تفتح جائزة الرّبادي للقصة القصيرة نافذة مهمة لتشجيع الإبداع الأدبي في ظل الركود الذي يعانيه الحراك الثقافي في البلاد، وتخلّي الدولة عن دورها في إنعاش الحياة الثقافية المتنوعة في البلاد، وعن فتح آفاق جديدة للمبدعين من الكتّاب بشكل عام، وبالأخص منهم الأقلام الشابة، إضافةً إلى توقف دور اتحاد الأدباء كمؤسسة ثقافية رسمية رائدة، وانحسار المبادرات المجتمعية في مجال الفكر والأدب، وتراجع الاهتمام بالثقافة والفن عمومًا، بسبب الظرف السياسي الذي تمر به اليمن.
هكذا كان الانطباع العام الذي عبر عنه حشد من الحاضرين والمتفاعلين من الأدباء والكتاب والنقاد والمهتمين بالثقافة والأدب، وذلك خلال حفل توزيع "جائزة الربادي للقصة القصيرة" في دورتها الأولى 2020/ 2021، والذي أقيم في فبراير/ شباط 2020.
وفي هذا الصدد وصف المفكر والصحفي المخضرم عبدالباري طاهر، في حديثه لـ"خيوط"، الاهتمام بالثقافة والإبداع والأدب، بـ"الخطوة العظيمة والمهمة جدًّا في ظل حالة الجدب والحرب التي تمر بها البلد". وأشاد الأستاذ طاهر باختيار "الربادي" اسمًا للجائزة، متحدثًا عن الكاتب والمناضل محمد الربادي، بأنه "إنسان ترك أثرًا طيبًا؛ لأنه مثال للفكر المستنير والسلوك المستقيم، الذي ينسجم قوله مع فعله، ويقول الكلام الصحيح ويجسده في عمله، وهي قيمة عظيمة للإنسان متجسدة بسيرة الأنبياء والمرسلين، كما أن الربادي هامة نضالية مكافحة ظل طوال حياته يناضل ضد الظلم والاستبداد".
ويقول الروائي وجدي الأهدل، إن هذه الجائزة ترعاها صحيفة "اليمني الأمريكي" عبر رئيس تحريرها الصحفي اليمني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية رشيد النزيلي. وأضاف وجدي في حديث لـ"خيوط": "تسعى الجائزة إلى تشجيع الجيل الجديد من الأدباء الشباب في اليمن، خصوصًا في هذا الوقت الذي توقفت فيه معظم الجوائز اليمنية إلى أجل غير مسمى، مثل جائزة الدولة للشباب التي ترعاها وزارة الشباب والرياضة، وجائزة عمر الجاوي التي يرعاها اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وجائزة السعيد للعلوم والآداب التي ترعاها مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، وسواها من الجوائز الأقل شهرة التي توقفت بسبب الحرب". كما تهدف الجائزة، بحسب الأهدل، "إلى لفت انتباه رجال الأعمال اليمنيين المقيمين في دول المهجر إلى المساهمة في دعم الثقافة والآداب والفنون في بلدهم الأصلي، وأن يعملوا على تقديم جزء يسير من أموالهم لصالح مشاريع ثقافية في الداخل".
عن جائزة الربادي
بحسب أدبياتها، فهي "جائزة سنوية تمنح في مجال القصة القصيرة، وتستهدف فئة المؤلفين اليمنيين الشباب دون سن الثلاثين عامًا، ويرجع تاريخ تأسيسها إلى سبتمبر/ أيلول 2020.
تم إطلاق الدورة الأولى للجائزة (2020-2021) في أكتوبر 2020، وجرى توزيع جوائزها في العاشر من فبراير 2021، في مقر نادي القصة بصنعاء.
القاصّ حامد الفقيه: لاحظت في جائزة الربادي مجموعة من التكاملات بين الجهات الداعمة المتمثلة باليمني الأمريكي وشخصية رشيد النزيلي، وبين الفاعلين الثقافيين، ممثلين بالكتاب والأدباء والنقاد الذين استطاعوا أن يواكبوا الإنتاج الشبابي
وسوف يتم فتح مجال التقدم للجائزة في دورتها الثانية (2021-2022) في شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم، لمدة ثلاثة أشهر، وسوف يقام حفل توزيع الجائزة في فبراير/ شباط 2022".
ويقول الصحفي اليمني الأمريكي، رشيد النزيلي في حديث لـ"خيوط"، إن "الثقافة هي الرصيد الذي يتباهى به كل يمني من أقصى البلد إلى أقصاه، والمذهب الموحد لجميع اليمنيين"، وأن هذا كان دافعه لإطلاق هذه الجائزة كمبادرة يصفها بـ"المتواضعة"، تهدف إلى "تحفيز الإبداعات الثقافية الشبابية، كون الشباب هم المستقبل المشرق للبلد".
تقدم للجائزة في دورتها الأولى (35) متسابقًا، استوفى الشروط منهم (18) فقط، حسب المعلومات التي حصلت عليها "خيوط" من إدارة الجائزة، حيث تم تشكيل لجنة تحكيم الجائزة من الكاتب والصحفي المختص بالشأن الثقافي، أحمد الأغبري، والروائي سمير عبدالفتاح، وهو كاتب قصة ومسرح، والروائي وجدي الأهدل، وهو أيضًا كاتب قصة ومسرح.
