحي والمرور بهم على البيوت، منشدًا الأناشيد الرمضانية التي يردّدها الأطفال، مثل: "شامية، شامية، رمضان يأته بنية"، ويقوم الناس بإعطاء "المسحراتي" جزءًا منها وهو يمر على البيوت مكافأة له".
في سقطرى، يتولى "المسحراتي" مهمة إيقاظ الناس للسحور، وينادي بالسقطرية: "فلاح، فلاح، فلاح"؛ أي سحور، ثلاث مرات، بينما يسمى (الشاحذ) في يافع، وعند توزيع زكاة الفطر يمر عند كل بيت ومعه (المَرْوَس) أو (الطَّاسة)، وعلى أنغام إيقاعاتها يردّد المواويل طالبًا من خلالها حصته من زكاة الفطر، يقول: "يا مساء الليلة مساء، عند ذا الدار الجديد، ذي رواشينه حديد، وافسحونا بالمساء، مائدة الإفطار"؛ بحسب الخلاقي.
في شبوة، يُطلق على المسحراتي (با شعفل)، ويقوم بقرع الطبول طيلة ليالي الشهر الفضيل، لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، وفي نهار يوم 27 من رمضان، يجوب ومعه مجموعة من الأطفال القرى والمنازل، مردّدين أهازيج: "با شعفل عيّد عيدهم، با شعفل من السالمين، يا الله بعيدك سالمين، بجاه رب العالمين" توديعًا لشهر رمضان، فيبادر الأهالي إلى تقديم الهدايا لهم كالحبوب والنقود، ويكون للمسحراتي النصيب الأوفر منها، إلا أنّ هذه العادة اختفت بتعاقب الأزمان.
وبين صلاتي العصر والمغرب، في باحة المساجد (الضَّاحية) في معظم القرى، يجتمع الرجال، ويستمعون إلى قراءات من القرآن الكريم أو الترانيم الدينية، أو الأحاديث.
في كل محافظة أو منطقة ما يميزها من عادات وتقاليد، تمثّل نموذجًا للتنوع الذي يمتاز به الموروث الثقافي والاجتماعي في اليمن.