وبدأت الجائزة بمنح مبالغ مالية متواضعة، قدرها 200 دولار للفائز الأول، و100 دولار لكلٍّ من الفائزين الثاني والثالث، بينما يطمح رئيس مجلس أمناء الجائزة رشيد النزيلي، إلى رفع قيمة الجائزة في دوراتها القادمة.
وتوقع الكاتب والصحفي أحمد الأغبري، عضو مجلس أمناء الجائزة، وعضو لجنة تحكيمها، أن يزيد الإقبال على المشاركة فيها من الكتاب الشباب في الدورات اللاحقة، بعد أن حققت الدورة الأولى نجاحًا تزامن مع احتياج المشهد الأدبي في اليمن إلى التشجيع والدفع إلى الأمام، لافتًا إلى أن هذا ما يعوّل على الجوائز الأدبية أن تفعله.
وقال الأغبري لـ"خيوط"، إن "لجنة التحكيم اعتمدت عدة معايير؛ كان أبرزها وحدة الموضوع، وتماسك السرد وتكامل عناصره، وجودة الحبكة وسلامة وجمال اللغة".
الروائي محمد الغربي عمران، وهو رئيس نادي القصة اليمنية "إل مقه" حيث أقيمت الجائزة في دورتها الأولى، رحب باسم إدارة النادي "بمثل هذه المبادرات"، وقال إن "أبواب النادي مفتوحة لكل كتاب القصة الشباب". كما دعا "رؤوس الأموال أن يوظفوا أموالهم في دعم الشباب والإبداع".
ومن وجهة نظر القاصّ حامد الفقيه، وهو فائز سابق بجائزة رئيس الجمهورية في مجال القصة عام 2010، فتكمن أهمية جائزة الربادي في كونها "تساهم في إنتاج فعل ثقافي متماسك ومتميز وسط حالة الغوغائية في الكتابة السائدة، وبروز مشكلة عدم ترشيد الفعل الثقافي وتمحيصه في ظل غياب المؤسسات الثقافية". وأضاف في حديثه لـ"خيوط"، أنه لاحظ في جائزة الربادي "مجموعة من التكاملات بين الجهات الداعمة المتمثلة باليمني الأمريكي وشخصية رشيد النزيلي، الذي يرعى الجائزة ويدعمها من مهجره في أمريكا، وبين الفاعلين الثقافيين، ممثلين بالكتاب والأدباء والنقاد الذين استطاعوا أن يواكبوا الإنتاج الشبابي.
وتجدر الإشارة إلى أن جائزة الربادي بمراكزها الثلاثة، كانت من نصيب ثلاثة كتاب شباب، هم: ميمونة عبدالله، عن قصتها "ظل الأشرفية "في المركز الأول، وهيثم ناجي، عن قصته "تحت الطاولة" في المركز الثاني، وقصة "عين آمال الذبحاني"، لعمران عبدالله ثالثًا.
وعن فوز قصتها "ظل الأشرفية" بجائزة الربادي، تقول ميمونة عبدالله لـ"خيوط": "لم يكن فوز القصة متوقعًا، لكن وقد فازت يمكنني أن أقول واثقة بأنها قُرِئَت بوعيٍ حقيقي، وما حملته القصة لا يتعدى كونه محاولةً لعكْسِ وتصوير نفسية الشاب اليمني المتعَبة، تيهًا وتخبطًا في كل مكان، باحثًا عن النور". وتضيف أن دافعها لاختيار موضوع تاريخي لقصتها، هو "انعدام النور في حاضر الشباب، في مقابل الأمان الذي يجدونه في تاريخنا العريق، بالإضافة إلى حاجة التاريخ اليمني لتنقيب الكتّاب الشباب فيه والتفاتهم إليه". وبرأي ميمونة، فإن فوز قصتها بجائزة الربادي، مثلت لها ولكتاب القصة القصيرة من الشباب رسالة دافعة مفادها: "امضِ قدُمًا"، وهذا دافع ينبغي تقديره.
ولم يقتصر حفل تكريم الفائزين بجائزة الربادي، والذي احتضنه نادي القصة اليمني "إل مقه"، على تكريم الفائزين الثلاثة بالجائزة، بل شمل التكريم عشرة من كاتبات وكُتاب القصة القصيرة في اليمن. وصاحب الحفل معرض فني للفنانة التشكيلية غادة الحداد، ومقطوعة موسيقية للفنان عبدالله الدبعي، بالإضافة إلى فقرات فنية وخطابية ومداخلات للحاضرين، تناولت أهمية دور جائزة الربادي في تحريك المياه الراكدة في مجال السرد القصصي، والمشهد الثقافي في البلاد بشكل عام.
ويعد الأديب والمناضل السياسي محمد علي حسن الربادي، الذي تحمل الجائزة اسمه، من الشخصيات الثقافية اليمنية البارزة؛ حيث لعب، طيلة مسيرة حياته، دورًا مؤثرًا في النضال السياسي والاجتماعي، والانتصار لحقوق الكادحين، والدفاع عن قيم الثورة والجمهورية، بالإضافة إلى اتصاله الدائم بقضايا الأمة العربية، وكل ذلك عبر الكلمة والموقف الإنساني والعمل الدؤوب.
وُلد الربادي في مدينة إب عام 1936، وشغل مسؤوليات كثيرة، منها خطيب الجامع الكبير في مدينة إب، ومنصب وكيل بوزارة الإعلام، ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنين (1990-1992)، وانتخب عضوًا في البرلمان اليمني حتى وفاته في عام 1993.